سياحة القنص: العار الأوروبي الذي فضحته مباراة كرة قدم! | خارج حدود الأدب
أربعة وأربعون شهرًا، ثلاث سنوات ونصف من الحصار والقنص والإبادة الممنهجة لشعب مسلم في وسط قارة الحريات والأخلاقيات والحضارة، أوروبا التي تتغنى دائمًا بدعم الحريات ونبذ العنف، ولم تكن حرب الإبادة تلك في عصور الظلام أو العصور الوسطى أو قبل أن يسطر التاريخ أولى كلماته، بل كانت في العام 1992، أي إنها كانت إبان الحداثة والتطور والتشدق بالديمقراطية والحريات.
نتحدث هنا عن حرب البوسنة وصربيا، وما شهدته تلك الحرب الضروس من إبادة متعمدة لعرق كامل خلال حصار مدينة سراييفو الذي استمر قرابة الأربعة والأربعين شهرًا. إلى هنا تظل الأخبار قديمة ومعروفة لأغلب من عاصر تلك الفترة أو حتى من صادف معلومات عن تلك الحرب، وإلى الآن ما زالت المحاكم الدولية تلاحق بالإدانات المتتالية مجرمي الحرب ممن شاركوا في تلك المجازر.
ولكن الجديد هو تلك الشكوى التي قدّمها الكاتب الإيطالي Ezio Gavazzeni لنيابة ميلانو العامة بقيادة المدعي العام Alessandro Gobbi في نوفمبر الجاري، بشأن ادعاءات بأن مواطنين إيطاليين وغيرهم قد دفعوا لقوات صرب البوسنة من أجل «الذهاب إلى التلال حول سراييفو» والمشاركة في قنص مدنيين، فيما أطلق عليه المُحققون «سياحة القنص» أو «Sniper tourism».
وبحسب صحيفة «إلبايس» الإسبانية، فقد زعمت تلك الشكوى أن تكلفة المشاركة برحلة القنص هذه قد كانت تصل إلى ما يعادل 80,000 إلى 100,000 يورو فقط للاستمتاع بقنص المدنيين، إضافة إلى أن قنص الأطفال كان بقيمة أعلى من ذلك بالتأكيد. تلك الأخبار والتقارير المتداولة أثارت جلبة وصخبًا مجتمعيًا وأخلاقيًا كبيرًا في العالم وسط صدمة من مدى فظاعة وبشاعة تلك الأخبار. فإن صحت تلك المزاعم، فإنها لا تثبت فقط أن أوروبا كانت تقف دون أن تحرك ساكنًا أمام تلك الإبادة، بل كان هناك فئات من الشعب الأوروبي يشاركون ويستمتعون بها على غرار أفلام «Hunger Games».
وبعيدًا عن التاريخ والحروب والإبادة وسياحة العار، وخلال اليومين السابقين كانت المباريات الختامية لمرحلة المجموعات المؤهلة لكأس العالم. وفي المجموعة الأوروبية H، كانت البوسنة تقع في المركز الثاني بفارق ثلاث نقاط عن رومانيا التي تحتل المركز الثالث وتسعى رومانيا إلى أن تكسب البوسنة أو حتى تضمن التعادل في المباراة التي ستقام في رومانيا لضمان المنافسة في الجولة النهائية على التأهل للملحق المؤهل لكأس العالم، بعد أن ضمنت النمسا التأهل مباشرة كأول المجموعة.
وقبل المباراة كانت الأجواء مشتعلة بين الجماهير الرومانية المتعطشة لقنص فرصة التأهل للملحق من أراضيها على حساب البوسنة، مما دفع بعض الجماهير الرومانية — بحسب بعض التقارير والصور المحلية — إلى أن ترفع لافتة مكتوبًا عليها:
«MLADIĆ, AN EUROBORIAN HERO, DROPPING MUSLIMS TO ZERO»
«ملاديتش البطل الأوروبي، الذي أباد المسلمين»
وهي لافتة عنصرية تحتفي بمجرم الحرب «راتكو ملاديتش»، أحد المسؤولين عن إبادة آلاف المسلمين في حصار سراييفو المذكور، وخاصة في إقليم البوشناق، ويقضي هذا المجرم عقوبة السجن المؤبد الآن في إحدى سجون لاهاي.
