الخميس، 20 نوفمبر 2025

06:39 م

حتى ُتزهر الديمقراطية عندنا

في كل مرة نسمع فيها كلمة ديمقراطية في البلدان النامية، نجدها غالباً تُستخدم كشعار سياسي أكثر من كونها ممارسة حقيقية. فالسؤال الذي يفرض نفسه: لماذا تبدو الديمقراطية بعيدة عنا، بينما تتحقق ولو بنسب متفاوتة في دول تُوصف بأنها حرة ومتقدمة؟

الحقيقة أن غياب الديمقراطية ليس عيباً جينياً في شعوب الجنوب العالمي، بقدر ما هو نتيجة تراكم لعوامل سياسية واقتصادية واجتماعية صنعت بيئة طاردة لأي شكل من أشكال التداول السلمي للسلطة.

أولاً: مؤسسات ضعيفة لا تحمي أحداً

الديمقراطية تُبنى على مؤسسات قوية، محايدة، قادرة على ضبط السلطة ومحاسبة أصحابها.
لكن في معظم الدول النامية، تتغوّل السلطة التنفيذية على القضاء والبرلمان، فتتحول الدولة إلى شخص، والحكم إلى مزاج، والقانون إلى نصّ يُطبّق أو يُهمل حسب الحاجة.

ثانياً: الفقر… العدو الخفي للديمقراطية

في مجتمعات منهكة اقتصادياً، تصبح السياسة سلعة تُشترى: صوت مقابل خدمة، تأييد مقابل بطانية أو كرتونة رمضان.
حين يتحول المواطن إلى محتاج، يتحول السياسي إلى وسيط خدمات، لا ممثل شعب.

ثالثاً: الفساد الذي يبتلع كل محاولات الإصلاح

في دول تتداخل فيها المصالح الخاصة بالنفوذ العام، يصبح الحفاظ على السلطة أولوية تفوق أي رغبة في الإصلاح.
الفساد لا يقتل الديمقراطية فحسب… بل يمنع ولادتها من الأساس.

رابعاً: إرث استعمار وصراعات صنعت دولاً بلا استقرار

كثير من الدول النامية خرجت من الاستعمار بحدود هجينة وهويات متصارعة، ما جعلها تميل إلى النظم السلطوية باعتبارها “المنقذ من الفوضى”، ولو مؤقتاً، ثم يصبح المؤقت دائماً.

خامساً: وعي سياسي محدود وإعلام موجّه

الديمقراطية تحتاج مجتمعاً يعرف حقوقه ويمتلك قدرة على المحاسبة.
لكن اختيار السياسيين في ظل غياب المعرفة يتحول إلى لعبة انفعالات قبلية وطائفية وشعبوية، لا إلى اختيار برامج ومشروعات.

وهل الديمقراطية في دول الحريات كاملة؟ بالطبع لا

الديمقراطية في البلدان المتقدمة تعمل، لكنها ليست مثالية.
هناك نفوذ لوبيات، وتحكم رأس المال، وإعلام يصنع الرأي العام.
لكن الفارق الجوهري أن المؤسسات هناك أقوى من الأشخاص، والقانون أكبر من الحاكم، والرقابة المجتمعية قادرة على تصحيح المسار قبل انحرافه.

الديمقراطية ليست مجرد صناديق اقتراع، بل منظومة تحتاج قانوناً مستقلاً، ومؤسسات قوية، ومجتمعاً واعياً، واقتصاداً مستقراً.
وفي العالم النامي، ما يزال الطريق طويلاً… لكن الوعي يتزايد، والأنظمة تتغير، والشعوب بدأت تفهم أن الديمقراطية ليست رفاهية سياسية، بل شرط للعدالة والتنمية والكرامة..

رابط مختصر

تابعونا على

search