مباريات مفخخة.. حرب موازية بين إيران وأمريكا في كأس العالم

أمريكا وإيران 1998
محمود موسى
شهدت العلاقات بين إيران والولايات المتحدة تقلبات حادة منذ أواخر القرن العشرين وحتى اليوم، إذ بدأت العلاقة بتعاون محدود اعتُبرت فيه الولايات المتحدة شريكًا استراتيجيًا مقارنة بالقوى الاستعمارية كفرنسا وبريطانيا، ثم تحوّلت بعد انقلاب 1953 الذي دعمته أمريكا ضد حكومة محمد مصدق إلى تحالف وثيق مع الشاه محمد رضا بهلوي.
وانهار تحالف أمريكا وبهلوي مع الثورة الإسلامية عام 1979، التي أدت إلى عداء كبير بلغ ذروته في أزمة احتجاز الرهائن بالسفارة الأمريكية بطهران، ما تسبب في قطع العلاقات الدبلوماسية عام 1980.
واستمر التوتر لعقود بسبب قضايا رئيسية، أبرزها دعم إيران لجماعات مسلحة معادية لأمريكا وإسرائيل، والبرنامج النووي الإيراني الذي واجه عقوبات مشددة.
وزاد العداء بين الطرفين، قبل أن يتفاقم إثر الحرب الإسرائيلية الإيرانية لترد أمريكا بضرب القواعد النووية الإيرانية، وترد الأخيرة بضرب القواعد الأمريكية في قطر والكويت.
أم المواجهات
العداء التاريخي تُرجم إلى حرب على أرضية الملعب في كأس العالم 1998 بفرنسا، عندما أوقعت القرعة الولايات المتحدة وإيران في المجموعة السادسة، ووصف رئيس اتحاد كرة القدم الأمريكي اللقاء بأنه "أم المباريات".

وحاول اتحادي كرة القدم في الولايات المتحدة وإيران التقليل من أهمية الجانب السياسي، ولكن الحقيقة أن هذا الجانب كان طاغيا حتى في الاجتماع قبل المباراة.
بدأ الاجتماع بتقديم الوفد الأمريكي هدية للوفد الإيراني، وقدموا الإيرانيون هدية أيضًا، لكن الأجواء كانت متوترة.
وبدلاً من التقاط صورتين منفصلتين للفريقين، اقترحت الولايات المتحدة التقاط صورة مشتركة قبل المباراة، ليغادر الإيرانيون الاجتماع غاضبين، لكنهم وافقوا لاحقًا على التقاط الصورة.
ويقول جلال طالبي، مدرب منتخب إيران: "كانت هذه أول مرة يجتمع فيها الفريق ويلتقط صورةً معًا، هذه أول مرة يحدث فيها ذلك في كأس العالم، لا أعتقد أننا كان نفكر في هذا، فنحن نلعب ضد منتخب لا نحبه".

قناصة على الأسطح
وبدأت الأجواء قبل المباراة بحماس كبير من الجماهير الإيرانية في شوارع ليون الفرنسية، خاصة عند فرع ماكدونالدز الذي تحول لمركز احتفال، لكن مع الاقتراب من ملعب المباراة، تحوّلت البهجة إلى توتر، حيث سيطر شعور ثقيل بانتظار حدث قد لا يكون رياضيًا بحتًا.
وعند دخول الملعب، فوجئ الإعلاميون بوجود قناصة على الأسطح، وقوات تدخل سريع ومروحية عسكرية تحلق على ارتفاع منخفض، في مشهد أوحى بأن "السياسة تغلبت على الرياضة".
زاد من التوتر مظاهرة لمعارضين إيرانيين في المدرجات أطلقوا صيحات استهجان ضد لاعبي منتخبهم، ما أربك اللاعبين داخل أرضية الميدان.
ورود بيضاء
ويقول الإيراني مهرداد مسعودي، المسؤول الإعلامي للاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) عن المباراة "كانت ثاني المشاكل أن إيران كانت الفريق (ب) والولايات المتحدة كانت الفريق (أ)، ووفقًا للوائح فيفا، كان على الفريق (ب) التوجه نحو الفريق (أ) للمصافحة قبل المباراة، لكن المرشد الأعلى الإيراني خامنئي أصدر أوامر صريحة بعدم التوجه نحو الأمريكيين".

