محلل سياسي: بقاء ليبيا يرتبط بالماء والنفط

صورة تعبيرية
قال المحلل السياسي صلاح البكوش، إن بقاء ليبيا يتوقف على شريانين لا غنى عنهما هما الماء للشرب عبر النهر الصناعي العظيم، والنفط للحياة عبر المؤسسة الوطنية للنفط.
وتابع أن شرياني الماء والنفط هما بمثابة القلب والرئة للدولة، ومن دونهما ينهار الجسد الليبي.
وأوضح أنه منذ إنجاز النهر الصناعي العظيم بين عامي 1984 و2010، صار هذا المشروع أكبر مصدر للمياه العذبة في البلاد، فيما ظلّت المؤسسة الوطنية للنفط العمود الفقري للاقتصاد ومصدر التمويل الأساسي للرواتب والدعم والخدمات، ومع أن كلا المؤسستين نجحتا في تمثيل نموذج نادر للكفاءة الهندسية والإدارية وسط بيئة سياسية متوترة، فإن التهديد الذي يواجههما اليوم لا يكمن في ضعف تقني أو خلل إداري، بل في هشاشة الحوكمة والانقسام السياسي المستمر.
إنجاز هندسي وسط فوضى سياسية
وأضاف البكوش أن النهر الصناعي العظيم، يُعدّ أحد أكبر مشروعات نقل المياه في العالم، ويمتد أكثر من 1,600 كيلومتر من الأنابيب لتوصيل المياه الجوفية الأحفورية من أعماق الصحراء إلى مدن الساحل.
وأشار إلى أن أكثر من 70% من الليبيين يعتمدون عليه بشكل مباشر للشرب والاستخدام اليومي، وفي المقابل، تضخّ المؤسسة الوطنية للنفط حوالي 1.3 مليون برميل من الخام يوميًا (بحسب بيانات أوائل عام 2025)، وهو ما وفّر أكثر من 9.4 مليار دولار في نصف عام واحد، مؤكدًا أن هذه العوائد تمثل العمود الفقري لموازنة الدولة، حيث تُصرف على الرواتب، والأدوية، والمستشفيات، ودعم السلع الأساسية.
وأشار البكوش إلى أن المؤسستين رغم اختلاف طبيعتهما، إلا أنهما تشتركان في كون نجاحهما لم يكن نتيجة عبقرية سياسية، بل ثمرة كفاءات مهنية وعمل مؤسسي تكنوقراطي حافظ على الحد الأدنى من الاستقرار في أصعب الفترات، ومع ذلك، فإن هذا النجاح مهدّد بالانهيار إذا لم يتم تحصين المؤسستين ضد التدخلات الفئوية والانقسامات الحزبية.
التشرذم المؤسسي: عندما تضيع الشرعية وتتآكل الكفاءة
ورأى البكوش، أن جوهر الأزمة يكمن في غياب الحوكمة، فالنهر الصناعي يُدار حالياً عبر هيئتين متوازيتين، واحدة في طرابلس وأخرى في بنغازي، وكل منهما تدّعي الشرعية، مضيفًا أن هذا الانقسام يؤدي إلى شلل كامل في القرارات، مثل وجود قطع غيار ضرورية تبقى عالقة في المخازن، عقود الصيانة تتأخر، ومحطات الضخ في الصحراء قد تتوقف بسبب غياب وقود الديزل الذي يعجز طرفا الإدارة عن الاتفاق على تمويله.
وتابع أن الوضع ليس أفضل حالًا في المؤسسة الوطنية للنفط، فالقيادة تغيّرت أكثر من مرة خلال سنوات قليلة، وتعددت المجالس والجهات الرقابية، وأصبح كل توقيع يحتاج إلى مصادقة من مراكز متنافسة، حتى عقود الصيانة الدورية أو صرف جزء من الإيرادات لتأمين الوقود المحلي، تتحول إلى معركة بيروقراطية بين وزارة ووزارة أخرى أو بين طرابلس وبنغازي.