لم تُراعِ تلك القلة العنصرية من الجماهير الرومانية مدى بشاعة تلك الحرب وقسوة تلك الفترة على أهالي البوسنة عمومًا وإقليم البوشناق خاصة، قبل أن يأتيهم الرد كالصاعقة وفي الملعب.
فقد بدأت المباراة بتقدم روماني شهد احتفاءً جماهيريًا واسعًا قبل أن يعادل منتخب البوسنة النتيجة، وتبقى الآمال متأرجحة وموجودة لدى الرومانيين بهذا التعادل، قبل أن يأتي «إسمير بايراكتاروفيتش» اللاعب البوسني الذي نجا والداه من الإبادة في إقليم البوشناق على يد المجرم «راتكو ملاديتش»، ليطلق إسمير رصاصة الرحمة على كل الآمال الرومانية في التأهل للملحق الأوروبي، حينما سجل الهدف الثاني بطريقة رائعة في المرمى الروماني، ليرفع بذلك الفارق إلى ست نقاط ويضمن للبوسنة مقعدًا في الملحق الأوروبي المؤهل لكأس العالم.
ولم يكن هدف إسمير ابن إقليم البوشناق هذا في مرمى رومانيا فقط، بل كان في قلوب الجهلة العنصريين ممن يحتفون بإبادة البشر أيًا كانت دياناتهم أو ألوانهم أو أجناسهم. هدف استقر في تلك العقول العنصرية المريضة، هدف في ملعب كرة القدم حكم على الفريق الروماني والعنصريين من أنصاره بالخروج من التصفيات، ولكنه ينتظر الحكم الأهم من القضاء في ادعاءات «سياحة القنص» التي لا تسيء فقط إلى منفذيها ومروجيها والمستفيدين منها، إنما تسيء إلى الجنس البشري ككل. حكم قد يأتي ليعيد للبشرية شيئًا من أخلاقياتها المزعومة، قبل أن يحكم الحق بعدله، فسبحانه حكمه الفصل.
الأكثر قراءة
-
موعد مباراة البرازيل وتونس الودية اليوم والقناة الناقلة
-
"بقالي فترة بعاني وكنت بحاول أبان عادي"، أول تعليق من تامر حسني بعد استئصال جزء من كليته
-
قطاران متقابلان، نهاية مؤسفة لطالبة أثناء عبورها مزلقان سكة حديد بدمنهور
-
السعودية تواجه الجزائر اليوم استعدادًا لكأس العرب وأمم إفريقيا
-
"البنك المركزي" يوضح حقيقة فرض زيادة جديدة على رسوم إنستاباي
-
إصابة 25 تلميذا، تفاصيل حادث اليوم الترفيهي في مدرسة بمصر الجديدة
-
المنسحبون والدوائر الملغاة، هل تفتح هيئة الانتخابات باب الترشح مجددًا؟
-
مواعيد مباريات اليوم الثلاثاء 18 نوفمبر 2025، مواجهات الحسم في تصفيات المونديال
مقالات ذات صلة
مدد يا ممداني مدد! | خارج حدود الأدب
05 نوفمبر 2025 06:23 م
طه الدسوقي؛ وإهانة الذات الصحفية! | خارج حدود الأدب
19 أكتوبر 2025 04:33 م
ChatGPT يتسبب في حبس طفل بأمريكا.. خارج حدود الأدب
07 أكتوبر 2025 10:36 م
ميدو وصديقه زلاتان | خارج حدود الأدب
03 أكتوبر 2025 02:17 م
أكثر الكلمات انتشاراً