الخميس، 29 مايو 2025

04:29 ص

يبدو أن الليل وُجد ليفضح ما نجيد نحن إخفاءه نهارًا.
A A

في الليل فقط… تنطق الوجوه بما لا تستطيع الأقوال أن تبوح به.!

يبدو أن الليل وُجد ليفضح ما نجيد نحن إخفاءه نهارًا.
النهار مسرح… إضاءة كاملة، جمهور ينتظر، أدوار محفوظة.
تضحك حين يُفترض أن تضحك، تهزّ رأسك في الوقت المناسب، وتؤدي دورك بإتقان.
لكن في الليل… ينطفئ المسرح، وتبقى وحدك مع نفسك.
لا كاميرات. لا جمهور. لا مفرّ.

في الليل، تصمت الأقوال، لكن الوجوه تتكلم.
وجهك الذي ظل طوال اليوم مشدودًا، هادئًا، يبدو فجأة مرهقًا كجندي قديم عاد من حرب لم يفهمها أحد.
تسأل نفسك: كيف صمدت؟
وتضحك… لأنك لا تعرف.

كل إنسان يملك وجهين.
واحد نهديه للناس، وآخر لا نراه إلا نحن، في المرايا المتأخرة، عند الثالثة فجرًا.
ذلك الوجه لا يُجيد الكذب.
تتأمله فتدرك أن كل شيء فيك صرخ خلال اليوم، لكنك كنت مشغولًا جدًا بالصمت.

الليل يجعل العالم أكثر بطئًا…
وكأن الزمن ذاته يشعر بالحزن ويقرر أن يتمهّل.
تتذكر مَن نسيتهم، ومَن نسوك.
تتذكر الخيبات الصغيرة التي كنت تتظاهر أنها “عدّت”، لكنها لم تمرّ يومًا… كانت فقط تنتظر المساء لتقفز على قلبك.

تكتشف أنك ما زلت تُجري الحوارات القديمة في رأسك…
تردّ على من جرحك بعد فوات الأوان، وتعتذر لمن خذلته دون أن تقصد، وتُعيد صياغة المشاهد كما تمنّيت أن تكون… لا كما كانت.

كل الأشياء العالقة تجد طريقها إليك ليلًا: رسائل لم تُكتب، كلمات تمنّيت قولها، أبواب أغلقتها دون وداع.
تبدأ المواجهة.
لا لأنك شجاع، بل لأنك لا تملك مفرًّا.

أخطر الحروب تلك التي تبدأ بعد منتصف الليل، داخل رأسك.
أنت الجندي والعدو، وأنت المصاب والمُسعف.
وأحيانًا، لا تنتصر… فقط تخرج حيًّا بالكاد.

لهذا، لا تسخر من وجوه الناس المتعبة في الصباح، ربما قضى أحدهم الليل وهو يترجّى نفسه أن تصمد، فقط، حتى تشرق الشمس.

في الليل، نكفّ عن الكذب على أنفسنا… فكل ما خبّأناه خلف الضحك والصمت، يعود ليتكلم بصوتٍ لا يُسمع، لكنه يُؤلم. وحين نواجه وجوهنا الحقيقية في المرآة، نُدرك أننا لم ننجُ بعد… بل كنا فقط نؤجل الانهيار إلى ما بعد منتصف الليل.”

 فقل لي.. حين تنطفئ كل الأصوات، هل تعرف حقًا من يكون وجهك الآخر؟

search