الأحد، 06 يوليو 2025

02:39 م

د. فتحي حسين

د. فتحي حسين

A A

قانون الإيجار القديم.. أم الطرد المقنن؟

لم يكن المشهد تحت قبة البرلمان عاديا كان أقرب إلى لحظة تُعاد فيها كتابة مصير ملايين المصريين على الورق، لكن بحبرٍ لا يُرى فيه الإنسان.
في الوقت الذي كانت فيه الكاميرات توثّق لحظة إقرار قانون الإيجار القديم، كان هناك على الأرض من يرتجف قلبه:
هل أمهلونا سبع سنوات كي نودّع بيوتنا؟
وهل صارت العدالة أن يُفرَز المواطن بحسب قدرته على الدفع، لا حاجته إلى الأمان؟
هكذا – بكل هدوء – مرت الكارثة.
انسحب بعض نواب المعارضة والمستقلين، فمرّ القانون كأنه بلا مقاومة.
لكن صدى القرار الحقيقي لم يكن تحت القبة، بل في العيون التي اتسعت رعبًا، والبيوت التي ضجّت بالأسئلة: أين نذهب بعد العمر؟
كيف نبدأ من الصفر ونحن في خريف العمر؟ هل صار السكن المؤقت لعقود جريمة، حتى نحاسب عليها بالإخلاء؟
خلاصة القانون الذي وافق عليه مجلس النواب هو إخلاء الشقق السكنية بعد سبع سنوات
إخلاء المحلات التجارية بعد خمس سنوات
زيادة الإيجار سنويًا بنسبة 15%
مضاعفة الإيجارات حتى 20 ضعفًا في المناطق المتميزة، و10 أضعاف في المتوسطة والاقتصادية
إخلاء الشقق المغلقة
تأسيس صندوق لدعم السكن البديل… لاحقًا، وبلا تفاصيل واضحة
كلها كلمات تبدو منمقة ومنظمة… لكنها كلمات لا تسكن البشر، ولا تمنحهم أمانًا.
"إحنا ناس كبار في السن… نروح فين؟"
"بقبض 3500 جنيه، ومطلوب مني 200 ألف مقدم إسكان!"
"شقة بـ250 بقت بـ2500… ده اسمه إيه؟!"
لا أحد ضد العدالة للملاك. ولا أحد يرفض التنظيم والتوازن.
لكن حين تصبح العدالة أداة طرد، وحين يصبح التنظيم مرادفًا للتشريد، فإننا أمام خطر لا يقل عن انهيار جدار بيت… بل جدار وطن!
النائب محمد عبدالعزيز قالها بوضوح: "القرار بلا ضمانة حقيقية، ولا يراعي ظروف ملايين المستأجرين".
والنائبة نجلاء حسن تساءلت: "كيف نُخلي المواطن ولا نملك خطة بديلة أو خريطة واضحة؟"
حتى من صوّتوا للقانون، كانوا يعلمون أن القرار له كلفة إنسانية عالية… لكنهم آثروا الصمت، وتركوا الصدمة لتتكفل بالباقي.
لماذا قررت الدولة البدء بمن يسكن فعليًا، وتتجاهل 300 ألف شقة مغلقة، نائمة كأراضٍ بور في قلب المدينة؟
أين العدل في أن يُمنح الساكن فرصة محدودة للإخلاء، بينما تُترك الشقق المغلقة تحت عنوان "ملكية خاصة"؟
وهل من يسكن ويدفع وينتمي، لا يملك شيئًا من هذه "الملكية" الإنسانية التي تُدعى الوطن
لماذا لم يتم تطبيق زيادات تدريجية عادلة مرتبطة بالدخل؟
لماذا لم يُقسم القانون حسب الحالة الاجتماعية لا حسب المنطقة الجغرافية فقط؟
لماذا لم تُقر خطة فعلية واضحة لتسكين المستحقين قبل أن يُطالَبوا بالإخلاء؟
يا من وضعتم القانون باسم "التطوير"، تذكّروا أن أكثر ما يخرب العمران هو تفكيك الأمان.
الوطن لا يُبنى بالإخلاء القسري، ولا تُمتحن كرامة المواطن بإجباره على مفاضلة بين طعام أطفاله وسقفٍ يؤويهم.
والاستقرار المجتمعي لا يُصان بوثائق عقارية، بل بسياسات عادلة تُشبه ضمير الوطن.
ليست كل كارثة تحدث بصوت مرتفع… بعضها يُكتب بهدوء، ويمرّ كأنه عابر… لكنه يهدم ما لا يُرمَّم.

أنقذوا البقية الباقية من الطبقة الوسطى… واحموا الفقراء من الطرد المنمق باسم القانون.
حفظ الله مصر الوطن الغالي… وطن الناس، لا وطن العقارات فقط.

search