اشتياق لا لقاء له، وبقاء رغم الرحيل
دائما الاشتياق سؤال معلّق في الهواء لا يملك إجابة واحدة، ولا يستطيع أحد الهروب منه تمامًا. هناك أوقات نُحب فيها بعمق لا يشبه الضجيج، حبّ هادئ، مستقر، لا يؤذي لكنه لا يتوقّف، نحبّ شخصًا لم يعد في المكان، لكنه ما زال في الروح لم يعد في اليد، لكنه ما زال في الشعور. وهنا يبدأ ذلك النوع من الاشتياق الذي يشبه الهمس اشتياق لا يثقل الروح، لكنه لا يموت.
يحدث أحيانًا أن نُصادف إنسانًا يعلّق فينا أثرًا لا نفهمه، علاقة لا تكتمل، خطوة توقّفت في منتصف الطريق. ورغم أن اللقاء لم يعد ممكنًا لظروف، لمسافة، لاختيار، أو لنصيب يمشي بقدره فإن شيئًا ما يظلّ حيًا بين ضلوعنا، شيئًا ناعمًا، نظيفًا، لا نحاربه ولا نستسلم له فقط نتعايش معه.
وعلاج الاشتياق هنا ليس النسيان، وليس الهروب، وليس القسوة على القلب، بل شيء أبسط وأصدق:
أن نعترف بما نشعر، دون أن نصارح أحدًا.
أن نُحسن الاحتفاظ بالذكرى دون أن نسمح لها أن تلتهم حاضرنا.
أن نعرف أن الحب الذي لم يكتمل، قد يظلّ فينا بشكل لا يؤذينا، كنافذة صغيرة يدخل منها نور خفيف لا يزعج، ولا يختفي.
الاشتياق الذي لا لقاء بعده، لا يُطفأ بالغياب، لكنه يتوازن حين نفهمه. فالحنين لا يطلب عودة، ولا يسأل عن حق، ولا يطالب بفرصة جديدة؛ هو فقط تذكير بأن القلب مرّ ذات يوم بمكان دافئ، وأن الإنسان قادر على الحب مهما تبدّلت الحياة.
وكثيرًا ما يقول علماء النفس إن المشاعر التي لا تجد بابًا للخروج، تتحوّل إلى شكل من أشكال “التعايش الهادئ” نحبّ دون أن ننتظر، نشتاق دون أن نبحث، ونتذكّر دون أن ننكسر. الامتلاء هنا ليس في امتلاك الشخص بل في امتلاك الثبات الداخلي الذي تركه فينا.
فما علاج الاشتياق؟
ربما أن نحب بصدق دون أن نُطالب، وأن نشتاق دون أن نتأذى وأن نترك القلب يتنفس ما يشعر به دون أن نخجل من ذلك.
أن نفهم أنّ بعض المشاعر لا يأتي ليكتمل، بل ليهذب فينا شيئًا… ليعلمنا الرِقة، أو الصبر، أو الحضور الداخلي الذي لا يصنعه أحد غيرنا.
وهكذا يبقى الاشتياق مساحة معلقة بين الأخذ والمنح، بين ما احتفظنا به وما أفلتناه من أيدينا. نشتاق لأن القلب لم ينسَ، ونتماسك لأن العقل تعلم كيف يقف وحده. نُحب حد الامتلاء، ثم نتراجع خطوة كي لا ننكسر. نتذكرك بكل دفء، ثم نُطفئ في داخلنا نار السؤال كي لا نُحرق ما تبقّى منا. نشتاق لأنه كان يومًا وطنًا، ونتجاوزك لأنه لم يعد بيتًا يمكن أن نسكنه. هذا ليس انتصارًا ولا هزيمة هذا شكل آخر من النجاة، النجاة التي تعلمنا أن ننحني أمام العاطفة دون أن نسقط، وأن نحمل الوجع دون أن ينكسر ظهر الروح وأن نترك الباب مفتوحًا للذكرى لكن مغلقًا على العودة.
وفي النهاية يبقى السؤال الذي يخص كل قارئ:
كيف يتوقف قلب ما زال يمشي نحو مَنْ لا طريق إليه؟ ومَن نكون بعده؟!
نسخة تقاوم؟! أم ظل يحاول أن يتذكر كيف كان يضيء؟!
الأكثر قراءة
-
شهيدة الشرف.. مقتل فتاة بعد مقاومتها لمحاولة اعتداء في حدائق القبة
-
مشاهدة مباراة برشلونة وريال بيتيس بث مباشر
-
منتخب مصر يبقي على أماله في التأهل بتعادل صعب ضد الإمارات بكأس العرب
-
مباريات اليوم الأحد 7 ديسمبر 2025، اعرف المواعيد والقنوات
-
بدأ باحتكاك، 3 مصابين في معركة دامية بكرداسة (فيديو)
-
برشلونة يعزز صدراته بخماسية ضد ريال بيتيس
-
8 مصابين في انهيار جزئي لشدة خشبية داخل عقار تحت الإنشاء بالقليوبية
-
الاعتذارات تتوالى، انسحاب جديد بعد الحكم بإلغاء الانتخابات البرلمانية بالفيوم
مقالات ذات صلة
ويأخذني الحنين إليك كلَّ ليلة، فأعرف أنه لا مفر منك إلا إليك
20 نوفمبر 2025 02:50 م
في القلب مكان لم يصل إليه أحد
10 نوفمبر 2025 05:08 م
على مقعد الغياب
18 أكتوبر 2025 03:04 م
لم يكن لقاءً عابرًا
28 سبتمبر 2025 06:08 م
أكثر الكلمات انتشاراً