الثلاثاء، 17 يونيو 2025

05:32 ص

مكان لا تجرؤ إسرائيل على قصفه في إيران

ضريح  أستير ومرْدخاي

ضريح أستير ومرْدخاي

سيد مصطفى

A .A

تتبادل إسرائيل وإيران القصف فيما بينهما، ويتحدث الكثير من المسؤولين الإسرائيليين عن تدمير كافة الأماكن في إيران، ولكن هذا التهديد لا يُعد حقيقيًا لوجود مكان لا يمكن لأي إسرائيلي استهدافه على الأراضي الإيرانية.

في قلب مدينة همدان الإيرانية، وعلى امتداد شارع شريعتي التاريخي الذي يزخر بالمنازل التراثية من العهدين القاجاري والبهلوي، يقع ضريح أستير ومردخاي، أحد أبرز المواقع الدينية والتاريخية في إيران.

 ضريح أستير ومرْدخاي

ضريح أستير ومردخاي

من هما أستير ومردخاي؟

وُلدت أستير، واسمها الأصلي هدسة، في بلاد فارس قبل 500 عام من الميلاد. كانت ابنة أبي حائل وأصبحت لاحقًا ملكة أحشويروش (خشايارشاه). سُمِّيت "أستير" وتعني "النجمة الساطعة" لجمالها وجاذبيتها، بحسب موقع “كنج نامه” الإيراني.

توفيت والدتها في صغرها، وعاشت بعدها مع عمها مردخاي، الذي يُعتبر في بعض المصادر ابن يام. طرد الملك أحشويروش زوجته الملكة وشتي، وبحث عن ملكة جديدة جميلة.

كان مردخاي، أحد مستشاري بلاط أحشويروش، يهوديًا. فقدم ابنة أخيه المتبناة هدسة (أستير) للملك، فأصبحت أستير ملكة.

كان هامان شخصية نافذة وقوية في بلاط أحشويروش، وقد قلق من نفوذ اليهود في البلاط، فتمكن في النهاية من الحصول على أمر ملكي بقتل وطرد اليهود.

 ضريح أستير ومرْدخاي

لكن أستير ومردخاي تمكنا بطريقة ما من إيقاف هذا الأمر. في ذلك الوقت، لم يكن ممكنًا إلغاء أمر الملك، لذا سعى أستير ومردخاي جاهدين لإصدار حكم جديد، وبفضل جهودهما، أصدر أحشويروش مرسومًا جديدًا يسمح لليهود بالدفاع عن حياتهم ضد هذا المرسوم الملكي.

أحد أهم مواقع الحج اليهودي

يُعدّ ضريح أستير ومردخاي، الواقع في مدينة همدان، أحد أهم مواقع الحج اليهودي حول العالم. ووفقًا للمعتقدات اليهودية، يتمتع هذا الضريح بأهمية تاريخية بالغة.

يعود تاريخ البناء الحالي لضريح أستير ومردخاي إلى العصر السلجوقي في القرن الحادي عشر الميلادي، وقد خضع الضريح لعمليات ترميم وتجديد عديدة على مرّ التاريخ، وتعافى من آثار التدهور، ويجذب سنويًا العديد من السياح من جميع أنحاء العالم.

قبر أستير في همدان

كشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” في لقطات فيديو حصرية، يظهر فيها قبر أستير ومردخاي في مدينة همدان الإيرانية وهو بحالة جيدة رغم التوترات السياسية. ويُعد الموقع ذا أهمية دينية كبيرة للمجتمع اليهودي، وتبذل السلطات الإيرانية جهودًا للحفاظ عليه من أي أضرار.

ويعد موقع دفن أستير ومردخاي في مدينة همدان شمال غرب إيران. يُذكر قبر مردخاي وأستير في همدان لأول مرة في كتابات بنيامين الطودلي (حوالي عام 1170). 

دُفن الشخصيتان في مغارة دفن قديمة تحتوي على شاهدين خشبيين كبيرين مغطّاة بكسوة، وإلى جانبها لوحة كُتب عليها "ضريح مردخاي وأستير"، ويُعد هذا الموقع مكانًا للحج لبعض يهود إيران.

