الثلاثاء، 17 يونيو 2025

11:50 م

"الإمام والكرة"│ رغم وجوده في الزمالك.. الشعراوي شجّع الأهلي بحنية الأب

الشيخ الشعراوي

الشيخ الشعراوي

محمود موسى - ناريمان ياسر

A .A

في قلب نادي الزمالك، ستجد مئذنة تحمل اسم رجلٍ لم يكن مشجعًا متعصبًا ولا أسطورة للنادي، بل كان إمامًا في الدين، محبوبا من الناس، وهو الإمام الراحل محمد متولي الشعراوي.

ففي ديسمبر من العام 2018، افتُتح مسجدٌ يحمل اسم محمد متولي الشعراوي، ليس كزينة معمارية ولا مجاملة رمزية، بل لأنه كان أكبر من أي انتماء.

ولكن، المفارقة أن الشيخ الذي نقش اسمه على جدران الزمالك، أعلن في أحد اللقاءات بروح الأب الحنون أنه يشجع الأهلي، لا لأن قلبه أحمر، بل لأن أبناءه كانوا كذلك.

ولكن هل حقا يرتبط الشيخ الشعراوي بكرة القدم والصراع الأزلي والتاريخي بين الغريمين الأهلي والزمالك؟ هذا ما تسلط عليه "تليجراف مصر" الضوء، خلال السطور التالية:

شهد نادي الزمالك افتتاح مسجد حمل اسم "محمد متولي الشعراوي" في 21 ديسمبر 2018، وذلك في عهد رئيس النادي السابق مرتضى منصور، يعد هذا المسجد الأكبر داخل القلعة البيضاء، وهو ليس مجرد مكان للصلاة فقط، بل تحفة معمارية رائعة، تجسد حرص النادي على الاهتمام بأدق التفاصيل التي تعكس روح الإيمان والتقاليد داخل النادي.

يحرص أعضاء وجماهير الزمالك على أداء صلاة العيد والتراويح في هذا المسجد، إلى جانب الصلوات الخمس اليومية التي تُقام بانتظام.

المسجد أصبح أحد معالم النادي، إذ يجمع بين الجمال المعماري والبعد الروحي، مما يعزز الروح الجماعية والارتباط العميق بين النادي وأعضائه.

تعرف على رأي الشعراوي في كرة القدم وأطفال الأنابيب وليلة القدر | مصراوى

أهلاوي ولا زملكاوي؟

وعلى الرغم من وجود مسجد للشيخ في نادي الزمالك إلا إنه في لقاء تلفزيوني شهير، سُئل عن انتمائه الرياضي، فأجاب ببساطة: "أنا مصري"، مؤكدًا أن ولاءه الأول هو للوطن وليس للأندية الرياضية.

إلا أن المذيع أصر على معرفة الفريق الذي يشجعه، فأفصح الشيخ بطريقة طريفة حين قال إنه "يشجع الأهلي" لأنه يريد مجاملة أبنائه الذين كانوا مشجعين للأهلي.

هذه الواقعة تعكس جانبًا إنسانيًا لطيفًا من شخصية الشيخ الشعراوي، حيث برز فيها حبه لعائلته ورغبته في إسعاد أبنائه، حتى لو كان ذلك على حساب تصريح صريح عن انتمائه الرياضي، وهو ما يؤكد أن مشاعر الأسرة أحيانًا تتخطى الانتماءات الرياضية.

‫كرة القدم و حكم إفطار لاعب الكرة لاجل اللعب - الشيخ محمد متولى الشعراوي -  Vidéo Dailymotion‬‎

علاقة الشيوخ بكرة القدم لا تقتصر على الشعراوي، إذ أن الشيخ الطبلاوي، أحد عمالقة التلاوة، كشف في أكثر من لقاء عن عشقه لنادي الزمالك، مؤكدًا أنه كان يتابع مباريات القمة بشغف، لا سيما عندما يكون برفقة صديقه القارئ الشهير عبدالباسط عبدالصمد الذي كان زملكاويا من العيار الثقيل.

وفقًا لرواية الطبلاوي، فإن الشيخ عبدالباسط لم يكن فقط يشجع الزمالك، بل كان "زملكاوي حتى النخاع كان من ساسه لراسه زملكاوي، وبيتابع الماتشات بحماس كبير، خاصة مباريات القمة".

