السبت، 02 أغسطس 2025

09:00 ص

هويدا عطا
A A

عودة قابيل

اليوم، هبّت على ذاكرتي أشياء كثيرة من هنا وهناك، أحاول اللحاق بإحداها، لكنها كانت سرعان ما تزوغ مني وتهرب إلى اللاشيء.
دقائق امتدت إلى ساعات ثقيلة وأنا أحاول التركيز على فكرة واحدة أكتب عنها، فقد وجدت الهموم كثيرة، والقضايا المعلّقة لا حصر لها، حتى باتت ثقوب الثوب من المستحيل ترقيعها.
قلت في نفسي: لا بدّ من حلٍّ قوي يعيد للثوب زهوته وحلاوته. لا بدّ ليد العدل أن تضع قبضتها الساحرة على كل هذه الظلمات الخبيثة السابحة في كوكبنا الأرضي دون حياء، فتحوّلها بقدرة قادر إلى نورٍ صفيٍّ.

نعم، لا بدّ للعتمة من نهاية، وطريقٍ مضيء يمنحنا السكينة والراحة والمحبة، وبعضًا من المدينة الفاضلة التي عشنا أعمارنا نلهث وراءها، لعلّنا نصلها فنأخذ قسطًا من العدل الإلهي المنشود.

دعونا نبحث في سرّ الشر الذي انتشر بأرضنا الخضراء البهية الغضّة.

هل هي لعنة قابيل وهابيل، والدماء التي رَوَتها بلا ذنب اقترفه هابيل؟ فابتلعت معها الطيبة، والجزء النبيل من قلوبنا وضمائرنا الحيّة؟
أم هي عوامل التعرية الإنسانية التي وقعت على مدى القرون الطويلة، فأغرقت البشرية بالصدأ، والسواد، والشر؟

ما الذي جعل كل شيء جيد يتحوّل إلى نقيضه؟ الخير إلى شر، الطيبة إلى قسوة، الذكاء إلى خبث، الحب إلى كره، الاحتياج إلى انتهازية، والعطاء إلى ابتزاز واستغلال، الضعف إلى استعمار ودمار؟
في زمانٍ مضطرب، تتبدّل القيم، وينقلب النور إلى ظلمة دون سابق إنذار. لم يعد الخير يُثمر خيرًا، بل صار يُستغلّ ضعفًا. الطيبة تُفهم سذاجة، والذكاء يُحشد مكرًا وخداعًا. الحب، الذي كان طوق نجاة، أصبح بوابة للخذلان، والاحتياج صار مدخلًا للابتزاز. لم تسلم حتى أنبل المشاعر من التشويه، وكأن ضمير العالم أصابه العطب، والإنسان فقد مرآته الأخلاقية. لقد انحرفت البوصلة، فصار العطاء عبئًا، والضعف مبررًا للهيمنة، وكأن الشر تسلّل بهدوء إلى تفاصيل الحياة، يبدّل معانيها ويشوّه جمالها. فهل نحن من منحناه مفاتيح القلب والعقل؟ أم أن العالم تغيّر ونحن غفلنا عن حماية إنسانيتنا؟
حتى التكنولوجيا الحديثة، بكل ما فيها من أريحية ومنافع جمّة، من سهولة التواصل الإنساني وتنفيذ الأعمال والمشروعات المفيدة من خلال وسائلها المختلفة: واتساب، وسكايب، وفيسبوك، وتويتر، وإنستجرام وغيرها… أعطتنا أيضًا وجهها الأسود، بلا هوادة.

search