
حكاية الطيور المهاجرة.. حين تعود روايات السماء
كل صباح، قبل أن تبدأ المدينة في ضجيجها المعتاد، تخرج الطيور المهاجرة من السماء في صفوفها المتجمعة كقصائد تحلق في الهواء.
تعود إلى البقاع التي تركتها وراءها قبل عدة أشهر بحثًا عن دفء الطبيعة أو رزق الأرض.
تجد الحقول أخضرَت
والأشجار ارتدت حُلة جديدة
حتى أن الصباح بدا وكأنه يعرف أنها قادمة
فاحتفى بصوته قبل أن تُبصره العيون
ترجع الطيور لتعانقها الأشجار القديمة
للهمس في الأغصان باسم العودة
لتحكي للحشرات عن الأماكن التي رأت الأيام فيها بعيدًا
ولتهادي الشوارع بغنائها الهادئ
تُحدثنا أنها قادرة على الرحيل
وأنها قادرة على العودة
العودة ليست رجوعًا إلى ما كان
لكنها التقاء بين الماضي والحاضر
بين المسافات التي عبرتها والأرض التي وهبتها زهرة وأكسجينًا لحظتها
تدّعونا لنصبح مثلها
نرحل حين نحس أن الطريق يحتاج لقوة جديدة
ونعود حين نشعر أن الدفء الحقيقي يبدأ من حيث غادرناه
ربما علينا أن نحتفي بوجودنا على هذه الأرض كما نحتفي بعودة الطيور
نفكر في الرحلات التي خضناها
والأهداف التي حققناها أو لم نحققها
وندرك أن العودة ليست النهاية
بل هي فصل جديد من الرواية التي نعيشها
نشعر بالتصالح
نغني بصوتنا الخاص
فنكون الرحيل والعودة في آن واحد
وبذلك تُصبح السماء أكثر نقاءً
والقلب أخف
والأيام القادمة أجمل
ولعلنا نحن أبناء المدن المزدحمة بحاجة إلى تلك العودة أيضًا
لكن بطريقتنا
نعود إلى الأماكن التي تركنا فيها قلوبنا
نعود إلى أنفسنا بعد أن أنهكنا التوقّع والتظاهر والركض
الطيور لا تلتفت كثيرًا للخسائر
ولا تُضيع وقتها في الحزن على ما لم تحصل عليه
إنها تهاجر حين تشعر أن الرحلة واجبة
وتعود حين يكون الوقت مناسبًا
لا تملك ساعة
لكنها تملك إحساسًا دقيقًا بالتوقيت المناسب
لو كنا نملك هذا التوقيت الذي لا يخون
لو عرفنا متى نرحل ومتى نعود
ربما كانت حياتنا أكثر صفاءً
وأقل تعبًا .
ولعلّ ما يُدهش فعلًا أن الطيور لا تناقش قرارها
لا تتردد أمام الغيوم الثقيلة ولا تقف طويلًا لتسأل نفسها : “هل سأصل ؟”
هي فقط تمضي
وكأن داخلها بوصلة لا ترتبك
نحن البشر نحتاج إلى تلك البوصلة
نحتاج إلى يقين الطائر حين يحلّق
وهدوءه حين يستقر على غصن بعد ألف ميل
الطيور لا تعرف مفهوم
“الخسارة الفادحة”
هي تعرف فقط أن لكل مرحلة موسم
وأن العودة لا تعني التكرار بل النضج
إنها لا تعود كما غادرت
بل تحمل بين ريشها آثار المسافة، وروائح العالم، وندوب الطريق
هل فكّرت يومًا أن تكون مثل الطائر؟
تحمل نفسك وتسير لا لأنك تهرب بل لأنك تسعى
تترك ، وتعود وتتعلم
دون أن تشكو، دون أن تكره، دون أن تخسر نفسك
الطائر الذي يعود كل عام
ليس نفس الطائر الذي رحل
هو فقط يعرف أن العودة ليست خضوعًا بل شجاعة
تمامًا كما أن الرحيل ليس جُبنًا
بل حكمة.

الأكثر قراءة
-
هل المدارس اتأجلت؟.. التعليم توضح التفاصيل الكاملة
-
خبير مصرفي يقترح الاستعانة بـ"ملك فرعوني" لتعزيز موارد النقد الأجنبي
-
"هددونا بمدارس نائية".. أولياء أمور يشكون إجبار أبنائهم على البكالوريا
-
مصر العروبة وإمارات المحبة.. وحدة الروح والمصير
-
بلاغات بالجملة ضد بدر عياد.. اتهامات بخدش الحياء العام والسب
-
نسي نصل سكين في صدره 8 سنوات.. تنزاني يضرب المثل في اللامبالاة
-
القِوامة في الإسلام.. مسؤولية لا تسلّط
-
واصلت الهبوط.. أسعار الفضة اليوم في مصر

مقالات ذات صلة
مطاردة في طريق الواحات.. حين تصبح القيادة للمرأة معركة بقاء
15 أغسطس 2025 03:44 م
علاقات باردة تحت شمس الظهيرة.. حين تبدو الحياة مستقرة لكنها تخلو من السعادة
09 أغسطس 2025 06:22 م
حين يصبح الحب معركة إثبات لا مساحة أمان
02 أغسطس 2025 05:39 م
حين تتحول العلاقة إلى عبء ثقيل
26 يوليو 2025 02:09 م
حين تتحول العلاقة إلى ساحة حرب نفسية.. كيف تحمي عقلك؟
22 يوليو 2025 03:02 م
فضل شاكر يعود إلى أسئلته القديمة الجارحة
14 يوليو 2025 04:57 م
لحظة إعلامية مرتبكة.. هل أجادت مها الصغير فن الاعتذار؟
08 يوليو 2025 02:53 م
"مليش بديل" عمرو دياب.. نشيد عاطفي لي ولك
05 يوليو 2025 04:15 م
أكثر الكلمات انتشاراً