الثلاثاء، 08 يوليو 2025

10:31 م

حريق سنترال رمسيس.. النار تلتهم 100 سنة "آلو" من خزانة أسرار مصر

سنترال رمسيس

سنترال رمسيس

في قلب القاهرة، حيث تتقاطع الحداثة مع التاريخ، يقف سنترال رمسيس شاهدًا على قرن من التحولات التكنولوجية، من أول مكالمة هاتفية ملكية إلى صميم البنية التحتية الرقمية للدولة، قبل أن يقع حريق أمس الإثنين ليهز عرش المكان الذي يمثل خزانة أسرار وبيانات مصر.

أهمية سنترال رمسيس

بحسب مركز معلومات مجلس الوزراء، يعد سنترال رمسيس من أهم مراكز الاتصالات في البلاد، حيث يعالج قرابة 40% من حركة الاتصالات المحلية والدولية، معتمدًا على تقنيات الاتصالات الأرضية وشبكات الألياف الضوئية.

ويستخدم كبوابة استراتيجية من قبل كبرى شركات الاتصالات العاملة في السوق المصري لتوجيه المكالمات وربط خدمات الإنترنت، ما يجعله ركيزة أساسية في البنية التحتية الرقمية للدولة.

أول مكالمة في مصر

نحو مئة عام مضت على أول “آلو” انطلقت في مصر، ففي 25 مايو عام 1927، دوى صوت الملك فؤاد الأول لأول مرة عبر أسلاك النحاس في مبنى دار التليفونات الجديد بشارع الملكة نازلي – المعروف اليوم بشارع رمسيس – وتحديدًا سنترال رمسيس  ليفتتح أول مكالمة هاتفية رسمية في مصر باستخدام هاتف فضي فاخر من إنتاج شركة "إريكسون"، مصنوع في السويد، ومزخرف بعبارة تؤرخ للحظة الملكية الخالدة.

اليوم، يعرض هذا الهاتف في متحف المركبات الملكية كقطعة تراثية نادرة، تمثل اللحظة التي انطلقت فيها مصر إلى عصر الاتصال الصوتي.

هاتف الملك فاروق

ذاكرة وطنية

سنترال رمسيس ليس مجرد سنترال تقني، بل صرح وطني عايش تحولات تاريخية كبرى، من نقل برقيات الحرب، إلى المكالمات الرسمية للدولة، إلى إطلاق خدمات المحمول، ومنظومات الإنترنت.

وبحسب تقارير، فإن المبنى شهد وولادة أول وزارة اتصالات في نوفمبر 1999 بقيادة أحمد نظيف، وحتى تحول الهيئة الوطنية للاتصالات إلى ما تعرف اليوم بالشركة المصرية للاتصالات.

كما شهد السنترال انطلاق أول شركة محمول في مصر عام 1998، وواكب بدايات التحول الرقمي في قطاعات التعليم، والخدمات الحكومية، والبنوك، ووسائل الإعلام.

ولعب سنترال رمسيس دورًا محوريًا في نقل مصر من عصر التلجراف إلى الهاتف، ومن الخطوط الأرضية إلى شبكات الإنترنت، متمركزًا كمحور رئيسي في ربط المحافظات داخليًا وخارج حدود الدولة.

وترددت صدى أصوات ملايين المصريين عبر أسلاكه، دون أن يدركوا أن المكالمات اليومية تمر عبر "العمود الفقري" للاتصالات المصرية.

حريق سنترال رمسيس

حادث مأسوي

لكن في الذكرى الـ98 لتأسيسه، وقبل أن يشهد يوبيله المئوي، شهد السنترال حادثًا مأساويًا، إذ اندلعت النيران داخله مساء أمس، لتصيب قطاع الاتصالات بحالة من الارتباك، وتثير تساؤلات واسعة حول سلامة البنية التحتية، ومفهوم الجاهزية الرقمية في أوقات الأزمات.

السنترال المحترق لم يكن مجرد مبنى حكومي أو مركز تقني، بل قطعة من ذاكرة مصر الرقمية والتاريخية، ويمثل كيف يمكن للبنية التحتية أن تكون شاهدًا على التحولات الحضارية، ومكونًا جوهريًا في رواية أمة تتطور عبر الأثير والأسلاك.

واليوم، بينما تتعالى أصوات فرق الإطفاء في نفس المكان الذي دوى فيه صوت الملك فؤاد ذات يوم، انتشرت دعوات لتفكيك المبنى ونقله إلى مكان آخر، فهل يكمل سنترال رمسيس قرنًا من الزمان؟.

search