وذكر البكوش، أن النتيجة أصبحت أن التكنوقراط يُجبرون على ملاحقة التوقيعات بدلًا من حل المشكلات التقنية، قائلًا: "بدلًا من أن يعمل المهندس على إصلاح مضخة، يصبح مشغولًا بمراسلات رسمية تستغرق أسابيع، وهكذا تتآكل الكفاءة تدريجيًا، وتتراجع ثقة الجمهور في المؤسسات، ويصبح كل من الماء والنفط رهائن صراع سياسي دائم.
التكنوقراط في مرمى النيران
وأكد أن أخطر ما في هذا الجمود هو أنه لا يجمّد المشاريع فحسب، بل يعيق المسار المهني لأكثر الكفاءات خبرة، قائلًا: "أحد أبرز الأمثلة هو عماد بن رجب، الذي شغل منصب مدير التسويق الدولي في المؤسسة الوطنية للنفط في أصعب سنوات النزاع، حيث قاد فريقه لإبرام عقود توريد طويلة الأمد، وتنظيم تبادلات "خام مقابل وقود" التي سمحت باستمرار عمل محطات الكهرباء رغم شح الموارد، فكانت إنجازاته ملموسة، وأسهمت في منع انقطاع كامل للطاقة".
وتابع أنه حين دخلت الخلافات السياسية على خط الموازنات وصلاحيات التوقيع، وجد بن رجب نفسه محاصرًا بين سلطات متنافسة، من ضمنها العقود التي عمل على إنجازها توقفت أو أُعيد فتحها، وقراراته الفنية أصبحت خاضعة لتفسيرات سياسية.
وأكد أن قصة عماد بن رجب تمثل رمزًا لحال الكثير من الكفاءات الليبية: الخبرة موجودة، لكن البيئة المؤسسية غير المحصّنة تجعلهم رهائن للتقلبات السياسية.
كلفة العجز عندما تتعثر الشرايين
وأوضح البكوش، أن أي خلل في هذين الشريانين الحيويين يُترجم مباشرة إلى أزمات إنسانية واقتصادية، فإذا توقف ضخ المياه من النهر الصناعي، فإن خزانات المدن قد تفرغ في غضون أيام. الأسر تضطر لشراء المياه بأسعار مرتفعة، والمناطق الريفية تعود للاعتماد على آبار مكلفة، ومع كل تأخير، يلوح شبح أزمة صحية واسعة النطاق.
وذكر المحلل السياسي، أن النفط هو العمود المالي للدولة، إغلاق عام 2020 وحده كبّد ليبيا أكثر من 11 مليار دولار من العائدات المفقودة، ومع تراجع الإيرادات تتسارع وتيرة انهيار الدينار، وترتفع أسعار الغذاء والدواء، ويتقلّص هامش العيش للأسر، هذه ليست أرقاماً مجردة، بل انعكاسات مباشرة على حياة المواطنين.
ولفت إلى أن الأسوأ، أن هذه الأعطال مترابطة، حيث أن نقص المياه يرفع الطلب على المولدات الخاصة، وهو ما يزيد من استهلاك الوقود؛ تراجع العملة يرفع كلفة المواد الكيماوية لمعالجة المياه؛ تأخر الصيانة يحوّل كل أنبوب إلى قنبلة مؤجلة، والنتيجة شبكة من الأزمات المتداخلة تُضعف الدولة أكثر فأكثر.
