"محطة مصر" تروي حكايات السياسة والثقافة على أرصفة التاريخ

محطة سكك حديد مصر
منى الصاوي
منذ أن بزغ فجرها في منتصف القرن التاسع عشر، شكلت محطة مصر برمسيس، أو كما يحلو للبعض تسميتها "محطة رمسيس"، عصبًا حيويًا في جسد العاصمة المصرية، ورمزًا للتواصل والربط بين مختلف أرجاء البلاد.

الحلم البريطاني
قبل أن تصبح مصر مهد السكك الحديدية في أفريقيا والشرق الأوسط، وثاني دولة في العالم تشهد قطارًا يقطع أراضيها بعد المملكة المتحدة، كانت هناك محاولةٌ بريطانيةٌ طموحة كادت أن تُغيّر مجرى التاريخ.
في عهد محمد علي باشا، تقدمت إنجلترا بعرض لبناء خط سكة حديد يربط بين السويس والإسكندرية، ليشكل شريانًا حيويًا للتجارة والنقل بين البحر الأحمر والبحر المتوسط، وعلى الرغم من وصول بعض القضبان إلى مصر سنة 1834 للشروع في تنفيذ المشروع، فإن والي مصر تراجع عن قراره، مدفوعًا بمخاوف سياسية من عواقب ربط مصر بالعالم الغربي وفصلها عن دول الشرق.

"باب الخوف" يُغلق على حلم القطار
يُمكن القول إن "باب الخوف" قد أُغلق على حلم القطار في عهد "محمد علي"، الذي فضّل الحفاظ على التوازنات السياسية آنذاك، وعدم الانخراط في مشروع ربما يهدد استقرار البلاد أو يثير حفيظة الدولة العثمانية، ولكن هذا التردد لم يمنع مصر من أن تُصبح بعد سنوات قليلة رائدة في مجال السكك الحديدية في المنطقة، لتسطر فصلًا جديدًا في تاريخ التقدم والتطور.

الخديوي عباس الأول يكمل حلم “محمد علي”
في بداية خمسينيات القرن التاسع عشر، تحقق حلم محمد علي باشا في إنشاء سكك حديدية في مصر على يد حفيده الخديوي عباس الأول، الذي أراد أن يلحق مصر بركب التطور الصناعي الذي شهدته أوروبا.
في عام 1851، وقع الخديوي عباس الأول عقدًا مع المهندس البريطاني روبرت ستيفنسن، ابن جورج ستيفنسن مخترع القاطرة الحديدية، لإنشاء أول خط سكة حديد في مصر، يربط بين القاهرة والإسكندرية بطول 209 كيلومترات، ووفرت مصر العمال والأطباء والأدوية لدعم هذا المشروع الضخم.

انطلاق أول قاطرة في مصر
بعد ثلاث سنوات من العمل الدؤوب، تم افتتاح أول خط سكة حديد في مصر عام 1853، وشهدت مدينة كفر الزيات في منطقة الدلتا انطلاق أول قاطرة على الأراضي المصرية، لتُعلن بداية عهد جديد من التقدم والتطور.
في عهد الخديوي إسماعيل، شهدت سكك حديد مصر توسعات كبيرة، حيث تم استكمال خط القاهرة الإسكندرية عام 1856، وتلاه خط القاهرة بورسعيد عام 1858، كما امتدت خطوط السكك الحديدية إلى صعيد مصر عام 1874، لتصل إلى محافظة أسيوط، ثم إلى الأقصر عام 1898 في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني.

نشأة وتطور محطة مصر
يعود تاريخ إنشاء هذه المحطة العريقة إلى عام 1855، تزامنًا مع تدشين أول خط سكة حديد في مصر، لتربط بين القاهرة والإسكندرية، ومنذ ذلك الحين، توسعت "محطة باب الحديد" كما كانت تُعرف قديمًا نسبةً إلى أحد أبواب سور قلعة صلاح الدين الأيوبي، وشهدت تطورات معمارية متعددة، لتصبح المحطة المركزية الأكبر والأهم في مصر، وقد خضعت لتوسعة مرتين، الأولى عام 1892 والثانية عام 1955، لتواكب التطور المتزايد في حركة النقل والسفر.

