الجمعة، 20 يونيو 2025

01:41 م

هل تُكرر أمريكا أخطاء العراق وليبيا؟

الحرب الإسرائيلية الإيرانية

الحرب الإسرائيلية الإيرانية

A .A

في الوقت الذي كان يستقل فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الطائرة الرئاسية يوم الثلاثاء الماضي بعد اجتماع مجموعة السبع في كندا، صرّح لأحد الصحفيين بأن إيران كانت (ومن المحتمل لا تزال) قريبة للغاية من امتلاك سلاح نووي، ويتعين منعها من الحصول عليه. 

وهذا تقييم تشاركه إسرائيل، وتستخدمه لإضفاء الشرعية على ما تشير إليه على أنه هجمات استباقية ضد إيران.

تناقض مع تقييم الاستخبارات الأمريكية

وقال المحلل السياسي بلال صعب، الزميل المشارك في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد تشاتام هاوس البريطاني (المعروف رسميًا باسم المعهد الملكي للشؤون الدولية)، إن ترامب ناقض إدارة الاستخبارات الوطنية، التي قالت مديرتها تولسي جابارد في شهادتها قبل ثلاثة أشهر فقط إن إيران لا تصنع سلاحًا نوويًا، وإن المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي لم يأذن بالبرنامج الخاص بالأسلحة النووية الذي عُلّق في عام 2003.

مناورة ذهنية أم قناعة حقيقية؟

وأضاف صعب، في تقرير نشره معهد تشاتام هاوس، أنه من الممكن أن ترامب يمارس ألاعيب ذهنية مع خامنئي في محاولة لإرغامه على تقديم تنازلات. ولكن إذا لم يكن الأمر كذلك، فإن كلماته تشير إلى أنه يعتقد الآن أن الوضع النووي الحالي لإيران يشكل خطرًا وشيكًا يتعين التعامل معه على نحو عاجل.

لماذا الاعتماد على إسرائيل؟

وإذا كان هذا هو الوضع، فلماذا تتعاقد الولايات المتحدة من الباطن بشأن قضية أمن قومي كبرى مع طرف ثالث؟ ناهيك عن أنه طرف لا يملك القدرات اللازمة لإنجاز المهمة (فإسرائيل لا يمكنها تدمير المنشأة النووية الإيرانية في فوردو بدون أسلحة أمريكية ثقيلة)، ولم تُبدِ أي اهتمام بحل دبلوماسي؟

ويبدو هذا النهج متناقضًا مع أهداف ترامب، أو على الأقل مع تلك التي أعلن عنها في وقت سابق، ويخاطر بجرّ الولايات المتحدة من خلال الأفعال التي تقوم بها إسرائيل بدلاً من قيادتها، وهو أمر غير مسؤول وخطير، ومسار يحتاج إلى تصحيح عاجل.

موقف أمريكي ثابت.. ولكن!

ومثل إسرائيل، تعارض الولايات المتحدة بشكل قاطع قيام إيران بتطوير سلاح نووي، وتتمسك بهذا الموقف منذ عام 2003 عبر إدارات متعددة. وتقول واشنطن إنها غير مشاركة بشكل مباشر في الهجمات الإسرائيلية، لكن من غير الواضح ما إذا كان ترامب قد أعطى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الضوء الأخضر لمهاجمة إيران أم لا.

التردد بين الاتفاق والحرب

في الفترة التي سبقت الهجمات الإسرائيلية، كان ترامب يسعى لإبرام اتفاق مع إيران يهدف إلى تحجيم برنامجها النووي. وكان قد أشار سابقًا إلى أنه لا يريد أن تهاجم إسرائيل إيران لأن ذلك سيفشل الاتفاق، لكنه قال أيضًا إن الهجمات "يمكن أن تحدث".

وبمجرد أن شنت إسرائيل الهجمات، صرّح ترامب لوسائل الإعلام بأنه كان يعرف دائمًا الموعد، وأشار إلى أن إيران أهدرت مهلة مدتها 60 يومًا بشأن المفاوضات.

ومنذ ذلك الحين، أعلن ترامب مرارًا أن إيران لا يمكن أن تملك سلاحًا نوويًا، لكنه لم يقل حتى الآن إنه أشرك القوات الأمريكية بشكل مباشر في الهجمات، أو سمح لإسرائيل باستخدام القنابل الأمريكية الضرورية لتدمير المنشآت النووية الإيرانية تحت الأرض.