ما العمل؟ تحصين التكنوقراط كأولوية وطنية
وقال البكوش، إن ليبيا لا تحتاج لإعادة اختراع تقنية استخراج النفط أو هندسة نقل المياه، بل تحتاج إلى إعادة تصميم قواعد اللعبة، مقترحًا ثلاث خطوات عملية، وهي تمويل محايد ومضمون، من أجل تخصيص نسبة ثابتة من عوائد النفط لصندوق صيانة مستقل يُدار برقابة شفافة، وسَنّ تشريع يضمن تحويلات شهرية للنهر الصناعي بغضّ النظر عن تغيّر الوزارات، وإشراف وطني موحّد، من خلال إنشاء هيئة رقابية مستقلة تحل محل الإدارات الموازية، وتتمتع بشرعية برلمانية مزدوجة، تكون مسؤولة عن اعتماد المناقصات ومراقبة الأداء، بالإضافة إلى شفافية آنية، من أجل إطلاق لوحات بيانات عامة عبر الإنترنت تتيح للمواطنين والخبراء الاطلاع على معدلات الضخ والإنتاج والإيرادات بشكل لحظي، بما يضع حداً للتلاعب ويعزز ثقة الجمهور بالكفاءات.
ويرى البكوش أن النهر الصناعي والمؤسسة الوطنية للنفط يمثلان معجزتين هندسيتين، لكن الهندسة وحدها لا تكفي لحمايتهما، في حالة إذا غابت الحوكمة، وإذا لم يُحصّن التكنوقراط من التدخلات الفئوية، فإن مصير هذين الشريانين سيبقى رهناً بالانقسام السياسي.
وأكد أنه عندما يتوقف ضخ الماء والنفط، لا يتوقف فقط شريان الحياة، بل يتوقف الأمل أيضًا ورواتب الموظفين، وإمدادات المستشفيات، وخزانات المدن، مضيفًا: "رغم ذلك نافذة التغيير لا تزال مفتوحة، والإصلاحات ممكنة، والتحصين المؤسسي للتكنوقراط ليس ترفاً بل ضرورة وجودية، فالخيار أمام ليبيا اليوم واضح إما أن تُبنى الحماية الآن، أو تُترك الأنابيب لتجفّ ومعها مستقبل دولة بأكملها".

الأكثر قراءة
-
والدة هدير عبدالرازق: "أي حد في البلد عايز تريند يطلع يتكلم عليها"
-
موعد إجازة المولد النبوي الشريف.. 3 أيام مدفوعة الأجر
-
براتب 6000 ريال.. فرص عمل مميزة في السعودية
-
بسبب تطبيق مراهنات.. عاطل يلقي زوجته من الطابق الثاني في سوهاج
-
تنسيق كلية الشرطة 2025.. شروط ورابط التقديم
-
فيديو هدير عبد الرازق ولعنة الترافيك
-
حريق يلتهم شقة سكنية في الأقصر
-
أبرزها تغيير مواعيد العمل الرسمية.. مقترحات برلمانية أثارت الجدل

أخبار ذات صلة
كل ما تريد معرفته عن التقديم في معهد معاوني الأمن 2025
19 أغسطس 2025 08:28 م
وزير الخارجية: يجب الضغط على إسرائيل للموافقة على وقف النار في غزة
19 أغسطس 2025 08:08 م
"الدفع أو الموت".. نائبة تهاجم الحكومة: أزمة الدواء مستمرة منذ 11 سنة
19 أغسطس 2025 08:03 م
كتاب العلوم للصف الأول الإعدادي الترم الأول pdf 2026
19 أغسطس 2025 08:00 م
إزالة 16 حالة تعدٍ على الأراضي الزراعية في كفر الشيخ
19 أغسطس 2025 07:40 م
وزير الخارجية يعلق على اتفاق وقف إطلاق النار: الكرة في ملعب إسرائيل
19 أغسطس 2025 07:34 م
200 سرير.. كفر الشيخ تبدأ أول خطوة نحو إنشاء المستشفى العام الجديد
19 أغسطس 2025 07:12 م
نتيجة الشهادة الإعدادية محافظة القاهرة بالاسم الدور الثاني 2025
19 أغسطس 2025 07:09 م
أكثر الكلمات انتشاراً