
ميدو وصديقه زلاتان | خارج حدود الأدب
"أنا وصديقي زلاتان".. جملة لا تكاد تسمعها حتى تدرك أن وراءها واحدة من حكايات اللاعب المصري السابق أحمد حسام الشهير بـ"ميدو". فمنذ اعتزاله كرة القدم، بعد مسيرة زاخرة بالانتقالات بين الكثير من الأندية العالمية، ملأ فضاء الإعلام بقصص وحكايات عن مسيرته تلك، وأطرف ما تناوله فيها، هو علاقته باللاعب السويدي الشهير زلاتان إبراهيموفيتش.
أعلم أنها مقدمة نمطية مكررة لم تضف أي جديد، ولكن الجديد ما قدمه "ميدو" نفسه، حينما حل ضيفًا على إحدى حلقات "البودكاست" - التي أصبحت تشبه إلى أبعد حد العزاء الشهير في فيلم "الكيت كات" للراحل محمود عبد العزيز - وأتحفنا "ميدو" في هذا "العزاء" ـ أقصد هذه الحلقة ـ بفصل جديد من فصول علاقته بزلاتان، أثناء فترة مزاملتهما في نادي أياكس الهولندي.
ويزيح "ميدو" الستار عن المزيد من الأسرار غير المتوقعة، عندما صرّح بأن انتقاله للنادي في تلك الفترة، حينما كان زلاتان بالفريق، كان كالكابوس في حياة الأخير. فقد فرض ميدو بإمكاناته ونجوميته نفسه على التشكيل الأساسي للفريق، مما ضاءل فرص زلاتان في اللعب.
وقال ما معناه إن جل ما كان يفعله زلاتان الشهير بـ"إبرا" أثناء تواجد "ميدو" هو مشاهدته فقط، مما أفقد "إبرا" ثقته بنفسه، وأثّر بالسلب على أدائه في الفترات القليلة التي كان يلعب فيها، لدرجة أنه أضاع بريقه تمامًا بسبب توهج "ميدو" اللافت، ما أوقع إدارة النادي في مأزق لا تدري ماذا تفعل للتخلص من هذا "الزلاتان"؟.
وعلى الرغم من أن هذا المنحى الجديد في التقليل من الزميل والمنافس قد يُعتبر جديدًا على حكايات "ميدو" وصديقه "زلاتان"، فلا يزال يقع في إطار المتوقع. وقد تنطلي تلك الأخبار على الكثير من المشاهدين، إلا أن المتابعين للشأن الكروي قد يجدون بها بعض المبالغة، إلا أنها ما زالت في حدود المقبول، حتى يأتي دور الخبراء والمتعمقين في تاريخ وإحصائيات كرة القدم، عندها تأتي المفاجأة، بل الصدمة.
ويبدو أن "السوشيال ميديا" لا يفلّها سوى "السوشيال ميديا"، فقد قام المدون الرياضي الأردني "عمر سمحه"، على حسابه على منصة "تيك توك"، بتحليل رقمي لتصريحات "ميدو"، ليحقق مقطعه مئات الآلاف من المشاهدات في ساعات قليلة، ويزيح النقاب عن صدمة كبيرة لعشاق العالمي "ميدو".
وقدم عمر مقارنة رقمية لميدو وإبرا أثناء فترة تواجدهما في نادي أياكس (2001 / 2003) ليكشف عن المفاجآت الآتية:
إجمالي مشاركات ميدو مع أياكس في تلك الفترة 41 مباراة، بإجمالي أهداف 21 هدفًا × بينما كان عدد مشاركات إبرا "الاحتياطي" 49 مباراة وعدد أهدافه 26 هدفًا.
صنع ميدو 10 أهداف ليبلغ إجمالي مساهماته التهديفية 31 × بينما صنع إبرا 12 هدفًا لتبلغ مساهماته 38 هدفًا.
إجمالي عدد دقائق لعب ميدو مع أياكس 2185 دقيقة × في حين كانت نظيرتها عند إبرا "الاحتياطي" 3092 دقيقة، بفارق يقترب من ألف دقيقة كاملة.
ميدو "الأساسي" بدأ بالتشكيلة الأساسية في 23 مباراة × بينما زلاتان "الاحتياطي" بدأ أساسيًا في 33 مباراة.
ولم يتفوق ميدو على إبرا طوال موسمين تقريبًا إلا في عدد البطاقات، فقد تحصل على بطاقتين حمراوين وثلاث بطاقات صفراء × بينما لم يحصل إبرا على أية بطاقة حمراء، وحصل فقط على بطاقتين صفراوين.