وكان الثنائي يتابع مباريات الأهلي والزمالك سويًا في بيت أحد أقرباء الشيخ عبدالباسط في منطقة “ميت عقبة”، بحضور العائلة.

العالِم والأسطورة

وبالعودة إلى أهلاوية الشيخ الشعراوي التي أفصح عنها، هناك موقف إنساني جمعه مع أسطورة الكرة المصرية محمود الخطيب وعدد من لاعبي الأهلي، حين دعاهم إلى منزله لتناول الطعام.

استقبلهم الشعراوي بوجه بشوش عرف عنه، وجلس الجميع حول المائدة في جو من المودة والبساطة والحب.

 وبعد الانتهاء من الطعام، توجه الشعراوي بنفسه إلى جمع بقايا الطعام وترتيب الأطباق، مغلقًا باب المطبخ خلفه.

وحين عرض عليه رئيس الأهلي الحالي المساعدة، رفض الشيخ بلطف، موضحًا أن ما يفعله إنما هو من أجل السائقين وأفراد الأمن، ليأكلوا من نفس الطعام الذي قُدم للضيوف، بل وأصر أن يتولى هذا العمل بنفسه طمعًا في الأجر والثواب.

كان سيقبل يدي”.. الخطيب يروي موقفا جمعه بالشيخ الشعراوي | الرياضة | الطريق

وفي لحظة الوداع، كان التعب قد نال منه بعد هذا الجهد، فجلس يُحيي ضيوفه وهو على مقعده.

وعندما اقترب أحد أصدقاء الخطيب لمصافحته، بادره الشيخ قائلاً بابتسامته المعهودة وقبل يد الضيف وقال "هذه تحيتي بدلًا من الوقوف"، ليعتذر بطريقة أكثر من رائعة عن عدم القدرة على الوقوف احترامًا لضيوفه.

لكن محمود الخطيب لم يسمح أن يمر الموقف دون أن يُظهر تقديره لتصرف هذا العالم الجليل، فاقترب منه في هدوء يُقبل رأسه، تقديرًا لعلمه وتواضعه ومحبته الصادقة للناس، وكأنه يقول له  "يكفيني شرفًا أن أقبل رأسك".

الشعراوي مديرًا للكرة بالأهلي

ورغم قلة المواقف التي جمعت الشيخ الشعراوي بنجوم الكرة، إلا أن هناك نجما أهلاويا سابقا اقترح الاستعانة بالشيخ الشعراوي في منصب جديد، في سخرية من الحالة التي وصل إليها النادي في نهاية الموسم الماضي.

وقال محمد عبدالجليل، نجم الأهلي والزمالك "هناك أزمة كبيرة في غرفة ملابس النادي الأهلي".

وأتم " الأهلي محتاج الشيخ الشعراوي يمسك منصب مدير الكرة، ولا أعرف ماذا يحدث؟، محمد رمضان تولى المنصب وما زالت الأزمات مستمرة".

بين حب الأهلي واللهو

وعلى الرغم من أهلاويته والموقف الذي جمعه مع محمود الخطيب رئيس الأهلي الحالي، إلا أن الشعراوي لديه رأي صادم في كرة القدم، إذ يقول "اللعبة تصرف الشعوب وتشغل العقل بما لا يفيد، اللعب يكون في وقت لا تكليف فيه".

وأضاف "الخيبة بتاعت البشر، أن يجعلوا اللعب غاية لذاته، ومن العجيب إننا خدنا على الجماعة اللي بنقلدهم، إن اللعب بقاله قانون جد، ولا يمكن ينخرب أبدا، المباراة تقوم الساعة كذا الدنيا كلها تتجمل".

وتابع "يا سلام بقى لو حد يعمل عملية مخالفة تنتهي، تلاقي الحكم ضرب الصفارة، ويا سلام لو الجمهور طنش عن حاجة كده، الجمهور يطلع عليه".

وواصل: "نقلتم الجد إلى اللعب، وتركتم الجد بلا قانون، والخيبة تلتفت تلاقي عملية لا عارف أولها ولا آخرها، وأيه يعني لما يبقى عندي 20 فريقا كل فريق فيه 11 لاعبا؟".

وأردف: "عشان أيه كل ده؟، شغلانة، والناس تتجنن عشان كرة القدم، اللهو ده هو ترك المهم إلى غير المهم".

وعن إفطار اللاعبين، كشف "ما الهدف من إفطار لاعبي كرة القدم حتى لو كان في بطولة أمم أفريقيا؟، لا يجوز، يروحوا يتعلموا حاجة تفيدهم مثل ركوب الخيل أو الرماية أو السباحة لما فيها من المنفعة العامة للجميع".

