ما وراء السور
دائماً ما يشكّل اختيار المدرسة لأولياء الأمور أزمة كبيرة أثناء التقديم لأبنائهم، ثم تنتهي الأزمة عند الاختيار، ودائماً ما تشكل الامتحانات عائقاً حتى تنتهي أزمة اختيار سنتر الدروس الخصوصية ودفع المقدم، ودائماً ما تشكل التربية لغطاً حتى تستقر الأسرة على اختيار اللغة التي سوف يتحدثون بها داخل أروقة الڤيلا، وفي الغالب تكون اللغة الإنجليزية.
وكأن دور الأسرة في الاختيار فقط دون المتابعة... والصرف دون التربية واللغة دون التثقيف، ثم يتفاجأ الأب والأم بأن طفلهما تعرض لأزمة ولم يفصح عنها أو أن طفلهما لم يذهب للدروس ولم يحصل على نتائج لدخول كلية خاصة فخمة لاستكمال باقي الوجاهة الاجتماعية، فلم يعد التخفي خلف جودة اللغات يكفي.
وكأن نظرية أن الأهم من الشغل هي ضبط الشغل هي المنافيستو وكتيب التشغيل لأي عمل، ففي مجال المدارس أصبح ضروريا جداً أن تكون مدرسة انترناشيونال أمريكان أو بريتيش وإلا سيصاب الطفل بعدوى البريتيش الموسمية أو ڤيروس الأمريكان العنقودي، وقد يتعرض لتنمر من المجتمع لأنه لم يوفق في ذلك، دون النظر عن أي قيم سوف تنهار وتنصهر لصالح اللغة الأجنبية ومجتمع الكومباوند الجديد.
وبناء عليه تقوم المدرسة بعمل مقابلة لأولياء الأمور حتى تتأكد أنهم لائقون نفسيا واجتماعيا وتعليمياً وماليا لهذه الطفرة الجينية التي سوف تنقلهم إلى الفضاء الخارجي، وتجعلهم من الجنس السامي، فيتم تأهيلك نفسياً وذهنياً بهذه الطريقة الطبقية وإشعارك بدونيّتك لتتقبل بعد ذلك أية إملاءات تملى عليك من زيادة مصروفات مبالغ فيها أو رسوم احتفال عيد الهلع، أو رسوم حفلة آخر العام والتي يحييها بيكا أو شاكوش بما أنهما تريند العام، أو حتى عرض طفلك على طبيب نفسي لأنه يتحدث العربية في الفسحة مثلا.
وفي خضم هذا الضغط النفسي ينسى أولياء الأمور رسالتهم في الحياة ودورهم الذي حدثنا عنه الله في التربية وليس الإنجاب والصرف فقط، فكلنا خلفاء في الأرض وطفلك هو خليفة لله في الأرض، ليس خليفة لك أنت، فكان من الضروري قبل البحث عن التربية بالصرف البحث عن التربية بالقيم، المتابعة، الرعاية الحقيقية، التقويم الإيجابي، فتجد أن الآباء والأمهات قرروا التنازل عن رسالتهم في مقابل راحتهم.
فتجد مع الوقت عادات وتقاليد وتصرفات جديدة كلياً حلّت محل القيم الفطرية التي نشأ عليها الإنسان، وكلما اقتربت أكثر من هذه التصرفات الجديدة كلما أصبحت أكثر تحضراً وأكثر تألقاً وأكثر تعالياً وأكثر طبقية، وتجد المدرسة تعزز هذه القيم الجديدة وتتوسع في نشرها دون الخوض في قيم بناء الإنسان، فهي تكتفي بهدم قيم الإنسان فقط لأنها ما تجلب لهم الأموال، حتى أنهم قد نسوا في صراعهم على انتقاء طلابهم أن يجروا مقابلات وفحوصات أمنية ونفسية وطبية للعاملين لديهم فتجد منهم المتحرش الذي يقوم بتشكيل عصابة من المتحرشين التي تهتك أعراض الأطفال وبشكل منتظم!! تجد كاميرات مراقبة لا تعمل ولم تركب بشكل أمني وعلمي سليم، وتجد تسترا على أمور عدة حتى لا يمس حسابهم في البنك ويفقدون الكثير من الأموال، تجد سائق الأتوبيس غير حريص على حياة الأطفال وتكتفي المدرسة بعبارة (وقوف متكرر) وتجد مشرفة الأتوبيس ضعيفة الشخصية خشية أن ينهرها طفل ابن ذوات.
وتجد أيضاً ولي أمر يشتري شهادة جامعية حتى يتمكن من إلحاق طفله بركاب أبناء العظماء المختارين، وتجد نظام حياة بالكامل يتغير حتى تليق هذه الأسرة بهذا المكان المقدس وتجد في نهاية المطاف أن كل المكتسبات من الانضمام إلى هذا المكان هو التحدث باللغة الأجنبية بطلاقة، لكن مستوى المعلومات لا يختلف كثيرا عن أي طالب في أي مدرسة، فتجد أنك دفعت أموالا طائلة للحصول على كورس لغة أجنبية، والتحقت بمجتمع يسمح لك أن تنضم إليه بالكثير من الأموال وتتمكن من التعالي على من هو خارج هذا المجتمع.
هذا ببساطة ملخص التعليم الأجنبي في مصر.... مشاكل إدارية تتخفى خلف نظريات التعالي على أولياء الأمور ومشاكل نفسية للعديد من الطلبة تتوارى خلف المجتمع الجديد والجيل الجديد والحياة الغربية، ومشاكل اجتماعية يتخلص منها أولياء الأمور بالتخفي داخل مجتمع آخر، وكأن الهروب من الحقيقة والبعد عن الهوية هو الملاذ وتحدث الإنجليزية هو جواز مرور إلى عالم الأكابر، ومجتمع يشعر بالاغتراب من تعدد الهويات والثقافات داخله، ونظرات دونية متبادلة بين أبناء المدارس العليا والدنيا، وتسير مركب التعليم وتزداد بها الثقوب لا نعلم متى يتم سد هذه الثقوب أو كيف، وكل أعضاء السفينة يشير بالتقصير إلى الأخر، وفي الحقيقية كله مستفيد إلا الأبناء.
الأكثر قراءة
-
بالمستندات، نص التحقيقات مع مديرتي مدرسة الإسكندرية في الاعتداء على 14 طفلًا
-
موعد مباراة بيراميدز وفلامنجو في كأس التحدي والقنوات الناقلة
-
بعد صور متداولة، حقيقة تدهور الحالة الصحية للفنانة عبلة كامل
-
منها إهمال الصيانة، حالات تتيح للمالك فسخ عقد الإيجار القديم
-
نائب محافظ الأقصر يزور مصابي انهيار منزل إسنا ويواسي أسر الضحايا
-
سعر صرف الدولار مقابل الجنيه اليوم السبت 13 ديسمبر 2025
-
"كميات محدودة"، الحكومة تعلق على تسرب مياه الأمطار إلى بهو المتحف الكبير
-
"العمل" تُعلن عن 747 وظيفة في شركات قطاع خاص بالجيزة
مقالات ذات صلة
فئران تجارب
06 ديسمبر 2025 08:30 ص
ثمن القيمة
29 نوفمبر 2025 08:30 ص
ماذا عن مزاجنا العام؟!
22 نوفمبر 2025 08:30 ص
جلابية بارتي
15 نوفمبر 2025 08:30 ص
أكثر الكلمات انتشاراً