السبت، 02 أغسطس 2025

04:37 م

سامح مبروك
A A

بائعة الفسيخ والأردنية وفتاة قمرون.. جيوش الزومبي | خارج حدود الأدب

بدون حظر ولا حجر ولا إجراءات احترازية، وبدون حتى أن ينتبه العالم، أو ربما يتغافل، يجتاح الكوكب فيروسٌ مدمر، وهذا الفيروس الخطِر - للمصادفة - مصدره الصين، تمامًا كفيروس كورونا اللعين، ولكن الفيروس الجديد هذا أشد فتكًا وضراوة؛ فقد انتشر فيروس الكورونا وذاع صيته عام ٢٠٢٠، وترك من الندوب والجروح الدامية، بل العاهات المستديمة، في كل بيت من بيوت العالم ما لا يمكن علاجه على المدى القريب، فمن منا لا يتذكر ذلك الفزع الذي انتشر في العالم كما تنتشر النار في الهشيم، وتلك الإجراءات التي حالت بين تلك الأسرة البسيطة وأبسط متع الحياة؟

لكن الفيروس محل الحديث، ليس فيروسًا بالمعنى الحقيقي، ولكنه كان أكثر فتكًا من فيروسات حقيقية عدة، فمنذ ظهوره للعالم تحت اسم "دوين" في إحدى مقاطعات الصين في سبتمبر عام ٢٠١٧، وخلال مئتي يوم فقط، تجاوز عدد المصابين به مئة مليون مصاب.

وفي سبتمبر من العام التالي، ٢٠١٨، تطور الفيروس - كما هي حال كل الفيروسات - جينيًّا، وأُطلق عليه اسم جديد، وهو اسمه الحالي الذي يحتفظ به إلى الآن: "تيك توك"، ليغزو العالم كله من بعد الصين، ولم يمر سوى شهرين على هذا التطور، إلا وقرر الفيروس الخطر الاندماج والاستحواذ على أحد الفيروسات الأخرى المنتشرة في العالم بالفعل منذ عام ٢٠١٤، ولكن بحدة أقل، وكان يُدعى: "ميوزيكلي"، وتم الاندماج بالفعل في أغسطس من عام ٢٠١٨.

ليكسر عدد المصابين النشطين بهذا الفيروس نصف مليار مصاب نشط مع العام ٢٠٢٠ في العالم كله، وقد تخطى تعداد تحميله على الهواتف مليارًا ونصف المليار تحميل، أي هناك ما يقرب من مليار حامل للعدوى في العالم، وكان الغريب في هذا الفيروس أنه، على عكس الفيروسات المعروفة التي غالبًا ما تستهدف كبار السن والأطفال، كان هذا الفيروس يستهدف المراهقين بنسبة تقارب الخمسين بالمئة من إجمالي الإصابات.

تعاملت بعض الحكومات والمؤسسات بحزم مع هذا الفيروس؛ فقد حظره الجيش الأمريكي على الأجهزة والهواتف التابعة له كافة، كما حاولت الهند حظره تمامًا، ولكن، كحال كل الفيروسات، ينتشر على الرغم من محاولات الحجر والحظر، فكان بريق الشهرة والأموال الذي يلمع أمام أعين المراهقين أشد من أن يُقاوَم، إضافة إلى المحتوى نفسه الذي يتخطى حاجز الحرية، قافزًا فوق عائق الجرأة، وصولًا في أغلب الأحيان إلى حد التهور والفجور والعري في بعض الأوقات، والذي بدوره يجذب الملايين من المراهقين وغير المراهقين.

وعلى خلاف فيروس كورونا، لا يصيب فيروس "تيك توك" الجهاز التنفسي، بل أكاد أزعم أنه يصيب الجهاز النفسي والعصبي لرواده بعللٍ ما لها من علاج، ليحولهم إلى مجموعة من الموتى الأحياء، أو (الزومبي)، يقتاتون على التفاهة والتكبيس، ويميت هذا الفيروس الخطير فيهم الكرامة والحياء والأخلاق، خلال رحلتهم المذمومة في البحث عن الشهرة والأموال، أيًّا كانت السبل.

