الإثنين، 05 مايو 2025

09:16 ص

الدكتور طارق سعد
A A

الحرامية!

آفة مجتمعنا ليست النسيان فقط ولكن آفة مجتمعنا الحقيقية هي "الأخلاق" التي للأسف تسير في اتجاه الانحدار والتدني في خطٍ متوازٍ مع الزمن وأحداثه.. أصبح الانفلات الأخلاقي هو العنوان الرئيسي لكل مرحلة وأصبح البعض يتفاخر بانعدام الأخلاق ليصنع هذا التدني أبطالاً مزيفين ونجاحات أيضاً مزيفة وتظل الأسماء رنانة بلا محتوى سوى أنها مجرد سلة مهملات تشكلت على مدار المشوار.

ملف السرقات الإبداعية وحش يطارد المبدعين على مر الزمان فاليد السارقة المارقة التي تمتد إلى إبداعاتهم من الأفكار أو المحتوى تستحل في تبجح مجهودهم وأفكارهم ويعاني المبدعون سواء في بداياتهم أو حتى في قمتهم من هذا الوحش الذي يقترب بملامح المسخ ليسطو وينسب لنفسه ما ليس له طمعاً في تحقيق نجاح لا يستحقه لأنه في الحقيقة مفلس وفارغ فلو كان قادراً على المنافسة كان مؤكد سيقدم مجهوداً لكن "شغل الحرامية" أسهل بكثير فيكفي رصد فكرة أو موضوع مكتمل مضمون النجاح وتنفيذ عملية السطو ووضع اسم "الحرامية" عليه وبعدها وبكل وقاحة يُنصب المسرح وتقام ليلة فرح "الحرامية" لاستقبال التهاني على الأفكار العبقرية الـ "لوزعية" وفي نفس الوقت ترى "الحرامية" في حالة زهو وفخر ورد التحية للمعجبين في مشهد كوميديا سوداء يدعو للشفقة على "الحرامية" والمحيطون والمقربون جميعهم يعلمون الحقيقة والنعامة تضع رأسها في الرمال وتترك حالها مكشوفاً يشاهده الجميع في مشهد عبثي.

السرقات الإبداعية عُرفت منذ زمناً طويلاً فهناك مؤلفون سطوا على أفكار وسيناريوهات تحولت لأعمال كبيرة تحمل أسماء السارقين في هدوء واحتفال بالمجد الزائف وهناك أيضاً شعراء وملحنون وموزعون قدموا أعمالاً هي في الحقيقة من إبداع آخرين كانوا يبحثون عن الفرصة ليعبروا عن أنفسهم وبرامج ومشروعات وكذا وكذا وكذا.. حِرفية السارق دائماً أنه يسرق المجهول ويعتمد على أرضيته وثقة الجمهور به ويقدم نفسه لهم بما لا يملكه وعندما ينفضح أمره بمرور الوقت يتبجح وينفي عن نفسه التهمة ويعتمدها توارد خواطر وهناك من الحوادث الفنية الكثيرة في هذا السياق ولا رقيب ولا حساب!

الأغرب والذي يبدو مدهشاً هو التطور السافر الذي حدث في ملف السرقات الإبداعية فبدلاً من سرقة "الحرامية" لإبداعات مجهولة تتيح فرصة نسبها وامتلاكها بالسطو أصبحت اليد تمتد إلى إبداعات الزملاء أيضاً من نفس المجال في حالة من الفُجر البَين على مرأى ومسمع ولأن "هرمون البجاحة" في أعلى معدلاته ترى مشهداً عبثياً يقف أمامه العبث نفسه مذهولاً وتجد "الحرامية" في حالة دفاع هيستيرية عن السرقة وتأكيد ملكيتها بالرغم من خروج السرقة للنور بعد طرح صاحب الإبداع الأصلي لإبداعه قبلها بفترة زمنية في تحدٍ أبله للطبيعة والزمن والوقت ونظام الكون كاملاً لتسقط ورقة التوت وتسيطر جملة الراحل "مدبولي" في مسرحية "ريا وسكينة" على هذا المشهد العبثي .. "كل شيج انكشفن وبان"!

ربما تكون هذه الوقائع من هذا النوع حالات فردية شاذة ومقززة وأتاح لها التطور التكنولوجي والافتراضي بوسائل التواصل تسهيل عملية السرقة ونسبها إلى السارق بالرغم من أن طرح "الحرامية" للإبداع المسروق مسجل بالتاريخ والوقت واليوم وهو دليل الإدانة ليس فقط فيما يخص السرقة ولكن في العقلية نفسها التي تدير الشخصية في ظل هذا التطور المتسارع والتكنولوجيا الخارجة عن السيطرة بطريقة "حرامية الغسيل" وهو الأمر المضحك فعلاً فتخيل أن السارق الفاشل يدافع عن سرقته التي تحمل تاريخاً وتوقيتاً متأخراً لساعات عن الإبداع الأصلي لصاحبه الأصلي ليبقى الوضع مذرياً و"ميسُرش" فالفشل ليس مهنياً فقط ولكن فشل حتى في السرقة .. ولكن بالنظر للنصف الممتلئ من الكوب ستجد أنها فرصة عظيمة لانكشاف حقيقة "الحرامية" أمام المخدوعين من المتابعين والمعجبين والنجوم وصناع الفن وأهله أيضاً لتستمتع بصوت انطلاق رسالة الستر المسجلة .. "عفواً ـ لقد نفذ رصيدكم"!

الحقيقة أننا أمام تطور خطير في ملف السرقات الإبداعية في ظل هذا العالم الافتراضي المفتوح وتطوره التكنولوجي يلزمه مواجهة حاسمة وحازمة من المسئولين لمواجهة هذا النوع الفاجر من الفساد لتساهم في تطهير الوسط الفني والإبداعي من نوعية "الحرامية" ومن على نفس الشاكلة والأمر بسيط جداً وهو استحداث وحدة تابعة للجرائم الإلكترونية تحت مسمى "السرقات الإلكترونية" والتي يستطيع أي مبدع تعرض لسرقة أفكاره من خلال الصفحات الشخصية أو صفحات التواصل الاجتماعي بعد عرضها على حساباته التوجه لهذه الوحدة بحساباته المسجلة ومدعمة بـ "سكرين شوت" للسرقة ولن يبذل المسئول أي مجهود سوى مطابقة تاريخ النشر والمحتوى ويتم تحديد غرامة مناسبة لهذا الفعل الحقير وإذا كان السارق من العاملين بالمجالات الإبداعية المهنية ويتبع لنقابة تتم مخاطبة نقابته بهذا الإجراء لتقوم باتخاذ اللازم قانوناً ضده تبعاً للوائحها.

مواجهة الفساد مهمة ثقيلة لكنها تحتاج لإرادة ومبادرة حقيقية تبدأ بحساب "الحرامية"!

search