السبت، 12 يوليو 2025

06:25 ص

هويدا عطا
A A

عرائس الجنة.. دماء على الأسفلت

كعصافير الجنة... يغردن كل صباح بالدعاء قبل أن ينطلقن إلى ما ينقذهن من شبح الجوع والفقر، الذي يطاردهن في كل ما سبق من عمرهن القليل، الذي عشنه بألم وصبر، واستجلابٍ للقوة في مواجهة ظروفهن القاسية، التي خصتهن دون غيرهن من أهل القرية.

كل صباح، يتسلقن أحلامهن، ويصعدن إلى الميكروباص "الطائر" نحو تحقيقها. يودعن والديهن وأخواتهن على عجل، بابتسامة المنتصر، مقابل "يومية" قدرها 130 جنيهًا لا تُغني من جوع، في ظل الارتفاع الجنوني للأسعار. لكنهن يُعلِنَّ في سرهن رضا خافتًا: "أهي نوايا تُسند الزير"... لكن الزير لم يتحمَّل وجعهن، فانفجر في وجوههن الطيبة، الضاحكة الباكية.
اختلطت وتبعثرت ماؤه بدمائهن على الطريق الطويل، تروي شقوق الأسفلت الساخن دون رحمة.

ذهبن لجني عناقيد العنب الشهية، والأحلام، والنشاط يصرخ في أجسادهن الشابة، والفرح يسبقهن إلى الهدف.
يتبادلن الحكايا والضحك والأمل، والأسرار الفتية، والأحلام السعيدة، التي تشبه وجوههن المضيئة المطمئنة.
حتى الألم والشكوى من جانبهن، كان صوتهما رقيقًا خفيضًا، كحياء أرواحهن تمامًا.

ذهبن بملابسهن الملوَّنة الزاهية، وعدن في أكفانهن البيضاء الناصعة، التي تشبه قلوبهن، التي لم يَغشَها السواد أبدًا، بل غلّفها الجهد والتضحية في سبيل إسعاد أهاليهن الفقراء.

لم يحسبن أنهن سيعدن أمواتًا، ضحية سرعة السائق الجنونية، والإهمال... ذهبن في مهب الريح، والتجاهل، والاستخفاف.

ذبلت الزهور قبل أن تُقطف، فهل من مغيث ينقذ الأموات القادمين ضحايا الطريق الإقليمي؟

لكن لا يسعني في النهاية إلا أن أجفف دموعي المتأججة على من رحلن من زهرات بناتنا، وأطالب المسؤولين من أصحاب الضمائر البيضاء الحية، أن يولوا اهتمامهم بهذا الطريق الدولي، بوضع ضوابط وآليات تنفيذية شديدة القسوة والعقاب، لكل من يخالفها، ضمانًا لسلامة وأمن حياة مواطني مصر الحبيبة.

فلا بأس، كان من الضروري الاستماع والاهتمام بشكاوى المارّين بهذا الطريق، الذين أصبحوا أمواتًا الآن، أو من ذويهم المكلومين عليهم، ووضع مراقبة صارمة عليه بالكاميرات، وعسكري مرور دائم، فـ"مراقبة الطريق الإقليمي" لا تكون إلا بالكاميرات والرقابة الحية.

كما أن تقاعس المسؤولين في رصف الطريق بصورة أفضل وآمنة، وتجاهلهم للعديد من الشكاوى التي تقدَّم بها المارّون عليه، من أهالي من أصبحوا في عداد الأموات، هو جريمة لا تُغتفر.
لقد ذهبت الأرواح البريئة في مهب الريح... في مهب الإهمال والتجاهل والفساد.

title

مقالات ذات صلة

search