الإثنين، 12 مايو 2025

09:48 م

ترامب يُهمش نتنياهو.. هل لم تعد إسرائيل "الطفل المدلل" لأمريكا؟

ترامب ونتنياهو

ترامب ونتنياهو

جهاد أشرف

A .A

في خطوة لافتة أثارت موجة من القلق داخل الأوساط السياسية الإسرائيلية، بدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأولى زياراته الخارجية الكبرى منذ تنصيبه مجددًا، إلى قطر والسعودية والإمارات.

وبحسب ما نقلته “واشنطن بوست”، فإن ما أثار دهشة المراقبين أكثر هو عدم تضمين جدول الجولة الخارجية لترامب زيارة دولة الاحتلال أو اللقاء مع رئيس وزراءها بنيامين نتنياهو.

ترامب يتجاوز دولة الاحتلال

هذه ليست المرة الأولى التي يتجاوز فيها ترامب قيادة دولة الاحتلال، إذ سبق أن أقدم على خطوات أثارت استياء تل أبيب، من بينها إطلاق مفاوضات نووية مع إيران، والسعي لإجراء محادثات مع حركة حماس دون تنسيق مسبق مع حكومة الاحتلال.

ويشير مراقبون إلى تزايد مظاهر التهميش الإسرائيلي في السياسة الخارجية الأمريكية، الأمر الذي دفع بعض المسؤولين هناك إلى دق ناقوس الخطر، وقال شالوم ليبنر، مساعد نتنياهو السابق وزميل المجلس الأطلسي: "هناك حالة من الذعر التام هنا".

وتعززت مخاوف الإسرائيليين الأسبوع الماضي، بعد إعلان ترامب هدنة مع الحوثيين في اليمن، والتي ركزت على حماية السفن الأمريكية، دون أي إشارة إلى الاعتداءات الحوثية المتكررة على أهداف للاحتلال. 

كما أفادت تقارير بأن الإدارة الأمريكية تدرس منح السعودية حق الوصول إلى التكنولوجيا النووية المدنية، دون اشتراط تطبيع العلاقات مع إسرائيل، الذي وضعه الرئيس السابق جو بايدن.

الإفراج عن عيدان ألكسندر

وفي تطور لافت، أعلنت حركة حماس استعدادها للإفراج عن الأسير الإسرائيلي الأمريكي، عيدان ألكسندر، بعد محادثات مباشرة مع مسؤولين أميركيين، ما يشير إلى احتمال وجود قنوات اتصال بين الجانبين خارج الأطر المعتادة.

ووصف سفير الاحتلال السابق لدى واشنطن، مايكل أورين، الوضع بأنه "محبط"، بينما عبّر المبعوث الأمريكي السابق إلى الشرق الأوسط، دينيس روس، عن قلقه من أن واشنطن لم تعد تأخذ المخاوف الإسرائيلية على محمل الجد.

وأضاف روس أن توجهات ترامب الحالية تميل إلى تقليص الانخراط العسكري في الشرق الأوسط، مقابل تعزيز العلاقات الاقتصادية وجذب الاستثمارات الخليجية.

وتعرّض رئيس وزراء الاحتلال لضغوط خلف الكواليس من قبل مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، لدفعه إلى التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار مع حماس، ما أثار استياء عدد من حلفائه، خاصة مع مزاعم حول تأثر ويتكوف بعلاقاته التجارية مع قطر، وفق مصادر مطلعة.

أمريكا أولًا

وأوضح روس قائلًا: "ما يهم ترامب هو ما يخدم المصلحة الأمريكية المباشرة، لا من زاوية استراتيجية أو أمنية، بل من منطلق اقتصادي وتجاري. وربما يرى أنه قدم بالفعل الكثير لإسرائيل، سواء من خلال المساعدات العسكرية أو الدعم السياسي".

ويبدو أن تيار "أمريكا أولًا" داخل إدارة ترامب، الذي يتبنى تقليص التدخلات الخارجية، يعمل على تحجيم نفوذ التيارات المؤيدة للاحتلال داخل الحزب الجمهوري.

في ظل هذه التحولات، يتساءل كثيرون في دولة الاحتلال ما إذا كانت الدولة التي طالما اعتبرت الحليف الأقرب لواشنطن، أصبحت على أعتاب فقدان هذا الامتياز في عهد ترامب الجديد.

الولايات المتحدة ليست مُلزمة بالحصول على إذن

ونفى السفير الأمريكي الجديد لدى الاحتلال، مايك هاكابي، في مقابلة بثت الخميس، صحة التقارير التي تحدثت عن تجاهل الإدارة الأمريكية لمخاوف الاحتلال، مؤكدًا أن "الولايات المتحدة ليست مُلزمة بالحصول على إذن إسرائيلي للتوصل إلى اتفاقيات إقليمية مثل وقف إطلاق النار مع الحوثيين". 