يكره الفراشات

ويكمل الشعراوي انتقاداته اللاذعة "كل حاجة في الوجود يعملوا لها ملكة، دي ملكة مش عارف إيه، ودي ملكة الأزياء، ودي ملكة الجمال".

"مفيش ملك أبدًا! كله ملكات، ملك؟ آه، لأنهم عايزين إيه؟ المفاتن، يعني اللي بيصمّموا ملابس الرياضة، ولهم ناس بينفقوا عليهم بسخاء، على لبس الرياضيين..تقوم تلاقي مثلًا معاهد للتربية البدنية، ويعملوا فيها عرض ولا بتاع، تقوم تجد الشبان الغلابة لابسين بنطلونات طويلة، والبنات لابسين الفراشة".

لماذا تثير سيرة الشيخ الشعراوي الجدل رغم وفاته قبل 25 عاما؟ - الوطن

وأضاف: "الرياضة بالملابس الطويلة، طب ما تلبّسوا البنات كده، اشمعنا الشباب لابسين بنطلونات طويلة، والفتيات لابسين الفراشة، ايه الفساد ده".

وتابع: "والعجيب أن سعيهم في الفساد، يُلبسونه ثوب الحق، وثوب الارتقاء، وثوب الحضارة، علشان ييجي ناس حتى من المسلمين، يشجّعوا مثل هذا الفساد".

ليتنا نهتم بالجد

وحين سئل الشيخ الشعراوي عن مشاعره في غمرة الفرحة التي سادت مصر بعد الصعود لكأس العالم 1990، رد مندهشًا: "ماذا حدث؟"، ليجيب أحد الحاضرين "تأهلت مصر لمسابقة كأس العالم لكرة القدم"، فقال رحمه الله: "ليتنا نهتم بالجد مثل اهتمامنا باللعب".

أما العالِم الراحل مصطفى محمود فقد وافق الشعراوي في رأيه بمقال بعنوان "تأملات على هامش الكرة" في جريدة "أخبار اليوم"، السبت 13 يناير 1990.

ويقول مصطفى محمود "لم يشهد انتصار أكتوبر المجيد، الحفاوة الشعبية التي شهدها فوزنا على الجزائر في المباراة المؤهلة لمونديال 90، وكأننا فتحنا العالم أو عبرنا الفضاء إلى القمر".

وأضاف "نعم اللعب مطلوب، ولكن على ألا يتجاوز مكانه في سلم الأولويات، فهو ساعة في يوم إجازة، وتسبقه 6 أيام عمل، وبهذا تكون النفس سوية تعرف لكل شيء مقداره".

وتابع: "أما الشعب الذي ينفق همته وحماسه في مجرد هدف، ثم يعود إلى بيته جثة خاوية جوفاء ليس فيها همة لشيء؛ فهو شعب يحتاج إلى تحليل نفسي".

وأكمل "إن جدول الأولويات في بلادنا مختل، ومقلوب على رأسه، اللعب في أول القائمة، والجد في آخرها؛ هذا إن وُجد له مكان".

 وأتم "الإستراتيجية الغالبة على نظامنا هي إستراتيجية التفاريح، والسعادة في قاموسنا فرح وتهريج، وسيوافقني علماء النفس على أن هذا النوع مِن الفرح هو تعبير عن الكبت، وعن الحرمان، ولا يمت إلى السعادة بصلة".

وربما لم يكن الشيخ محمد متولي الشعراوي مشجعًا متحمسًا لكرة القدم، وربما لم يرَ فيها سوى لهوٍ يزاحم الجد في حياة الناس، لكنه برغم ذلك كان حاضرًا في نادي الزمالك كُتب اسمه على جدران المسجد الأكبر، وفي الأهلي كان بإعلانه أهلاويته والموقف الذي لا ينسى مع محمود الخطيب.

ولعل كلماته اللاذعة لما وصل إليه حال الشعوب من "اللعب" ليست قسوة على الرياضة عامة وكرة القدم خاصة، بل دعوة إلى التوازن، بأن نُعطي لكل شيء قدره، فلا نُفرط في اللهو على حساب البناء والجد، ولا نحرم أنفسنا من الفرح والحزن، ولكن بوعي، ونتذكر دائما إنها مجرد كرة من الجلد المدور.

search