الإثنين، 14 يوليو 2025

02:22 م

ليس كل الأبطال يطيرون.. ابن كريستوفر ريف يكرم روح والده في سوبرمان 2025

ويل ريف يكرم ذكرى والده في "سوبرمان" 2025

ويل ريف يكرم ذكرى والده في "سوبرمان" 2025

مصطفى عبد الفضيل

A .A

داخل عالم يلهث وراء الأبطال الخارقين، أحيانًا يأتي المشهد الأكثر تأثيرًا بلا صراع ولا طيران، بل في لحظة إنسانية خالصة، لا يكون فيها المجد في حجم الدور، ولا في طول اللقطات التي تلتقطها الكاميرا، بل في الصدى الذي يتركه في القلب، هكذا تحول ظهور خاطف للمراسل الأمريكي "ويل ريف" ابن الأسطورة "كريستوفر ريف"، في فيلم “سوبرمان” نسخة 2025، إلى تحية صامتة، لكنها أبلغ من كل الحوارات.

مشهد خاطف لم يتعد دقائق، وقف "ويل ريف" فيها أمام العدسات لا ليصنع بطولة جديدة، بل ليكتب سطرًا صادقًا في سيرة رجل لم يخذله القدر حتى وهو على كرسي متحرك، ظهور بدا صغيرًا في الزمن، لكنه كبير في المعنى، ليس مشهدًا عابرًا أمام الكاميرا، بل رسالة حب تعيد الحياة إلى إرث لم يهزم لا بالسقوط ولا بالزمن.

لقطات من سوبرمان تصنع ذاكرة لا تنسى

في يوليو 2024، ذهب ويل ريف الصحفي الشاب ومراسل "ABC News" إلى موقع تصوير فيلم "سوبرمان" الجديد في كليفلاند، كانت مهمته بسيطة، مشهد قصير، يقوم فيه بدور مراسل يغطي حدثًا في مدينة "متروبوليس" الخيالية، ويلقي بضع كلمات أمام الكاميرا، ثم العودة سريعًا إلى نيويورك، انتهى التصوير في دقائق، وبينما كان في طريقه للمطار، وجد خبر ظهوره قد تسرب إلى الإنترنت سريعا، ضحك ويل وهو يروي القصة، قائلًا: "بمجرد ما وصلت للمطار، كان الإنترنت قد سبقني، تسربت أخبار الظهور قبل حتى أن أعود للبيت".
 

ويل ريف في موقع تصوير فيلم سوبرمان 2025

ورغم بساطة المشهد، إلا أن قلب ويل كان يعلم أن المشهد القصير ليس له وحده، ويدرك تمامًا أنها لحظة أكبر من كل مسيرته الإعلامية؛ لحظة لا يظهر فيها كصحفي فقط، بل كابن يهدي أباه الغائب تحية لا تحتاج إلى كلمات.

كريستوفر ريف بطل صنع مجده بالتحدي

لن يفهم عمق تلك اللحظة إلا من يعرف من كان "كريستوفر ريف"، ولكي ندرك لماذا اهتزت قلوب الناس لمشاهدتها، علينا أن نعود إلى ماضي الرجل، الذي درس في "جوليارد"، وعشق المسرح وصعد خشبته بشغف لا ينطفئ، ثم صار على الشاشة رمزًا للرجل الفولاذي الذي يعبر بنا من الظلام إلى الأمل، ففي عام 1978، غزا "ريف" العالم وصار أيقونة لا تنسى حين ارتدى عباءة "سوبرمان" فأصبح وجهه لصيقًا بحلم الطيران، وحفر اسمه في ذاكرة ملايين المشاهدين كرمز الشجاعة والنبل.

كريستوفر ريف في دور سوبرمان الأيقوني

ثم في لحظة قدرية عام 1995، تغير كل شيء وانقلبت حياته إثر سقوطه من فوق حصان في مسابقة فروسية، ليُصاب بشلل تام، لكن الرجل الذي ألهم العالم على الشاشة، ألهمه أكثر خارجها؛ بعدما تكالب عليه الألم، ظلّ كريستوفر يحارب: أسس مؤسسة للأبحاث، ودافع عن حقوق ذوي الإعاقة، وكتب سيرته بروح تفيض شجاعة وصدقًا، وبات بطلًا من نوع آخر، بطلًا لا تحميه عضلات فولاذية، بل إرادة أصلب من الحديد.