وأضاف: "من المعلومات الاستخباراتية وجود جماعة تمثل 7 آلاف مشجع هدفها إفساد المباراة، لذلك زودنا مصوري التليفزيون بصور ليتمكنوا من معرفة الأشخاص واللافتات التي يجب تجنبها، إذ كانت المباراة تُبثّ حول العالم، وآخر ما كنا نتمناه هو أن تُفسد هذه المجموعة المباراة وتستخدمها لأغراضها السياسية الخاصة".
وتابع: "أراد رئيس الاتحاد الإيراني استغلال المباراة لإظهار بلاده بأفضل صورة ممكنة، طلب من مسؤول التجهيزات شراء باقة زهور لكل لاعب يدخل أرض الملعب،.
رقص في شوارع طهران
بدأت المباراة التي ينتظرها العالم أجمع، بضغط أمريكي قوي، إذ سدد برايان ماكبرايد كرة رأسية ارتطمت بالعارضة في الدقيقة الثالثة فقط، وسدد كلاوديو رينا كرة ارتطمت بالقائم في الدقيقة 33.
عادت إيران للسيطرة على المباراة، وتقدمت قبل 5 دقائق من نهاية الشوط الأول بهدف من حميد استيلي، وضاعف مهدي مهدفيكيا النتيجة في الدقيقة 84، ورغم هدف متأخر من برايان ماكبرايد، حافظ الإيرانيون على هدوئهم محققين أول فوز لهم على الإطلاق في نهائيات كأس العالم، وظهر الأمر كأن الفريق الإيراني توج بالمونديال.

ويعلق الصحفي الإيراني مسعودي على الفوز: "عندما تأهلت إيران لكأس العالم بعد فوزها على أستراليا، احتفل الإيرانيون بصخب شديد، كان الناس يرقصون في شوارع طهران، لم يفعل الحرس الثوري شيئًا حيال ذلك لأنهم كانوا أيضًا في غاية السعادة، كانوا مشجعين لكرة قدم في المقام الأول.

انتصار دبلوماسي
كان خروج المباراة بهذا الشكل الطيب بمثابة انتصار دبلوماسي، ليحاول الطرفان استغلال المباراة، وقرروا أن فريق إيران سيزور الولايات المتحدة العام المقبل، في ذكرى هذه المباراة، لتقام مباراة ودية بين الطرفين، ثم ستزور أمريكا إيران العام التالي.
كان من المقرر أن تقام المباراة الأولى في صيف عام 1999 في واشنطن العاصمة، لكن رمزية اللعب في مدينة البيت الأبيض كانت كبيرة للغاية بالنسبة للحكومة الإيرانية، التي لم تسمح للفريق بالسفر إلى الولايات المتحدة.
وأُعيد جدولة المباراة إلى يناير 2000، على ملعب باسادينا روز بول في لوس أنجلوس، موطن أكثر من 500 ألف إيراني، وكانت هذه المباراة الأخيرة في جولة من 3 مباريات تشمل الإكوادور والمكسيك وأمريكا.
في نوفمبر 1999، تحولت مسألة أخذ بصمات أصابع لاعبي المنتخب الإيراني في المطار إلى أزمة تهدد بإلغاء المباراة الودية، إذ رفضت السلطات الأمريكية منح إعفاء، مما دفع المسؤولين الإيرانيين للتحذير من أن ذلك قد يؤدي فورًا إلى إلغاء الزيارة.
وبعد محاولات عديدة، جاء الحل بتدخل غامض من وزارة الخارجية الأمريكية، حيث تم منح إعفاء قبل الموعد النهائي بأسابيع قليلة، في قرار يُعتقد أنه وصل إلى مستويات عليا في الإدارة الأمريكية.
ومع اقتراب موعد السفر إلى طهران، ظهرت أزمة سياسية جديدة هناك، لتعيد التأكيد على هشاشة العلاقات، وصعوبة إنجاز أي خطوة رياضية أو دبلوماسية بين البلدين دون اضطرابات.
ومع اقتراب السفر، طلب الرئيس الإيراني محمد خاتمي من رئيس الاتحاد الإيراني لكرة القدم، محسن صفائي فرحاني، إلغاء الجولة، تحت ضغط سياسي داخلي، لكن صفائي رفض الطلب، متمسكًا بأن العقد قد تم توقيعه بالفعل، وأن الجانب الأمريكي حصل على الإعفاء من بصمات الأصابع، كما سيحصل الاتحاد الإيراني على أكثر من 200 ألف دولار، وهو مبلغ غير مسبوق في تاريخ الكرة الإيرانية.
وبذلك أصبح المنتخب الإيراني ثاني وفد رياضي يدخل أمريكا، بعد فريق المصارعة قبل 5 سنوات، منذ الثورة الإيرانية عام 1979.
عملية أمنية سرية
كان اسفنديار بهارمست، الحكم الإيراني الأمريكي، مرافقا للمنتخب الإيراني خلال جولتهم الودية في الولايات المتحدة عام 2000.
كما نظم بهارمست للمنتخب الإيراني جولات سياحية وترفيهية، وفي الكواليس، كانت هناك عملية أمنية سرية لحماية البعثة الإيرانية، بمراقبة دقيقة، وفازت إيران على الإكوادور وخسرت أمام المكسيك، قبل مواجهة أمريكا.
قبل أيام من المباراة أمام أمريكا في عام 2000، واجه المنتخب الإيراني سلسلة تهديدات وضغوطا غير مسبوقة، حيث تلقى اللاعبون وأفراد الطاقم اتصالات هاتفية من جهات مجهولة تنتحل صفة جماعة إسلامية، تضمنت عروض رشاوى ضخمة، مثل مليون دولار للمدرب منصور بورحيدري مقابل الانسحاب، وتهديدات بإسقاط طائرة الفريق إذا أقيمت المباراة.
حافلة وهمية
وأُغلقت الطرق المؤدية إلى فندق الفريق، وتم استخدام حافلة وهمية ولاعبين مزيفين كخدعة أمنية، بينما نُقل اللاعبون الحقيقيون عبر المطبخ ومصاعد الخدمة إلى حافلة مخفية.