كما وصف، في اليوم التالي عبر حسابه على منصة "إكس"، بعض التقارير الإعلامية بأنها "متهورة وغير مسؤولة"، نافيًا وجود خلاف بين ترامب ونتنياهو.

لكن المزاج العام في إسرائيل بدأ بالتحول منذ فترة، فبعد نشوة انتصار ترامب في انتخابات نوفمبر، والتي وصفها نتنياهو بأنها "أعظم عودة في التاريخ"، بدا أن حكومة الاحتلال وخصوصًا الجناح اليميني المتطرف تلقت ضوءًا أخضر للمضي قدمًا في مشاريع ضم الضفة الغربية وتوسيع الاستيطان في غزة، إلا أن ذلك التفاؤل تراجع سريعًا.

 اتفاق نووي مع إيران

كما عبّر مسؤولون إسرائيليون عن مخاوف من أن ميل ترامب لعقد الصفقات قد يقوده إلى اتفاق نووي مع إيران لا يُلبي مطالب الاحتلال الأمنية.

وفي مشهد بدا محرجًا، أعلن ترامب، في أبريل، أمام الصحافة ونتنياهو، بدء محادثات مباشرة مع إيران بشأن ملفها النووي، وهو ما أثار دهشة نتنياهو الذي لطالما دفع واشنطن نحو الخيار العسكري ضد طهران.

وذكرت صحيفة "واشنطن بوست" أن مستشار الأمن القومي السابق، مايكل والتز، أُقيل بعد التنسيق المكثف مع نتنياهو حول خيارات عسكرية ضد إيران، ما أغضب الرئيس الأمريكي.

الاحتلال في موقف سياسي هش

وقال أحد مستشاري ترامب: "لسنا من مؤيدي نتنياهو، ترامب يريد أن يضع الجميع السلاح ويبدأ العمل"، وأضاف أن شخصيات مؤيدة للاحتلال، طالما كانت تتمتع بتأثير داخل الإدارات الأمريكية، لم تعد تحظى بالمكانة ذاتها في البيت الأبيض الجديد.

وفي دولة الاحتلال، يقرّ بعض المحللين بأن الرهان المطلق على ترامب وحزبه جاء بنتائج عكسية، إذ قال المحلل السياسي أميت سيجال: “لقد وضعنا كل بيضنا في سلة واحدة، والآن نحن خالي الوفاض”.

وأشار إلى أن دولة الاحتلال تجد نفسها في موقف سياسي هش داخل الكونجرس، حتى بين بعض النواب الجمهوريين الحلفاء لترامب الذين يبتعدون عنها، مثل مارجوري تايلور جرين.

من جانبهم، قلّل حلفاء نتنياهو من شأن الخلافات، معتبرين أن المشكلة تكمن في توقعات غير واقعية، وقال أحد أعضاء حزب الليكود: "كثيرون اعتقدوا أن ترامب سيكون رئيسًا من حزب الليكود، لكن الواقع مختلف".

فتور العلاقة بين ترامب ونتنياهو

وبرغم التوترات، أشار مسؤول إسرائيلي إلى أن ترامب وفّر ذخائر ثقيلة للجيش الاحتلال، ولم يمارس ضغوطًا إنسانية كما فعلت إدارة بايدن، في ما يخص قطاع غزة.

ومع ذلك، يخشى البعض من أن مجرد تصور فتور العلاقة بين ترامب ونتنياهو قد يُضعف الأخير سياسيًا. فقد بنى نتنياهو جزءًا كبيرًا من صورته كزعيم دولي على علاقته الخاصة بترامب، والتي جسدها بإعلانات انتخابية ضخمة أظهرت الاثنين يصافحان بعضهما البعض تحت شعار: "نتنياهو، في مستوى مختلف".

لكن التوتر تصاعد لاحقًا، خاصة بعد إعلان نتنياهو عن ضم أجزاء من الضفة الغربية، ما ساهم في إفشال "صفقة القرن" التي أطلقها ترامب. 

وازداد الخلاف حدة حين بادر نتنياهو لتهنئة جو بايدن على فوزه بالانتخابات، ما أثار غضب ترامب، بحسب ما أكده في مقابلات لاحقة.

في خضم هذه التطورات، يتساءل مراقبون عن مستقبل العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، في وقت تُعيد فيه واشنطن ترتيب أولوياتها الإقليمية، بينما تجد تل أبيب نفسها خارج الحسابات الكبرى.

search