الخميس، 01 مايو 2025

02:22 ص

عاقبوا بقية المتورطين في مأساة "طفل البحيرة"!

من النادر أن يصدر حكم قضائي حاسم من الجلسة الأولى، كما حدث في القضية التي هزت وجداننا جميعاً، جريمة الاعتداء الوحشية على طفل البحيرة من قبل المراقب المالي الثمانيني في مدرسة خاصة بدمنهور، الحكم الذي يعكس إحساساً عاماً بخطورة القضية وتبعاتها..

سأحاول أن أكون محدداً، فقد سبق وساهمت في دق ناقوس الخطر بشأن جرائم التحرش بالأطفال، حين ناقشت التأثير العظيم لمسلسل لام شمسية، لذا سأحاول طرح زوايا مختلفة وجوهرية معكم، بحكم متابعة قلقة ومرهقة لردود الأفعال عبر وسائل التواصل الاجتماعي منذ الكشف عن الجريمة !

أولاً، يجب أن ننحني تقديراً لأم الطفل، السيدة الشجاعة التي مرت مع والده حسبما يؤكد كثيرون بتحديات قاسية لا يمكن تخيلها دفاعاً عن حق ابنهما في قصاص عادل من جريمة تزلزل مشاعر أي شخص لديه ذرة من ضمير، لقد قدمت هذه الأم درساً عظيماً لكل شخص متخاذل خانع تعرض ابنه أو ابنته لجريمة مماثلة، أو علم بوقوع مثل هذا الجرم، وجبن عن اتخاذ موقف خوفاً على السمعة أو تجنباً للفضيحة..

وأطالب وأؤكد على أهمية حصول الأبوين على رعاية نفسية عاجلة، فنحن، البعيدون عن القضية وأطرافها نتألم نفسياً من متابعة ما حدث للطفل البريء، فما بالكم بأم وأب اكتشفا تعرض ابنهما لهذا القدر من التعذيب الجسدي والنفسي الذي لا يطيقه شخص بالغ، ولا شك أن المؤسسات ذات الصلة سوف تتولى إخضاع الطفل لعلاج نفسي مكثف..

ثانياً: محاسبة كل متواطئ ومقصر!

مرتكب الجريمة ليس المراقب المالي الثمانيني في تلك المدرسة، لكن شاركه فيه كل من تواطأ معه، سواء داخل هذه المؤسسة أو خارجها، بمن فيهم هؤلاء الوسطاء الذي حاولوا إقناع الأبوين بالتنازل عن حق ابنهما مقابل بعض المزايا المادية.. تباً لكم جميعاً

كلما تخيلت حال الأب والأم حين يأتي أحدهم ويطلب السماح عن اغتصاب طفلي بهذه الطريقة الوحشية، أشعر بمرارة وإحباط قاسيين، فكيف يمكن لإنسان الوساطة لاحتواء والتكتم على فعل بهذه البشاعة!!

مديرة المدرسة يجب أن تحاسب بالصرامة ذاتها التي حوسب بها المعتدي، وكذلك العاملة "الدادة" التي كانت تقدمه لمغتصبه قسراً وتهدده حال الإفصاح عما يتعرض له، وكذلك المعلمة التي غيرت شهادتها وكانت على علم بما يحدث.. اللعنة على كل من تكتم على هذه الجريمة!!

والسؤال الذي يجب أن يرد عليه أحدهم، كيف تم التحفظ على البلاغ، طالما ثبت تعرض الطفل لاعتداء، أتمنى من وزير الداخلية المحترم المعروف بمهنيته البالغة التحقيق بنفسه في الأمر، وكيف تخاطب النيابة الشرطة لأشهر عدة طلباً للتحريات دون استجابة؟!!!!

كيف يمكن التغافل عن جريمة مثل هذه، بغض النظر عما إذا كان المعتدي من المدرسة أو من الجيران أو من الأسرة، فلدينا ضحية جريمة وحشية، ثبت طبياً أنه تعرض لاغتصاب متكرر، فلماذا استغرق الأمر سنة كاملة لتتحرك القضية؟!!!!

أنا محامي، ويعصف بي سؤال لا أجد له أي إجابة، كيف قيد وصف الجريمة في البداية بـ "الاعتداء على الطفل بغير قوة" كيف كيف كيف كيف كيف كيف؟!!!!!!

في أي عرف أو شرع أو دين أو قانون، يعتبر اغتصاب طفل في الخامسة من عمره، اعتداء بغير قوة، هل فعل ذلك بإرادته؟!!

في كل دول العام ممارسة الجنس مع طفل أو طفل دون الثامنة عشر يعد اغتصاباً، حتى لو كان بإرادة أيهما، فهل ما حدث مع طفل دمنهور اعتداء بغير قوة؟!!!!!!!!!!!!!

حسناً غيرت المحكمة قيد وصف الاتهام إلى الاعتداء بالقوة تحت التهديد، منتهية بحكم المؤبد على المتهم، الذي أتمنى له عقوبة أشد في المراحل القضائية اللاحقة إذا تأكدت إدانته!!

ثالثا مسلم ومسيحي!! 

كفاكم عبثاً وسخفاً وتسفيهاً للجريمة، بالحديث عن ديانتي الجاني والمجني عليه، فنحن أمام مأساة أسرية ومجتمعية تهز كيان أي إنسان، حتى لو كان ملحداً لا يعترف بدين!

لقد قرأت تعليقات يندى لها الجبين من كلا الطرفين، ما اشعرني بإحباط بالغ، ورسخ لدي يقيناً بأننا في حاجة إلى نسف كل ما بداخلنا من قناعات، حتى نتعامل بإنسانية مع ما يمس أطفالنا وأنفسنا!

أؤكد أخيراً أن هذه ليست الجريمة الأولى ولن تكون الأخيرة طالما لا نعالج المشكلة من جذورها ونعزز الوعي لدى الآباء بكيفية رعاية ومراقبة وحماية أطفالهم، والتأكد من تحمل كل الأطراف الأخرى وأولها المدرسة لمسؤولياتهم..

وأكرر أن من واقع عملي كرجل قانون، أدرك جيداً أن هذه المشكلة لا تمس مجتمعاً بعينه، بل أن أكثر الدول تقدماً ورفاهية تشهد حالات اعتداء على الأطفال بأشكال مختلفة، لكن الفرق أن البلدان الأكثر انفتاحاً تتخذ إجراءات وقائية لحماية الأطفال من هذه المخاطر خصوصاً داخل إطار الأسرة الواحدة!

هذه الجريمة كفيلة لأن ننتبه ونناقش القضية بشجاعة، لأن آفة حارتنا الجبن وقمع الطفل إذا اشتكى، خوفاً من الفضيحة، أو لعدم المساس بالجاني وكشفه، خصوصاً لو كان من الأقارب، 

أبناؤنا هم فلذات أكبادنا علينا حمايتهم بكل ما نملك من قوة وإلا فعلى الدنيا السلام..

search