من "باب الحديد" إلى "رمسيس"
في قلب القاهرة، يقف مبنى محطة مصر شامخًا، يحكي قصة تطور معماري وثقافي امتد لأكثر من قرن ونصف، فمنذ إنشائه عام 1856 على يد المهندس البريطاني إدوين باتر، حمل هذا المبنى أسماءً متعددة، عكست كل منها مرحلة مهمة من تاريخه.
صمم باتر مبنى المحطة على الطراز العربي الإسلامي، ليشكل تحفة معمارية تزين ميدان محطة سكك حديد مصر، وقد عرف هذا الميدان في البداية باسم "باب الحديد"، لوجود بوابات حديدية كبيرة تحيط به.
وعلى الرغم من إزالة هذه البوابات عام 1798، فإن اسم "باب الحديد" ظل عالقًا في أذهان المصريين، ليُطلق على المحطة نفسها.

"رمسيس".. اسم جديد يرتبط بتمثال الملك
في عام 1955، شهد ميدان المحطة حدثًا هامًا تمثل في وضع تمثال الملك "رمسيس الثاني" في قلبه، ليُصبح اسم "ميدان رمسيس" هو الاسم الرسمي والشائع له، وقد امتد هذا الاسم ليشمل المحطة نفسها، والتي أصبحت تُعرف بـ "محطة رمسيس".
على الرغم من نقل تمثال رمسيس الثاني من الميدان عام 2006، فإن اسم "رمسيس" ظل مرتبطًا بالمحطة حتى يومنا هذا، ليصبح جزءًا لا يتجزأ من ذاكرة المكان وتاريخه.
لا يقتصر دور محطة مصر على كونها محطة قطارات فحسب، بل تشكل بمبناها التاريخي ومتحفها الغني كنزًا حضاريًا يروي فصولًا مهمة من تاريخ مصر الحديث.

متحف سكك حديد مصر
يعد متحف سكك حديد مصر، الذي أنشئ عام 1932 داخل محطة مصر، الأول من نوعه في الوطن العربي، والثاني على مستوى العالم بعد المتحف البريطاني، ويضم المتحف مجموعة فريدة من المقتنيات التي تحكي قصة بداية سكك حديد مصر، وتبرز التطور التاريخي لهذا المرفق الحيوي.

أرشيف تاريخي مصور
لا يقتصر المتحف على عرض تاريخ السكك الحديدية، بل يشكل أيضًا أرشيفًا تاريخيًا مصورًا لرؤساء وملوك مصر والعالم، ويسلط الضوء على الأحداث السياسية والاجتماعية الكبرى التي شهدتها مصر مثل ثورة 1919، وثورة 1952، وهزيمة 1967، وانتصارات حرب أكتوبر 1973، إضافة إلى ثورتي 25 يناير و30 يونية.

الأكثر قراءة
-
لماذا تصدّر الأهلي مجموعته في مونديال الأندية رغم تساوي النقاط مع منافسيه؟
-
حظك اليوم الاثنين 16يونيو 2025.. ستكون سعيدًا للغاية
-
مراجعة ألماني تالتة ثانوي 2025.. ملخصات وأسئلة
-
بعد صراع إسرائيل وإيران.. هل تتحقق نبوءات بابا فانغا بشأن نهاية العالم؟
-
نموذج امتحان الفرنساوي تالتة ثانوي 2024
-
بابل شيت ثانوية عامة 2025 pdf.. نموذج للتدريب
-
طالب جامعي يتخلص من شقيقه بسبب مبلغ مالي في سوهاج
-
ماذا يحتاج الأهلي للتأهل إلى دور الـ16 في كأس العالم للأندية؟

أخبار ذات صلة
قبل القصف الإسرائيلي.. من هي سحر إمامي آخر وجه على التليفزيون الإيراني؟
16 يونيو 2025 07:22 م
حلم فيفا الكبير| مونديال الأندية.. الكرنفال الذي لا يرغب أحد بالرقص فيه
16 يونيو 2025 06:48 م
"الماماد" تحت الاختبار.. صواريخ إيران تكشف ثغرات الملاذ الآمن بإسرائيل
16 يونيو 2025 05:32 م
أوسكار أوستاري.. نهض من رماد الإصابات ليُسدد دين الذكريات لميسي
16 يونيو 2025 11:32 ص
ضربات موجعة.. ماذا تخفي إسرائيل من خسائرها جراء الهجمات الإيرانية؟
15 يونيو 2025 05:09 م
صلاح الشرنوبي.. ابن الأنفوشي الذي أنصف فناني لبنان على المصريين
15 يونيو 2025 05:22 م
رحلة صلاح.. "مشي على الأشواك في مصر" إلى اعتلاء عرش ليفربول
15 يونيو 2025 03:58 م
لطلاب الشهادة الإعدادية.. كل ما يخص مدارس غبور للسيارات 2025
15 يونيو 2025 12:05 م
أكثر الكلمات انتشاراً