 ضريح أستير ومرْدخاي

يشير الوصف إلى أن الشاهد الأيمن هو لأستير، والأيسر لمردخاي، وبينهما حجر يغطي حفرة عميقة، والتي تُشير إحدى التقاليد إلى أنها تؤدي إلى القدس.

شهادات أكاديمية

ونقلت الصحيفة عن الدكتورة تمار إيلام غيندن، المتخصصة في الشأن الإيراني من مركز عازري بجامعة حيفا، والتي ألّفت كتابي "سفر أستير - وراء القناع" والرواية التاريخية "الملكة"، أن "شوشان كانت العاصمة الشتوية للملوك الأخمينيين (سلالة أحشويروش)، وتل شوشان موجود حتى يومنا هذا في مدينة شوش (بالفارسية) الواقعة في إقليم خوزستان بجنوب غرب إيران".

وتضيف الدكتورة غيندن: "كانت العاصمة الصيفية هي أقباطنا (هجمتانا بالفارسية القديمة، مذكورة في سفر عزرا باسم أخمتا)، وهي همدان الواقعة في شمال غرب إيران".

 ضريح أستير ومرْدخاي

تقليد قديم وأمل في المستقبل

في العصور القديمة، كان يهود فارس يتوجهون إلى القبر في عيد "البوريم" لقراءة "المجيلة" في أقرب مكان ممكن من الشخصيات الرئيسية في القصة.

يُؤكد الدكتور يوسف بخاري (84 عامًا)، وهو من مواليد همدان وهاجر إلى إسرائيل بعد الثورة الإسلامية في إيران، أنه "في أيام عيد البوريم، كان جميع يهود المدينة (في الماضي كان يعيش فيها حوالي 5000 شخص) يزورون موقع القبر، حيث كانت النساء الشابات والمسنات يرتدين فساتين ملوّنة، ويشعلن الشموع، ويوزعن المعجنات الحلوة، بينما كان الرجال يصلّون في الغرفة التي كان بها كتاب توراة قديم".

مسلمون يزورون الموقع للحصول على البركة

يزور المكان عدد قليل من المسلمين – وخاصة أولئك الذين يعانون من مشاكل مثل النساء العقيمات أو المرضى – انطلاقًا من إيمانهم بأنهم سيحصلون على بركة تحلّ مشاكلهم.

 ضريح أستير ومرْدخاي

احتجاجات وتخريب.. ثم استعادة مكانة الموقع

سبق أن وصفت الدكتورة تمار إيلام غيندن، باحثة في تاريخ إيران القديمة، على موقعها الإلكتروني مظاهرة كبيرة لطلاب استمرت لفترة طويلة بالقرب من قبر أستير ومردخاي. احتج عشرات الطلاب على تحويل الموقع إلى مكان مقدس، و"موقع تراث وطني"، ومركز للحج، وطالبوا بإزالة اللافتة التي تشير إليه كموقع للحج.

وحمل المتظاهرون لافتات كُتب عليها الرقم "77 ألف"، في إشارة إلى ما يعتبرونه "هولوكوست الإيرانيين"، وهو عدد الفرس الذين قُتلوا بعد إلغاء المرسوم الصادر ضد اليهود.

على إثر ذلك، تقرر إلغاء وضع الموقع كـ"موقع تراث وطني"، ولكن بعد أن اشتكى سكان همدان واحتجوا على تخلي الحكومة عن قبور القديسين في مدينتهم، تقرر إعادة الموقع إلى وضعه السابق.

وفي سياق الجدل حول المجمع، أُضرمت النيران في المكان على يد مجهولين في مايو 2020، مما ألحق أضرارًا بالقبور.

وعلى إثر ذلك، أدان عدد من الجهات في العالم اليهودي الحكومة الإيرانية لعدم حمايتها للمواقع التراثية التاريخية وسماحها "بجرائم الكراهية".

 ضريح أستير ومرْدخاي

علم فلسطيني في محيط الضريح

شهد مجمع القبر في همدان مؤخرًا اعتداءات على خلفية الحرب في قطاع غزة، ففي أكتوبر الماضي، بعد اندلاع الحرب، فوجئ أعضاء الجالية اليهودية في إيران الذين زاروا المكان للصلاة في يوم صوم أستير بوجود علم فلسطيني مرفوع خارج المجمع.

search