تكتيك المراوغة وضم الأراضي.. هل أصبحت "إسرائيل الكبرى" أمرًا واقعًا؟

التوسع الإسرائيلي في الأراضي العربية
تسعى إسرائيل إلى توسيع نطاق سيطرتها الجغرافية مستغلة أي فرصة سانحة لالتهام مزيد من الأراضي، في إطار تحقيق أهدافها التوسعية التي لطالما شكّلت جزءًا من رؤيتها الاستراتيجية، حيث يعد مخطط "من النيل إلى الفرات" أحد طموحاتها المنشودة.
رغم تأكيد الجيش الإسرائيلي للسكان المحليين في القرى السورية المحتلة في الجولان على أن وجوده مؤقت ويهدف فقط إلى الاستيلاء على الأسلحة وتأمين المنطقة عقب انهيار نظام الرئيس بشار الأسد، فإن المعطيات على الأرض تشير إلى نية أكثر ديمومة، وفق ما أفاد به سكان محليون وصور أقمار صناعية حديثة.
صور الأقمار الصناعية تكشف توسعًا عسكريًا
وأظهرت صور التقطتها الأقمار الصناعية ونشرتها صحيفة “واشنطن بوست”، وجود ست مركبات عسكرية داخل قاعدة إسرائيلية مسوّرة في منطقة جباتا الخشب، إلى جانب بناء مماثل آخر على بعد خمسة أميال جنوبًا.
ويرتبط الموقعان بطرق ترابية جديدة تمتد داخل مرتفعات الجولان التي احتلتها إسرائيل في حرب 1967، كما رُصدت أراضٍ جرى تطهيرها، حيث يُرجّح أنها ستستخدم لإنشاء قاعدة ثالثة في المنطقة.
وتُظهر مقارنة لصور الأقمار الصناعية الملتقطة بين 20 ديسمبر 2024 و21 يناير 2025، أن إسرائيل أنشأت قاعدة عسكرية جديدة قُرب منطقة الحميدية خلال شهر واحد فقط.

خرق المنطقة العازلة ووقف إطلاق النار
وبعد انهيار نظام الأسد في 8 ديسمبر الماضي، اخترقت القوات الإسرائيلية "خط ألفا"، متوغلة داخل المنطقة العازلة التي تراقبها الأمم المتحدة، رغم اتفاقية 1974 التي تنص على نزع سلاحها، وتكرر دخول القوات الإسرائيلية إلى المنطقة، معتبرة أن الاتفاق أصبح "باطلًا".
كما أظهرت صور الأقمار الصناعية إنشاء طريق جديد يمتد إلى قمة تل قرب قرية كودانا، جنوب القنيطرة، ما يوفر نقطة مراقبة إضافية للقوات الإسرائيلية.
خطة تهجير الفلسطينيين
وفي سياق هذا المخطط سعت إسرائيل، بدعم أمريكي، إلى تهجير الفلسطينيين من غزة إلى دول مجاورة، إلا أن هذا المسعى واجه رفضًا عربيًا قاطعًا، خاصة من مصر والأردن، ما شكل عقبة أساسية أمام تنفيذه.
ورغم الضغوط المكثفة التي مارستها تل أبيب وواشنطن على العواصم العربية لدفعها إلى القبول بهذا المخطط، فإن تلك المحاولات باءت بالفشل، وتجدر الإشارة إلى أن قطاع غزة يحمل أهمية أكبر لترامب مقارنة بنتنياهو، نظرًا لطموحاته الاقتصادية.
طموحات أكبر في الضفة الغربية
بينما نتنياهو لا يزال يكرر تعهده بضم أجزاء من الضفة الغربية خاصة في المناطق المصنفة "ج"، التي تواصل إسرائيل توسيع مستوطناتها فيها، ما يعوق إقامة دولة فلسطينية مترابطة.
وفي سياق ضم الأراضي، تطرح إسرائيل خططًا لفرض سيادتها على مناطق استراتيجية مثل غور الأردن، مستندة إلى اعتبارات أمنية واقتصادية، كما تسعى الحكومات الإسرائيلية إلى تشريع البؤر الاستيطانية غير القانونية عبر قوانين تتيح مصادرة الأراضي الفلسطينية لصالح المستوطنين.
مساعٍ لتوسعة إسرائيل
وفي إشارة إلى صغر حجم إسرائيل والسعي إلى توسعتها، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال مؤتمر صحفي بالمكتب البيضاوي، أمس: "إن مكتبي يشبه الشرق الأوسط، وإذا نظرت إلى هذا القلم الجميل في يدي، فإن رأسه يعكس حجم إسرائيل"، في إشارة إلى ضآلة مساحتها مقارنة بمحيطها الجغرافي.

