الأحد، 27 يوليو 2025

08:59 ص

في ذكرى وفاة توفيق الحكيم.. كيف جمعته أسطورة “بجماليون” مع برنارد شو؟

توفيق الحكيم

توفيق الحكيم

في واحدة من أقدم الأساطير التي دوّنها الشاعر الروماني أوفيد في عمله الخالد التحوّلات، يقف “بجماليون” – النحّات الذي كره النساء – أمام تمثال عاجي صنعه بيديه، ليقع في غرامه.

يتحوّل الصمت إلى عشق، والعاج إلى قلب نابض حين تستجيب “فينوس” – إلهة الجمال – لدعائه، فتهب التمثال روحًا، ويمنحه اسم “جلاتيا” ويتزوّجها.

هذه الأسطورة التي مزجت بين الفن والحبّ والخيال، ظلت لقرون تلهم الأدباء، وكان على رأسهم توفيق الحكيم وجورج برنارد شو، وللمفارقة، فإن القدر جمعهما أيضًا في التاريخ ذاته، ففي 26 يوليو 1856 ولد الثاني، بينما شهد 26 يوليو 1987 وفاة توفيق الحكيم.

بجماليون توفيق الحكيم.. حين تتحوّل النهاية السعيدة إلى مأساة

عندما تناول الحكيم الأسطورة، لم يكتفِ بروايتها كما هي، بل قلب الطاولة على “بجماليون” نفسه، وحوّل نهاية الحب إلى خيانة مأساوية، حيث جعل جلاتيا تهجر النحّات مع صديقه “نرسيس”، وهو ما أشعل غضبه حتى طلب من “فينوس” أن تنزع الحياة منها، فعادت إلى حالتها الأولى، تمثال عاج بلا روح، قبل أن يحطمه “بجماليون” بيديه.

بأسلوبه الرمزي المميّز، حمّل الحكيم المسرحية دلالات فلسفية عن الوهم والحقيقة، والخذلان البشري أمام الأحلام التي نصنعها بأنفسنا.

بجماليون برنارد شو.. من الأسطورة إلى “سيدتي الجميلة”

أما جورج برنارد شو، فابتعد عن أجواء الميثولوجيا، لكنه استلهم روحها في عمله الأشهر “بجماليون”، حيث حوّل النحات إلى البروفيسور هنري هيجنز، أستاذ علم الأصوات الذي يراهن على أنه يستطيع أن يحوّل بائعة زهور فقيرة – إليزا دولتيل – إلى سيّدة مجتمع. ينجح، وبالفعل ينجح في رهانه، لكنه يعاملها باحتقار، فتهجره في النهاية.

هذه النسخة الواقعية من الحكاية، التي جمعت التحوّل الاجتماعي بالأسئلة الإنسانية عن السلطة والحب والطبقية، حققت نجاحًا ساحقًا، وأغرت السينما والمسرح لعقود، فتم إنتاج فيلم Pygmalion عام 1938، ثم النسخة التلفزيونية عام 1963، والتحفة السينمائية My Fair Lady عام 1964 بطولة أودري هيبورن وريكس هاريسون.

“بجماليون” يطرق أبواب الدراما المصرية

لم تتوقف حكاية “بجماليون” عند حدود أوروبا، ففي مصر، قُدّمت مسرحية شو في أكثر من صياغة، منها فيلم “سيدتي الجميلة” عام 1975، بطولة نيللي ومحمود ياسين، وفيلم “المتوحشة” في 1979، بطولة سعاد حسني ومحمود عبد العزيز.

لكن أيقونة الأعمال المقتبسة تبقى المسرحية الكوميدية “سيدتي الجميلة” للثنائي فؤاد المهندس وشويكار، والتي جسدت ببراعة التحوّل بين طبقات المجتمع، في حكاية “كمال الطاروطي” الذي يحاول ترويض “صدفة بعضشي” النشّالة، ليقدمها لـ”أفندينا” على أنها زوجته.

لماذا تظل “بجماليون” حكاية خالدة؟

في ذكرى وفاة توفيق الحكيم، تبدو أسطورة “بجماليون” أكثر من مجرّد قصة حب بين نحات وتمثاله، فعند الحكيم تحوّلت إلى مرآة تعكس هشاشة الحلم الإنساني، وعند شو تحوّلت إلى سؤال عن قدرة السلطة على “تشكيل” البشر.

وبين الاثنين، ما زالت القصة تلهم السينما والمسرح وتعيد إنتاج نفسها جيلاً بعد جيل، كأنها تمثال عاجي لم يكفّ عن التحوّل.

search