فقدان السيطرة وتضارب في المصالح

أدى ذلك إلى موقف لا تسيطر فيه الولايات المتحدة على قضية مهمة في السياسة الخارجية اتخذت الآن منحى تصاعديًا. ويبدو أن واشنطن قد سمحت لطرف ثالث (حتى لو كان شريكًا دائمًا وقريبًا كإسرائيل) بتولي دفة القيادة وتحديد الإيقاع بشأن هذه القضية، رغم تداعياتها الهائلة على المصالح الأمريكية والأمن الدولي ومستقبل النظام العالمي لمنع الانتشار النووي.

ويرى صعب أن الدعم العسكري والسياسي طويل الأمد لإسرائيل يخاطر بأن يُنظر إلى الولايات المتحدة من قِبل شركائها، وخاصة العرب، على أنها ضالعة في الصراع، ولكن دون قدرة على تشكيل النتيجة لصالحها أو حماية سمعتها وموقفها الدبلوماسي والدفاع عن مصالحها.

الحاجة إلى استراتيجية واضحة

يتطلب أي نهج حكيم بشأن "أمريكا أولاً" قيادة فعالة، واستراتيجية صحيحة، وإجراءً قويًا لحماية المصالح الأمريكية. وبدلاً من ذلك، تواجه الولايات المتحدة خطر جرّها إلى حرب لم تبدأها.

وتابع صعب: "لننظر إلى التناقض الهائل بين الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن الاستراتيجية الخاصة بإيران". فإسرائيل تعتبر منذ فترة طويلة أن إيران المسلحة نوويًا خط أحمر، وسعت لمنعها من الحصول على سلاح نووي.

الاتفاق النووي.. بين ترامب ونتنياهو

بينما يدفع ترامب إلى التوصل إلى اتفاق لتحقيق هذا الهدف، أبدى نتنياهو اهتمامًا محدودًا باتباع النهج الدبلوماسي مع إيران، وكان معارضًا قويًا لخطة العمل الشاملة (الاتفاق النووي)، التي سحب ترامب الولايات المتحدة منها في عام 2018.

وصوّرت إسرائيل الهجوم على إيران بأنه عملية عسكرية مستهدفة واستباقية لدرء التهديد الإيراني لوجود إسرائيل، دون تقديم دليل على تهديد وشيك، وقد تم التشكيك في قانونية ذلك التبرير.

ومنذ ذلك الحين، بدأت إسرائيل توسّع قائمة أهدافها في إيران، ورفض نتنياهو استبعاد تغيير النظام كنتيجة محتملة للعملية.

تغيير النظام.. والسيناريو الكارثي

على النقيض، أشار ترامب سابقًا إلى أنه لا يدعم تغيير النظام في المنطقة. وفي خطاب مهم بشأن السياسة الخارجية ألقاه في السعودية خلال جولته بالمنطقة الشهر الماضي، قال: "لا لبناء الدول الأكثر كارثية" من جانب الغرب في المنطقة.

وهذا ما قد يحدث إذا تسببت إسرائيل في تغيير النظام في إيران دون خطة أو قدرة على التعامل مع تداعيات "اليوم التالي".

فالعراق وليبيا وأفغانستان كانت أخطاء استراتيجية وكوارث إنسانية، وقد تكون أمة مثل إيران، التي يبلغ تعداد سكانها أكثر من 90 مليون نسمة، أكثر كارثية بكثير، ومن المرجح أن تشهد فوضى ومأساة إنسانية على نطاق واسع وخارج حدودها.

هل يمتلك ترامب خطة؟

إذا قرر ترامب أنه يؤيد تغيير النظام في إيران، يتعين عليه أن يملك هذه السياسة، وأن يقدّم خطة رزينة تضمن الأمن الإقليمي، وتحقيق تطلعات الشعب الإيراني، وحماية المصالح الأمريكية.

وإذا كانت التجارب السابقة تُعطي أي مؤشرات، فستكون هذه المهمة في غاية الصعوبة، سواء للولايات المتحدة أو لأي قوة أخرى، لا سيما قوة أعلنت بوضوح أنها لا ترغب في التورط مجددًا في الشرق الأوسط.

اختتم بلال صعب تقريره بالقول إن أي قوة تتدخل عسكريًا في الشرق الأوسط يجب أن تكون قد استخلصت الدروس: إشعال حرب مع خصم إقليمي أمر سهل، لكن إنهاءها صعب جدًا. وفي وقت تنتشر فيه التكهنات بشأن تورط أمريكي محتمل في الحرب، يتعين على الرئيس ترامب أن يضع ذلك جيدًا في الحسبان.

search