الإثنين، 06 أكتوبر 2025

05:19 م

مباراة العبور.. عندما علت تكبيرات 6 أكتوبر ملعب الترسانة

حرب أكتوبر

حرب أكتوبر

في السادس من أكتوبر عام 1973، لم يكن أحد يتوقع أن يتحول يوم كروي عادي إلى جزء من أضخم عملية خداع استراتيجي في القرن العشرين، وأن يصبح ملعب الترسانة الذي أقيمت عليه مباراة غزل المحلة والطيران، شاهدًا على لحظة فارقة تتجاوز حدود كرة القدم.

فرصة العمر

مع بداية موسم 1973-1974 للدوري المصري، اتخذ اتحاد الكرة، قرارًا بعدم تطبيق نظام الهبوط في الموسم السابق (1972-1973)، مع صعود بعض فرق الدرجة الثانية إلى الدرجة الأولى، ليصبح عدد الفرق المشاركة أكبر من المعتاد، حيث وصلت تقريبًا إلى 18 فريقًا.

ودخل الأهلي، الموسم، مدعمًا بعدد من الصفقات الجديدة، أبرزها أحمد عبدالباقي من نادي ألماني، الذي انضم للفريق وشارك سريعًا مع الفريق الأول، إلى جانب انضمام حسن صالح من المصري البورسعيدي، وجمال عبدالعظيم من القناة.

وكان الفريق الأحمر تحت قيادة المدرب العالمي المجري ناندور هيديكوتي، الذي بدأ يتعرف على الفريق ويضع بصمته الفنية، رغم أن إنجازاته لم تتضح إلا في الموسم التالي.

انطلقت المسابقة في سبتمبر 1973، وفي الأسبوع الثاني مُني الأهلي بهزيمة مفاجئة أمام نادي الطيران بهدف عصام شعبان في الدقيقة 61. 

وفي الجولة نفسها، خسر الزمالك أمام غزل المحلة في ملعب المحلة بهدف سجله مدافع الزمالك البرديسي بالخطأ في مرماه.

وبعد نحو خمسة أسابيع، التقى الزمالك مع الاتحاد السكندري، يوم الجمعة 5 أكتوبر 1973 في القاهرة. كانت المباراة هجومية من جانب الزمالك، يقابلها دفاع مستميت من الاتحاد، لتنتهي بالتعادل السلبي 0-0. 

وأضاع حمدي إمام، في تلك المواجهة فرصة محققة أمام المرمى، حتى إن المعلق الشهير محمد لطيف، وصفها بأنها "فرصة العمر"، وهو تعبير كان يُسمع لأول مرة تقريبًا في تلك الفترة.

في المقابل، فاز الأهلي، بسهولة على المريخ البورسعيدي بهدفيّن، أحرز منهما محسن صالح هدفًا مهمًا.

وفازت الترسانة على المنصورة بهدف، وبنفس النتيجة فازت الشرقية على دمياط، ومنتخب السويس على القناة، فيما حقق البلاستيك الفوز على بني سويف 3-2، كانت هذه المباريات جزءًا من خطة التمويه المصرية التي عززت فكرة أن الأمور تسير بشكل طبيعي.

"الله أكبر"

وفي ظهر السادس من أكتوبر، أقيمت مباراة غزل المحلة والطيران، إذ لم تكن مجرد مواجهة في الأسبوع الخامس من الدوري، بل تحولت إلى "مباراة العبور"، إذ امتزجت صيحات الجماهير بهتاف "الله أكبر" مع دوي الطائرات المصرية فوق القناة.

وبدأت المواجهة في الثانية والنصف ظهرًا، أي بعد دقائق من انطلاق الضربة الجوية المصرية الأولى فوق قناة السويس.

ومع بداية الشوط الأول، فوجئ لاعبو المحلة، بهتافات جماهيرهم باسم “الطيران”، ظن اللاعبون في البداية، أن الجماهير تشجع الفريق المنافس، لكن الحقيقة سرعان ما انكشفت في الاستراحة، الجماهير لم تهتف لنادي الطيران، بل للطائرات المصرية التي بدأت معركة التحرير.

وعاد الفريقان، لاستكمال المباراة، لكن الأجواء بدت مختلفة، أحرز فريق الطيران الهدف الأول، ورد غزل المحلة بهدف لعمر عبدالله بعد دقائق، لتنتهي المباراة بالتعادل 1-1. 

ومع إذاعة البيان الأول للعبور عبر الراديو، انفجرت الجماهير في المدرجات بالهتاف "الله أكبر"، وتحول الملعب إلى ساحة فرح هستيرية، لم يعد اللقاء مجرد مباراة كرة قدم، بل جزء من لحظة تاريخية خالدة.

ويتذكر حنفي هليل، أحد نجوم الفريق، تلك المباراة، قائلًا، إن الأجواء كانت طبيعية في بدايتها، لكن مع انطلاق الحرب تحولت المدرجات إلى ساحة للفرحة والفخر، فيما دخل اللاعبون أنفسهم في حالة من الانفعال والاحتفال بعدما أعلن الراديو خبر العبور.

مباراة العبور

وهكذا، بقيت مباراة غزل المحلة والطيران، رمزًا فريدًا في تاريخ الكرة المصرية، إذ جمعت بين المستطيل الأخضر وملحمة التحرير، لتظل محفورة في الذاكرة بوصفها "مباراة العبور".

وخاض غزل المحلة، تلك المواجهة وهو يحتل المركز الثاني في جدول الدوري خلف النادي الأهلي، بينما كان فريق الطيران يقبع في المركز السابع بالبطولة المحلية. وفي ختام الأمر، اعتُبر زعيم الفلاحين بطلاً للمسابقة بصفته حامل لقب الموسم الماضي.

كان من المقرر أن يشهد هذا الأسبوع مواجهة أخرى بين المصري والإسماعيلي، لكنها ألغيت نظرًا لأن المدينتين كانتا على خط المواجهة في الجبهة. 

وفي المساء، اجتمع اتحاد الكرة، وقرر إلغاء المسابقة بالكامل، لتكون مباراة غزل المحلة والطيران آخر لقاء في الدوري قبل توقف النشاط الكروي بسبب الحرب. 

كما انسحب النادي الإسماعيلي، من البطولة الإفريقية في تلك الفترة، كانت أيامًا استثنائية امتزجت فيها كرة القدم بملاحم التاريخ، لتظل في الذاكرة الوطنية والرياضية على السواء.

search