وكما هو الحال في الجوائح والمصائب، ينتشر المتربصون والمنتفعون والمتفرجون على أطراف الأرض المحروقة، فتسمع عن صاحب المال القذر الذي يبحث عن وسيلة سهلة لغسله، فيستغل واحدًا من هؤلاء الموتى الأحياء، ويمنيه بالشهرة والأموال، بل قد يجعل له راتبًا لا يحلم به، في مقابل الظهور في بث مباشر متكرر، واحذر يا صديقي، ماذا يحدث؟ يقوم الطرف صاحب الأموال القذرة بتحويل أمواله كهدايا "تيك توك"، يُغرق بها هذا البث الحي لذلك الميت الحي، على أن يقوم بتحصيل تلك الأموال منه بعد حين في إطار قانوني، لتصبح أمواله نظيفة ويزول عنها الدنس.

بل إن بعضًا من هؤلاء المنتفعين والمتربصين، يضعون الأجندات ويصنعون الترندات لنيل أغراض سياسية أو اجتماعية، أو حتى اقتصادية في أغلب الأوقات غير شريفة، ليسقط المجتمع ككل فريسة لقذارة هذا الفيروس الخطير، البعض ينقاد ويصدق ما يراه، والبعض يتفرج ويحقد على هذه الشخصيات عديمة النفع والقيمة وقد نالت الشهرة والأموال، بل ويتمنى اللحاق بهذا الركب أيًّا كانت التضحيات، والبعض الآخر تتحطم طموحاته وأحلامه، بل يتحطم سعيه في الحياة بعد الجهد والعرق، وفي النهاية يكاد لا يحصل إلا على الفتات، فيقع فريسة للاكتئاب والإحباط، والكثير من الناس يقفون في حالة من الاضطراب، يستنكرون ما يشاهدونه على هذه المنصة المسمومة، وينكرون رغبتهم في الانقياد وراء هذا السفه، ولا يفهمون السبب في أن تحصل فتاة، أقصى نجاحاتها أنها سَبَّت والدها على الملأ، وآخر إنجازاتها هو المرور بالكاد بعد مرات عديدة من الرسوب في الثانوية العامة، فتخرج في بث حي احتفالًا بهذا المرور المخزي، لتحظى بمئات الآلاف من الجنيهات في البث الحي كهدايا؛ مهزلة مكتملة الأركان.

وتبقى الأسئلة التي تتمنع على الفهم أو الحل: ما سبب شهرة هذه الفتاة؟ وما مصدر الأموال؟ وكيف اشتهرت تاجرة فسيخ؟ أو بائعة المناديل التي كانت تغني "قمرووون" في الإشارات؟ شخصيات قد لا تملك حتى فرصة التعري للفت الانتباه، وإن اعتبرنا أن التعري كان وما زال مهنة في بعض الأماكن والمنصات، وذلك بالتأكيد بعيدًا عن الأخلاقيات.

وإذا ما تجاوزنا تلك التساؤلات الجوفاء، وبحثنا سويًّا عن الحلول في مواجهة هذا الفيروس المدمر، سنختصر أهمها في التالي:

الحظر: وهنا نسأل؛ هل الحل في إغلاق المنبع، كما فعلت الهند بحظر تلك المنصة بالكلية؟ أعتقد أنه حل جيد - على صعوبته - نجح بالفعل في الحد من انتشار هذا الفيروس في شبه القارة الهندية.

الحجر: باستئصال وعلاج الأشخاص المصابين والحاملين لتلك العدوى، كما يفعل الجهاز الشرطي في مصر الآن، قدر الإمكان.

الرقابة: أم تعتقد يا صديقي أن تقنين ومراقبة المحتوى، بالإضافة إلى وضع ضوابط لإدارة الأموال المتداولة عبر هذه المنصات، حل أفضل؟

التحصين: وهو الحل الأهم، بتحصين الصغار واليافعين والشباب من خطورة هذا الفيروس، بحسن تربيتهم وتعليمهم وتثقيفهم بالشكل الأمثل، لتجنب الوقوع في براثن هذه الفيروسات.

الكمامات والتباعد الاجتماعي: وهو الوقاية الشخصية، والدور المجتمعي العام والهام في محاولة حجب تلك الظواهر والأشخاص وتجنبها، بل الابتعاد عنها.

كل هذه حلول قد تساعد، بل قد تنجح في مجابهة هذه الجائحة، ولكن الأهم من هذا كله: إدراك حجم الوباء في البداية، والاعتراف به، للبدء في محاربته ومجابهته، وذلك قبل أن تنفلت الأمور أكثر على تلك المنصات، وتخرج قيم وأخلاقيات المجتمع "خارج حدود الأدب".

search