مخطط “من النيل للفرات”
ويُعتبر مخطط "من النيل إلى الفرات" من أبرز القضايا المثيرة في الصراع العربي الإسرائيلي، حيث يروّج بعض التيارات الصهيونية لفكرة توسعية مستوحاة من نصوص دينية وتاريخية.
ورغم عدم تبني الحكومات الإسرائيلية له رسميًا، فإن سياسات التوسع الاستيطاني والهيمنة الإقليمية تعكس هذه الرؤية، ما يثير القلق في العالم العربي والمجتمع الدولي.
ومنذ تأسيس دولة الكيان عام 1948، استخدمت إسرائيل استراتيجيات متنوعة للتوسع الإقليمي، بدءًا من حرب 1967 إلى اتفاقيات التطبيع التي عززت وجودها في المنطقة، كما أن استمرار الاستيطان وضم الأراضي، إلى جانب التدخل في شؤون الجوار، يشير إلى رؤية جغرافية أوسع قد تكون امتدادًا للمخطط المثير للجدل.

حلم “إسرائيل الكبرى”
تحت مسمى “إسرائيل الكبرى” تسعى إسرائيل أيضًا إلى إقامة دولة تمتد على أراضٍ جغرافية تتجاوز الحدود التي تم تحديدها في اتفاقيات 1948.
ويعكس هذا المخطط تطلعات إسرائيلية للهيمنة على مناطق واسعة تشمل أجزاءً من فلسطين، وجنوب لبنان، وسوريا، والأردن وحتى مصر، وتباينت تصورات "إسرائيل الكبرى" عبر العصور، إلا أن السعي لتحقيقها كان دائمًا حاضرًا في السياسات الإسرائيلية.
بدأت فكرة "إسرائيل الكبرى" في الظهور منذ بداية الحركة الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر، ودعمها عدد من القادة الصهاينة مثل تيودور هرتزل، الذي كان يروّج لفكرة إقامة دولة يهودية تشمل مناطق شاسعة.
بعد إعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948، بدأت تحركات إسرائيلية تهدف إلى فرض سيطرتها على أراضٍ إضافية، عبر توسعات تدريجية في الأراضي التي كانت تحت الانتداب البريطاني.
حرب 1967 وتوسيع الحدود
شكلت حرب 1967، أو ما يعرف بـ"حرب الأيام الستة"، نقطة فارقة في تحقيق بعض جوانب مخطط “إسرائيل الكبرى”، وبعد الانتصار السريع في الحرب، تمكنت إسرائيل من احتلال مساحات كبيرة من الأراضي، بما في ذلك الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان السوري، فضلًا عن سيناء المصرية، التي أعيدت لاحقًا في إطار اتفاقية كامب ديفيد 1979.
ورغم كون هذه الأراضي تحت الاحتلال الإسرائيلي، فإن التوسع لم يتوقف بل استمر، ما زاد من الصراع المستمر مع الدول العربية.
التوسع الاستيطاني
بعد حرب 1967، بدأت إسرائيل في بناء مستوطنات يهودية في الأراضي المحتلة مثل الضفة الغربية ومرتفعات الجولان، كجزء من تنفيذ فكرة "إسرائيل الكبرى" على الأرض، وكان الهدف تغيير الواقع السكاني والجغرافي بما يتناسب مع أطماع إسرائيل في التوسع.
الرد العربي وسبل المقاومة
واجهت الدول العربية محاولات إسرائيل لتوسيع حدودها من خلال عدة طرق، وكان الرد العسكري هو الخيار الأول، حيث خاضت الدول العربية حروبًا ضد إسرائيل في محاولات لصد تمددها.
وكانت حرب 1948 استجابة لإعلان قيام إسرائيل في فلسطين، ورغم أن الدول العربية لم تتمكن من منع قيام الدولة، فإن الحرب أظهرت عزم الدول العربية على مقاومة التوسع الإسرائيلي.
وفي حرب 1967 ورغم أن إسرائيل كانت المنتصرة، فإن الدول العربية أظهرت تمسكًا كبيرًا بأراضيها المحتلة، ما أفضى إلى استمرار الصراع.
من جانب آخر، ظهرت المقاومة الفلسطينية كعامل رئيسي في مواجهة الاحتلال، حيث شكلت منظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها المختلفة جبهة موحدة لاستعادة الأراضي المحتلة.