كريستوفر ريف

ارتجاف الميكروفون أمام الكاميرا

كانت البداية عندما تلقى ويل مكالمة من صناع الفيلم، شعر فيها أن ذلك المشهد المعروض عليه بمثابة تكريم جميل لوالده، والأجمل أن ظهوره جاء كمراسل، بينما كان الأب يؤدي دور "كلارك كينت" الصحفي الذي كان وجهه الآخر "سوبرمان"، والغريب أن ويل، الذي يظهر يوميًا أمام الملايين عبر شاشة التلفزيون، اعترف في حواره مع موقع “TMZ”، أن لحظة تصويره في الفيلم كانت أكثر توترًا من عمله المعتاد والمباشر أمام الكاميرا يوميًا، ربما لأن المشهد القصير حمل في طياته ذكرى أغلى بكثير من مجرد دور.

ويل ريف وكريستوفر ريف

ابن سوبر مان يرتدي عباءة والده

حين وصل ويل إلى موقع تصوير الفيلم الجديد، لم يكن يحمل فقط لقب مراسل تليفزيوني، بل حمل أيضًا ذاكرة رجل عرف كيف يحول الانكسار إلى نور، وفي مشهد لا يتعدى ثواني، يطلّ ويل كصحفي ينقل خبرًا عن "عصابة العدالة" في مدينة متروبوليس، فيصبح المشهد تحية رمزية من ابن عاش في ظل أسطورة، ولم يفقد أبدًا ملامح الفتى الذي أحب والده بلا قيد.

ابن البطل يحاور سوبرمان الجديد

لاحقًا، جلس ويل في لقاء تليفزيوني مع "ديفيد كورينسويت" الممثل الذي يجسد سوبرمان الجديد، سأله: "هل يبدو لك الأمر غريبًا؟" ليرد كورينسويت قائلًا: " لن أقول غريب، إنه شعور أشبه بأن يكون سريالي، والأمر يعود كثيرًا لوالدك، الرجل الذي جعل سوبرمان جزءًا من قلوب الملايين"، ويعلق ويل في نهاية اللقاء: "إنه شعور خاص لي أيضًا، جلوسي هنا كمذيع مع من يرتدي العباءة اليوم، يجعلني أفكر في والدي، وكيف كان سيفكر في هذا كله".

في ذلك الحوار، بدا أن ابن البطل القديم يسلم الشعلة للبطل الجديد، في لحظة تلفزيونية تكمل ما بدأ قبل عقود، لحظة إنسانية صافية، يكمل فيها الابن حديثًا بدأه الأب قبل نصف قرن، لا حوار مكتوب، ولا مشهد مركب، بل روح واحدة تتنفس بين لقطة وكلمة، بين سؤال وإجابة.

كريستوفر ريف رجل عاش البطولة مرتين

وراء تلك اللقطة، يقف شبح أبيض القلب اسمه كريستوفر ريف، ولد في نيويورك عام 1952، أحب التمثيل منذ الصغر، درس في جامعة "كورنيل" ومدرسة "جوليارد"، ثم صعد درجات المسرح بروح تبحث عن النور، وحين لبس عباءة سوبرمان، لم يكن يدري أن شخصيته ستلهم العالم جيلاً بعد جيل، حتى حين هزمه الجسد، لم تهزمه الروح؛ كتب عن أوجاعه بلا خجل، وظل حاضرًا في الإعلام، تحدث عن أبحاث الشلل، وشارك في أعمال درامية حتى وهو على كرسيه المتحرك، ليقول ما زلت أنا، حتى ولو تغير كل شيء، توفي عام 2004، لكن ابتسامته ظلت على الشاشة، وعيناه تقولان: البطولة الحقيقية ليست في الطيران بل في أن تنهض بعد السقوط.

ويل ريف وديفيد كورينسويت

تحية أقوى من ألف مشهد

لم يكن ظهور ويل في "سوبرمان" الجديد سوى بضع كلمات، لكنه كان سطرًا يكتبه ابن في دفتر أبيه، مشهد قصير جدًا على الشاشة، طويل جدًا في القلب، حمل رسالةً أعمق: "أن البطل الحقيقي يورّث روحه قبل صورته، وأن إرث الأب يعيش في قلب الابن"، حتى لو كان المشهد لا يتجاوز ثواني، ليكون تكريم لا يحتاج إلى موسيقى درامية أو مؤثرات، لأن البطولة هنا لم تكن في القفز بين ناطحات السحاب، بل في الحفاظ على إرث رجل حارب اليأس حتى اللحظة الأخيرة.

الآن حين يضيء شعار "S" مجددًا في صالات السينما حول العالم، لا نرى مجرد بطل خارق، بل نرى حكاية إنسان لم تنكسر إرادته، وابن ما زال يكتب رسائل حب في صمت الكاميرا، ليعرف كل أب وكل ابن، أن هناك حكايات لا تنتهي بمشهد النهاية، بل تبدأ منه.

search