الأحد، 10 أغسطس 2025

01:04 ص

سعيد محمود
A A

جريمة بلا عقاب

"كلية وإنت تسمن".. جملة ثقيلة الظل كان أحدهم يرددها مرارا في سنوات الجامعة الأولى، ظنا منه أنه "خفيف الدم"، وكأي مستظرف يحترم نفسه، كان يتبعها بضحكات متقطعة بلهاء تفوق جملته سخاف واستفزازا.

وفي تلك الأيام، أتذكر ذلك المستفز الأعظم كلما رأيت أحد خريجي الجامعة في مختلف المجالات، وخصوصا - بحكم العمل - خريجي كليات الإعلام والآداب، لأجد نفسي أردد جملته بكل أسف كلما سألتهم: "كانوا بيعلموكم إيه في الكلية؟".

فطلبة الجامعة الأفاضل لا يستطيعون التفريق بين المنصوب والمجرور، ولعل أشد ما يحزن أن ممتهني الصحافة، وهي المهنة التي تعتمد في المقام الأول على الحرف، لا يدرك أغلبهم أبسط القواعد الإملائية، وتجد منهم من يكتب "الانتخابات" واضعا همزة أعلى الألف لتصبح "الأنتخابات"، ناهيك عن الأخطاء التي تأتي من عينة "فطعنه بطلق ناري"، وما خفي كان أعظم.

ولا يقتصر الأمر على أخطاء الكتابة والصياغة، بل هناك ما هو أشد هولا، فلا يشغل بال السيد الصحفي المبتدئ أبسط قواعد المهنية، ولا الإجابة عن الأسئلة الخمسة، أو كيفية تفريغ حوار صحفي، هذا إن كان يدرك أصول إدارة الحوار من الأساس، وما زاد الطين بلة مؤخرا، استسهال الكثير -إلا ما رحم ربي- والاتجاه لاستخدام الذكاء الاصطناعي في كتابة الموضوعات وإعادة صياغتها وتصحيحها، دون وجود أي لمسة إبداعية تُذكر.

قد يرى البعض أني متحامل بعض الشيء، وأن هؤلاء ضحايا أساتذة المدارس والجامعات الذين أهملوا في مهنتهم، فخرج الطلاب من تحت أيديهم لا يفقهون شيئا، لكني أرى أن الخطأ يشارك فيه الكثير، يتحمل الجزء الأكبر منه المدرس والأستاذ بالطبع، أما الطلبة فيرتكنون إلى الكسل والاستسهال وعدم السعي إلى التعلم، ثم يأتي دور أصحاب صحف ومواقع "بير السلم"، الذين يمتصون دماء الشباب لتعبئة منصاتهم شبه الإعلامية، ولا يكلفون أنفسهم عناء تعليمهم شيئا، بل يعودون الشاب أو الفتاة على إدمان مخدر خطير يدعى "كوبي وبيست"، وما خفي كان أعظم.

وأخيرا، يأتي دور النقابة العريقة التي ينتسب إليها كثير من الصحفيين الذين، إن اختبرتهم لغويا ومهنيا، سترى أن الكارثة أكبر من قدرة كائن الـ"أرماديلوس" على الاحتمال.

إنها جريمة جماعية في حق اللغة العربية والصحافة بكل المقاييس.. لكنها للأسف "جريمة دون عقاب".

search