التحديات السياسية والدبلوماسية
حاولت الدول العربية استخدام آليات الضغط الدولي لصد المخططات الإسرائيلية، حيث تدخلت الأمم المتحدة بشكل بارز عبر إصدار قرار رقم 242 بعد حرب 1967، الذي يطالب بانسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة.
كما جرت محاولات دبلوماسية مع إسرائيل، مثل اتفاقيات كامب ديفيد (1979)، وفي محاولة أخرى، تم التوصل إلى اتفاقات أوسلو في 1993 بين إسرائيل والفلسطينيين، لكن هذا لم يمنع التوسع الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية.
المقاطعة والتحالفات
وفي سبيل مواجهة التوسع الإسرائيلي، لجأت الدول العربية إلى فرض مقاطعة اقتصادية ودبلوماسية على إسرائيل، عبر منظمات مثل جامعة الدول العربية، كان الهدف منها عزل إسرائيل سياسيًا في العالم العربي وتعزيز دعم القضية الفلسطينية على الساحة الدولية.
وفي المقابل، تلقت المقاومة الفلسطينية دعمًا من دول مثل إيران وبعض الحركات في لبنان، مثل “حزب الله”، التي قدمت دعمًا مباشرًا للمقاومة ضد "إسرائيل الكبرى".
إسرائيل تراوغ وتماطل
وفي هذا الإطار، قال خبير العلاقات الدولية، الدكتور طارق البرديسي، إن الاحتلال الإسرائيلي يتبع نهجًا تدريجيًا قائمًا على المراوغة والمماطلة، مستغلًا أساليب التضليل وتقديم نفسه في صورة الضحية، بهدف تحقيق مشروع "إسرائيل الكبرى" بدعم من القوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة.
وتابع: “تسعى إسرائيل إلى زعزعة استقرار المنطقة العربية عبر تغذية الصراعات الداخلية، كما هي الحال في السودان، لضمان تفوقها كقوة مهيمنة في الشرق الأوسط”.
وشدّد البرديسي في تصريحات لـ"تليجراف مصر" على ضرورة تبنّي موقف عربي موحد لمواجهة المخططات الإسرائيلية التي تتجلى في تعزيز الوجود العسكري بالجولان وجبل الشيخ، إضافةً إلى التمدّد في جنوب لبنان والتباطؤ في الانسحاب منه رغم الهدنة، فضلًا عن مواصلة تهجير الفلسطينيين والاستيلاء على أراضي الضفة الغربية بذريعة إعادة الإعمار.
كما أشاد بدور الدول العربية في مواجهة هذه التحديات، داعيًا إلى تكثيف الجهود الدبلوماسية، خاصة بعد انعقاد المؤتمر الخماسي لوزراء خارجية دول عربية عرب مؤخرًا، على رأسها مصر.
-
12:00 AMالفجْر
-
12:00 AMالشروق
-
12:00 AMالظُّهْر
-
12:00 AMالعَصر
-
12:00 AMالمَغرب
-
12:00 AMالعِشاء


أخبار ذات صلة
جدل برلماني حول "الإيجار القديم".. هل ورطت الحكومة نفسها؟
01 مايو 2025 04:00 ص
"كانت حياة ابني على المحك".. قصص مأساوية من قلب العتمة في إسبانيا
30 أبريل 2025 07:53 م
بدأت بـ"هاشتاج" وانتهت بمؤبد.. التسلسل الزمني لقضية "طفل دمنهور"
30 أبريل 2025 04:12 م
أسباب الحرب بين الهند وباكستان.. هجمات عسكرية بعد 24 ساعة
30 أبريل 2025 06:00 ص
من غزة لـ إسبانيا.. معاناة أسرة فلسطينية فرقها القصف وأوجعها النزوح
29 أبريل 2025 09:53 م
غنى بها العندليب.. أنغام أول مصرية تشدو في قاعة "ألبرت الملكية"
29 أبريل 2025 07:22 م
زيادة القيمة 20 مرة.. أبرز ملامح قانون الإيجار القديم المقدم من الحكومة
29 أبريل 2025 06:06 م
كل ما يجب أن تعرفه عن مبادرة استيراد سيارات المصريين في الخارج
29 أبريل 2025 02:15 م
أكثر الكلمات انتشاراً