بين النشيد والاحتجاج
في كأس العالم 2022، بعد أكثر من 20 سنة على مواجهتهما الأخيرة، صادف القدر مواجهةً ثانيةً في كأس العالم بين إيران والولايات المتحدة، ستكون حاسمةً في التأهل إلى دور الستة عشر.

وألقت الاضطرابات السياسية بظلال ثقيلة على مشاركة المنتخب الإيراني، وتحوّل إلى نقطة توتر في البطولة، ففي مباراتهم الأولى بالمونديال ضد إنجلترا، التزم اللاعبون الصمت أثناء النشيد الوطني، فيما اعتُبر إشارة تضامن مع المحتجين، قبل أن يتراجعوا ويؤدوا النشيد في لقاء ويلز، وسط صافرات استهجان من الجماهير.
وحمل المشجعون الإيرانيون شعارات "المرأة، الحياة، الحرية"، وارتدوا قمصانًا باسم أميني، في مشهد غير مسبوق في المونديال.
وفي الوقت ذاته، تصاعدت التوترات بسبب خطوة الاتحاد الأمريكي لكرة القدم بإزالة شعار الجمهورية الإسلامية من علم إيران في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، ما دفع الإعلام الإيراني إلى المطالبة بطرد المنتخب الأمريكي من البطولة.

هل تدمر مواجهة أمريكا كرة القدم الإيرانية؟
وقبل مونديال 2026 في أمريكا، يواجه المنتخب الإيراني خطر الاستبعاد من كأس العالم 2026، رغم تأهله بسبب تصاعد التوترات العسكرية بين البلدين.

الهجمات الجوية الأخيرة على منشآت نووية داخل إيران زادت من احتمالية منع المنتخب من خوض مبارياته على الأراضي الأمريكية، في ظل مناخ سياسي وأمني معقد.
ومع اشتداد الصراع، يبدو أن المشاركة الإيرانية في البطولة باتت مهددة بشكل جدي، خاصة أن فيفا سبق وأن اتخذ قرارات مماثلة في حالات مشابهة، مثل إيقاف روسيا بسبب غزو أوكرانيا، واستبعاد يوغوسلافيا خلال حروب البلقان.
مصير إيران الكروي أصبح معلقًا بالتطورات الجيوسياسية، في مشهد تتداخل فيه السياسة بالرياضة مرة أخرى.

الأكثر قراءة
-
تسريب امتحان الفيزياء للثانوية 2025.. مصدر يكشف الحقيقة
-
"تورتة إباحية".. مفاجأة كبرى وراء فيديو العضو المضبوط بنادٍ شهير
-
تداول امتحاني الفيزياء والتاريخ للثانوية.. و"التعليم" تتوعد المتورطين
-
"فتوح" سافر الخليج رجع لقى مراته مخطوبة.. أول تعليق من الزوجة: "بتاع فضايح"
-
أخبار امتحان الفيزياء اليوم للثانوية العامة.. هل كان أصعب اختبار؟
-
لهذه الفئات فقط.. تفاصيل وظائف الكهرباء الجديدة 2025
-
موعد عرض الحلقة 12 من مسلسل فات الميعاد
-
بعد تعديل الاتفاق.. كيف توفر مصر الروبل الروسي لسداد قرض "الضبعة"؟

أخبار ذات صلة
طهران تصدم تل أبيب.. 4 قيادات عسكرية تعود من الموت في إيران
27 يونيو 2025 12:08 ص
بـ 5 أفلام.. ياسمين عبد العزيز فنانة قهرت رجالا بالإيرادات في 10 أعوام
26 يونيو 2025 09:57 م
كهف سنور.. جوهرة جيولوجية مدفونة في قلب بني سويف
26 يونيو 2025 09:13 م
رقصة الموت الأخيرة.. تفاصيل ملحمية لـ"لعبة الحبار" قبل ساعات من العرض
26 يونيو 2025 08:32 م
أكثر الكلمات انتشاراً