الثلاثاء، 08 يوليو 2025

02:37 ص

"الشوكولاتة ساحت والبديل خروب".. تورم الكاكاو يصيب معشوقة الملايين بالجنون

إنتاج الشوكولاتة عالميًا

إنتاج الشوكولاتة عالميًا

 في يومها العالمي، تمر الشوكولاتة معشوقة الملايين حول العالم بأحد أكثر فصولها قتامة منذ عقود، إذ تواجه تهديدًا وجوديًا حقيقيًا بسبب انهيار سلاسل التوريد وتراجع الإنتاج العالمي من الكاكاو، المكوِّن الأساسي الذي ترتكز عليه هذه الصناعة العريقة.

ويحتفل العالم في 7 يوليو من كل عام باليوم العالمي للشوكولاتة، تلك الحلوى التي ارتبطت بلحظات الفرح والاحتفال في حياة الملايين، وأصبحت رمزًا عالميًا للمحبة والهدايا والمناسبات الخاصة.

التغيرات المناخية تضرب الشوكولاتة

في قلب غرب أفريقيا التي تنتج أكثر من 70% من المحصول العالمي، تتصاعد الأزمات بشكل غير مسبوق، فقد أسهمت التغيرات المناخية خلال العقد الأخير في إطالة فترات الحرارة الشديدة، حيث سجلت مناطق زراعة الكاكاو ثلاثة أسابيع إضافية تتجاوز فيها درجات الحرارة 32 مئوية، ما أضر مباشرة بمعدلات نمو الأشجار وخصوبتها، وفقًا لـ“إيكنوميك تايمز” .

لكن الكارثة لم تقف عند حدود الطقس، بل امتدت إلى أمراض قاتلة ضربت المزارع، أبرزها فيروس “تورم الكاكاو” الذي اجتاح أكثر من 81% من المناطق الزراعية في غانا، أحد أكبر منتجي الكاكاو في العالم، وسط فشل جهود الاحتواء حتى اللحظة، بحسب بيانات وتقارير “NYPost”.

وسجل موسم 2023–2024 فجوة في الإمدادات العالمية تتراوح بين 374 ألفًا و500 ألف طن، ما أثار القلق في الأسواق العالمية التي بدأت في التحرك المضاد، لكن ببطء شديد.

أفريقيا التي تنتج أكثر من 70% من المحصول العالمي للكاكاو

أسعار الشوكولاتة ترتفع بلا سقف

لم يتأخر تأثير هذا الانهيار الإنتاجي في الظهور، حيث قفزت أسعار الكاكاو بشكل جنوني من متوسط 2000 دولار للطن في منتصف 2023 إلى أكثر من 12 ألف دولار خلال الربع الأول من 2024، بزيادة فاقت 400% في بعض الأسواق، وهو ما انعكس على أسعار الشوكولاتة بحسب موقع تحليل الأرقام العالمية “Sustainability by Numbers”.

واتجه كثير من العلامات التجارية الكبرى في صناعة الشوكولاتة مثل Hershey’s وMars وLindt إلى رفع أسعار منتجاتها بنسبة 20% إلى 45% خلال عام 2024.

ومع اشتعال الأسعار، دخلت المضاربات السوق بقوة، فزاد المستثمرون من ضخ أموالهم في العقود الآجلة للكاكاو، على أمل جني أرباح سريعة، وهو ما فاقم من حدة الأزمة، وأدخل القطاع في حلقة تضخمية مؤذية، أثرت ليس فقط على الأسعار النهائية للشوكولاتة، بل أيضًا على تكاليف الإنتاج والتخزين والتوزيع.

وزادت الأعباء مع دخول عوامل خارجية على الخط، مثل الضرائب البيئية الأوروبية والقيود الجمركية الأمريكية، التي فرضت مزيدًا من الضغوط على المنتجين والمستهلكين في آنٍ واحد، ما دفع العديد من المصانع إلى تقليص الإنتاج أو رفع الأسعار النهائية بنسب كبيرة.

اعتماد عالمي على الإنتاج الهش

من حيث الإنتاج، تظل ساحل العاج وحدها مسؤولة عن 2.38 مليون طن سنويًا، ما يمثل قرابة 42% من الإنتاج العالمي، تليها غانا بـ654 ألف طن، ثم الإكوادور، والبرازيل، وإندونيسيا بحصص أقل.

لكن ما يزيد الطين بلة أن المناخ الملائم لزراعة الكاكاو يتركز جغرافيًا في نطاق ضيق جدًا، ما يعني أن العالم لا يملك ترف الاكتفاء الذاتي، حتى على مستوى الدول الصناعية الكبرى.

وفي ظل هشاشة هذه المنظومة، يبقى أي اضطراب في دول غرب أفريقيا بمثابة زلزال اقتصادي قد يهز أرفف المتاجر في أوروبا وأمريكا وآسيا، ويقلب أسعار الشوكولاتة رأسًا على عقب.

مستقبل الشوكولاتة.. هل يتغير الطعم للأبد؟

وعلى طريقة أغنية “الشوكولاتة ساحت” للفنانة الراحلة سعاد حسني، يبدو أن الحديث عن "اختفاء" الشوكولاتة من العالم ليس خياليًا، لكنه ليس قريبًا تمامًا، فالمراقبون يرجحون أن تواجه الأسواق خلال السنوات الخمس المقبلة انخفاضًا في الجودة، وتقليصًا للكميات المتاحة، إلى جانب زيادات متوالية في الأسعار.

ودفع هذا التوجه كبرى الشركات الغذائية إلى التفكير خارج الصندوق، والترويج لبدائل جديدة لا تعتمد على الكاكاو، بل تستبدله بمكونات نباتية مثل الخروب (Carob)، بذور العنب والشوفان وفول دوار الشمس، حيث أن هذه المواد توفر مذاقًا مشابهًا بدرجات متفاوتة وبتكلفة إنتاج أقل نسبيًا.

صناعة الشوكولاتة عالميًا

وفي قلب هذه الثورة تظهر شركات ناشئة مثل Planet A Foods الألمانية، التي طورت منتجها "ChoViva" باستخدام بذور عباد الشمس والعنب، وشركة Voyage Foods الأمريكية، التي طرحت بدائل الشوكولاتة في سلاسل "وولمارت" باستخدام الشوفان وبذور عباد الشمس، وذلك بحسب “جرين كوين” للاستشارات الزراعية.

أزمة الشوكولاتة لم تنته بعد

حتى مع كل هذه الابتكارات، لا تزال الصورة غير مستقرة، حيث إن المخزونات العالمية من الكاكاو في بورصات لندن ونيويورك تراجعت إلى مستويات تاريخية، من 100 ألف طن إلى نحو 21 ألف طن فقط، ما يزيد من المخاوف بشأن قدرة الأسواق على تلبية الطلب المتزايد في عام 2025 وما بعده.

ويرى خبراء أن استمرار الظروف المناخية القاسية وانتشار الأمراض سيبقي الأسعار مرتفعة خلال العام المقبل على الأقل، وهو ما سيدفع المستهلكين إما إلى دفع مزيد من المال مقابل الشوكولاتة الحقيقية أو إلى تقبل الطعم الجديد للبدائل المستقبلية.

search