الأحد، 19 أكتوبر 2025

09:08 م

طه الدسوقي؛ وإهانة الذات الصحفية! | خارج حدود الأدب

ضجّت ساحات وسائل التواصل الاجتماعي منذ ساعات بصخب طبول حربٍ ضروس، رفع راياتها الكثير من أعلام الصحافة في القطر المصري، وعلى غرار النداء الشهير "اقرأ الحادثة" أطلق الصحفيون صيحات العداء والاستهجان نحو الممثل الشاب "طه الدسوقي" بعد كلمته في حفل افتتاح الدورة الثامنة من مهرجان الجونة السينمائي.

وعزا السادة الصحفيون هذا الهجوم على الممثل الشاب لما استشعروه من إهانةٍ وتطاولٍ غير مبرّرٍ من الممثل أثناء كلمته في الحفل المذكور على المهنة وأربابها.

ومن هذا المنبر أنضمّ إلى جموع السادة الصحفيين في التشديد على أهمية، بل قدسية الصحافة، التي نطالعها على أنها السلطة الرابعة، وضمير الأمة، وميزان الحقيقة، وعين الشعب، فلا ينبغي أن تكون تلك الحرفة العظيمة ذات الرسالة السامية لقمةً سائغةً في أفواه السفهاء والجهلاء ينتقصون منها ومن منتسبيها بدون وجه حق.

ولكن الصحافة في الوقت ذاته هي منبر الحرية، وساحة الرأي والرأي الآخر، وهي تلك المساحة الرمادية التي تحتمل وتستوعب النقد والمدح، والشد والجذب، ورفع الرايات الحمراء على السلبيات أينما كانت لتصحيحها، وتسليط الضوء على الإيجابيات لحمدها، كل ذلك ما دامت في إطارٍ محدّدٍ من الضوابط الأخلاقية التي تحترم المُنتقَد والمُنتقِد قبل المُمتدِح والمُمتدَح.

ومن سخرية القدر في حالة طه الدسوقي هذه أن أشاهد السادة القائمين على تلك المهنة الراقية يكفرون بأغلب مبادئ تلك المهنة، فبعد مراجعة ما قاله طه لم أجده تطرّق للمهنة ذاتها سواء بالمدح أو القدح من أي جانب، بل إنّ جلّ ما فعله هو انتقاد ممارساتٍ بعينها دأب عليها بعضُ دخلاء المهنة حديثًا، كما عكف عليها أصحاب الصحافة الصفراء في السابق.

فقد انتقد طه ذلك التدخّل الذميم والمبالغ فيه في الحياة الشخصية لكثيرٍ من الشخصيات العامة والخاصة، واستعراض أخبارٍ لا طائل منها ولا فائدة، مثل: طلاق هذا، وزواج هذه، وسفر هذا إلى الساحل، وظهور هذا مع زوجته في السوق التجاري، ونشرت هذه صورتها تلك على "إنستجرام"، وانهيار هذه في عزاء فلان، ورقص هذه في فرح علّان، وشاهد الظهور الأول لابنة هذا في المطعم الشهير، وتابع قبل الحذف بطانة الفستان الجريء للفنانة الفلانية.

أخبارٌ ومتابعاتٌ يستهجنها القارئ والمتابع قبل المهني، فهي تقتحم خصوصية الشخص المذكور في الأساس، ممارساتٌ عزّزها الفضاء الإلكتروني برحابته، ودعمتها كاميرا الهاتف والباقة بخمسة جنيهاتٍ فكة، كما قال طيّب الذكر "أسامة نبيه". وهنا لا نحجر على الصحفيين القيام بعملهم بالمتابعة والتحقيق وتقصّي الجديد من الأخبار، ولكننا في الوقت نفسه نشدّد على أن تكون تلك التغطيات في إطار الأخبار والمتابعات المهنية الجادّة غير المفتعلة أو التافهة أو الصفراء.

وفي تلك الحرب المزعومة التي شنّها الصحفيون منذ الأمس على طه الدسوقي، نجدهم قد وقعوا بين فكي كماشة؛ الأول هو إنكار حقّ النقد الذي هو بالتحديد أهمّ القيم والمبادئ الصحفية، والثاني هو تشجيعهم لممارسات بعض الدخلاء على المهنة من غير المحترفين الذين دأبوا على تناول أخبارٍ وصورٍ تافهة عن الحياة الشخصية لبعض الشخصيات، في إطارٍ لا يرتقي لسموّ وقيمة مهنة الصحافة، بل ينتقص منها.

وألوم عليهم أيضًا الوقوع في فخّ شخصنة القضية، فليس من المقبول بين عشيةٍ وضحاها أن نجدهم قد اكتشفوا سماجة طه، وثقل ظلّه، وافتعاله، وجهله، وهو بالتأكيد ما يختلف عليه الناس لا يتفقون، ولم تكن تلك الآراء المتطرفة لتظهر إلا بعد ما وجد بعض الصحفيين منه ما يسوءهم.

الصحافة هي ملاذ الكادحين في التعبير عن آرائهم ومتطلباتهم، هي رؤية المثقفين في واقع ومستقبل وطن، هي الرقيب على ممارسات أفراد المجتمع بكل فئاته، هي صوت الحق ومنبر العدل وساحة الآراء كافة على اختلافها أو حتى تناقضها، لذلك أشدّد على ما قاله طه في انتقاد الممارسات غير الملائمة من بعض من — أصرّ على تسميتهم — بدخلاء المهنة، وأعتب على السادة الصحفيين تلك الغضبة غير المبرّرة، والتي ما كان ينبغي أن تكون إلا في صالح الحقّ والمهنية، لا ضدّ حرية التعبير. وأدعوهم بأعلى صوت: أوقفوا الممارسات الصحفية الصفراء التي تأخذ المجتمع "خارج حدود الأدب".

search