أما النهاية فكانت الصدمة الكبرى، ففي حين ذكر ميدو خلال البودكاست أن إدارة أياكس كانت تحاول التخلص من إبرا، ما حدث في الحقيقة أنهم تخلصوا من ميدو على سبيل الإعارة لنادي سيلتا فيغو الإسباني، بينما أبقوا على المهاجم "الاحتياطي" زلاتان.
وبعيدًا عن مقارنة ميدو بإبرا فيما دون تلك الفترة في الألقاب والانتقالات والاستمرارية، فهي لا تخفى على أحد، فيكفيك رقم واحد بحسب المدون عمر سمحة لتعرف حجم المقارنة، وهو إجمالي أهداف إبرا طوال مسيرته الذي تخطى 400 هدف × بينما بالكاد تُحصى أهداف ميدو بحوالي 90 هدفًا. فرق شاسع!
وبالتحليل السلوكي والنفسي البسيط لتلك الادعاءات التي ساقها ميدو أثناء حواره، نجدها لا تقع من الكذب في شيء، لأن ما ذكره ميدو في حواره بالنسبة له حقائق لا جدال فيها.
بل يقع هذا الاعتلال تحت ظاهرة نفسية تسمى "اضطراب الهوية الوهمية – من نوع توهم العظمة"، وفيها يعيش المريض وهمًا راسخًا أنه يمتلك قدرات ومسيرة بطولية استثنائية، وعلى الرغم من أن قناعاته تلك غير مبنية على واقع، إلا أنها تمثل لصاحبها كما قلنا حقائق مطلقة، وتجعل تلك الأوهام صاحبها يؤمن أنه مميز عن أقرانه ومنافسيه، ويسعى إلى التقليل منهم في كثير من الأحيان، ولا يقبل أي اعتراض أو نقد أو تشكيك في ادعاءاته، وتحكم فرضياته تلك المكانة التي يسعى في الوصول إليها في مجتمعه المحيط.
وللأسف، إن هذا السلوك ببعض الأسانيد الواهية قد ينطلي على الكثير من البشر، ويجعلهم يصدقون فعلًا أن هذا الواهم أسطورة، وأعتقد أن وجود المنابر المتعددة من خلال البرامج التلفزيونية الكثيرة، وفضاء "السوشيال ميديا" غير المحدود، وإقبال الناس على تلك البرامج والفيديوهات، التي تقوم بالأساس على حوار لا يخلو من الكذب والهبد والتهويل والتضليل لجذب المشاهدات، قد ساهم في خلق الكثير من الأساطير الوهمية.
ويظل الرضا بصحبة القناعة هما الحد الفاصل بين الحق والوهم، والصدق والكذب، فإن الكذب والجشع هما آفة هؤلاء من أصحاب هذا الاعتلال النفسي المذكور، ويبقى ترياقهم في مواجهة الحقيقة والرضا بها.
لذلك، في النهاية ندعو ملايين المتابعين إلى البحث عن الحقيقة فقط قبل خلق أبطال أساطير وهمية، وندعم المؤثرين في فضحهم تلك الأكاذيب، وندعو أصحاب هذا الاعتلال ومن على طريقهم إلى مراجعة النفس ومحاولة السير على طريق الرضا والقناعة، قبل أن تتحول أوهامهم إلى بطولات زائفة يصفق لها الجماهير المخدوعة، وقبل أن يخرج التفاعل على أكاذيبهم "خارج حدود الأدب".

الأكثر قراءة
-
3 أسباب تجعل المنوفية والبحيرة الأكثر تعرضا للغرق نتيجة الفيضانات
-
وزير الكهرباء يؤكد ما نشرته “تليجراف مصر” عن زيادة أسعار الكهرباء
-
أكثر 5 قرى معرضة لفيضانات النيل في الغربية
-
جفاف وإخلاء منازل.. هل يحمي السد العالي مصر من الفيضان؟
-
مصدر حكومي: الفيضانات قفزت بإنتاج كهرباء السد العالي إلى 100%
-
من "الإيجار القديم" لـ"الإجراءات الجنائية".. قوانين أثارت جدل الشارع
-
ميدو وصديقه زلاتان | خارج حدود الأدب
-
قرارات عاجلة وطوارئ في الغربية لمواجهة تداعيات فيضانات النيل

مقالات ذات صلة
هل مركبة فضائية؟.. زائر بحجم الجيزة يقترب من الأرض
22 سبتمبر 2025 09:03 م
خريف نيبال وربيع العرب
16 سبتمبر 2025 12:28 م
قاتل شارلي كيرك الذي وشى به أبوه
13 سبتمبر 2025 07:30 م
نظريات المؤامرة تطارد حادث اغتيال شارلي كيرك.. هل للموساد يد؟
12 سبتمبر 2025 06:35 م
أكثر الكلمات انتشاراً