الأربعاء، 27 أغسطس 2025

03:29 م

أمل منصور
A A

هل تحب المرأة “الشقط” والباد بوي؟

يبدو السؤال صادمًا في ظاهره، لكنه يعكس جدلًا حاضرًا في ثقافة العلاقات اليوم. كثيرًا ما يُطرح هذا الاستفهام بنبرة تهكم أو تساؤل جاد: لماذا تنجذب بعض النساء إلى الرجل "المشاكس"، أو ما يُسمى في الثقافة الشعبية بـ"الباد بوي"، بينما قد تتجاهل الرجل الهادئ المستقر الذي يبدو أكثر أمانًا على المدى البعيد؟

الحقيقة أن الانجذاب ليس دائمًا قرارًا واعيًا، بل هو في كثير من الأحيان انعكاس لحاجة نفسية دفينة أو استجابة لعاطفة مباغتة. فالرجل الذي يوصف بالمتمرد أو الخارج عن المألوف غالبًا ما يمتلك جاذبية مختلفة، لأنها تقوم على عنصر الإثارة وكسر التوقع. إنه لا يلتزم بالقواعد المعتادة، يترك انطباعًا بالقوة وعدم المبالاة، ويبعث برسائل ضمنية أن قلبه عصي على الامتلاك، وأن من تفوز بقربه إنما حققت إنجازًا خاصًا. هذا التحدي وحده يكفي أحيانًا ليوقظ فضول المرأة ويستفز عاطفتها.

لكن هذا لا يعني بالضرورة أن كل امرأة تحب هذا النموذج. فالواقع أكثر تنوعًا وتشعبًا. هناك من تنجذب إلى الرجل الهادئ المتوازن، وهناك من تبحث عن الطموح والعقلانية، وهناك من تفتنها صورة "الباد بوي" فقط لفترة قصيرة قبل أن تكتشف أن الحياة الواقعية تحتاج أكثر من الإثارة العابرة. غير أن الظاهرة تبقى موجودة ولا يمكن إنكارها.

هنا يرتبط الأمر بحاجة الإنسان عمومًا – والمرأة خصوصًا– إلى الإحساس بالحيوية. فالاستقرار قد يمنح الأمان، لكنه أحيانًا يفتقد عنصر المفاجأة الذي يشحن القلب بالطاقة. والرجل المشاغب أو المتمرد ينجح في إيقاظ ذلك الشعور المعلق بين الخوف والرغبة، فيمنح العلاقة نكهة مختلفة. إنه يترك انطباعًا بأنه "مختلف"، وهذا الاختلاف قد يُقرأ أحيانًا على أنه قوة، حتى لو لم يكن في الحقيقة سوى قناع يخفي هشاشة داخلية.

المشكلة تبدأ عندما تخلط المرأة بين الانجذاب اللحظي والاختيار العاطفي طويل الأمد. فالإثارة التي تولدها شخصية الباد بوي قد تكون أشبه بشرارة سريعة اللمعان، لكنها لا تكفي لتدفئة العمر. كثير من النساء اللواتي انجذبن في لحظة إلى هذه الصورة سرعان ما اكتشفن أن وراء الكاريزما المبالغ فيها فراغًا عاطفيًا أو مسؤولية غائبة أو حتى ميلًا إلى الاستهتار. وما كان يبدو يومًا مثيرًا قد يتحوّل مع الزمن إلى مصدر استنزاف نفسي.

أما "الشقط" بالمعنى الشعبي، أي الرجل الذي يتقن لعبة الإيقاع بالقلوب والانتقال من علاقة إلى أخرى بخفة، فالأمر لا يختلف كثيرًا. الانجذاب إليه قائم على نفس الآلية: حضور قوي، كلمات مغلفة بالإعجاب، وجرأة تُشعر المرأة أنها محور الاهتمام في لحظة معينة. غير أن هذا النوع من الرجال يترك وراءه غالبًا ندوبًا أكثر مما يترك ذكريات جميلة، لأن علاقاته تقوم على الاستهلاك السريع لا على البناء العاطفي المتين.

وهنا أيضا نجد أن تفكير "الباد بوي" وهو يمارس لعبة “الشقط” يقوم غالبًا على منطق الانتصار اللحظي. إنه يرى في الفتاة تحديًا جديدًا يثبت من خلاله قدرته على السيطرة والإغواء. لا يبحث عن عمق العلاقة ولا عن استمراريتها، بل عن متعة عابرة تمنحه شعورًا بالتفوق وجرعة مؤقتة من الثقة بالنفس. في ذهنه، كل إعجاب جديد انتصار صغير، وكل انغماس عاطفي من طرفها علامة على نجاح لعبته. وهكذا تتحول المرأة في نظره من كيان إنساني إلى وسيلة لإشباع حاجته الداخلية لإثبات ذاته، دون أي اعتبار لما قد تتركه تجربته العابرة من جراح.

لكن الأغرب أن بعض الفتيات يدركن تمامًا أن الرجل أمامهن "باد بوي"، وأنه ليس جادًا في ارتباطه، ومع ذلك يندفعن إلى العلاقة. هذا الانغماس قد يعود إلى رغبة في خوض التجربة نفسها، أو إلى فضول يدفعهن لاختبار شعور مختلف، أو حتى إلى وهم القدرة على تغييره. بعضهن يدخلن هذه العلاقات كنوع من التحدي، وكأنهن يقلن لأنفسهن: "سأكون الاستثناء في حياته"، بينما الحقيقة أنهن يتحوّلن إلى حلقة إضافية في سلسلة لا تنتهي. المفارقة أن الوعي بصفاته لا يحميهن من الوقوع، لأن المشاعر حين تستيقظ تتجاوز منطق العقل، ولأن الحاجة إلى الاهتمام اللحظي قد تغلب على إدراك العواقب طويلة المدى.

ويمكن القول إن بعض النساء يقعن في هذا الفخ بدافع البحث عن صورة لرجل معين أو التعويض عن نقص داخلي، فينجذبن إلى الرجل الذي يبدو صعبًا أو بعيد المنال على أمل "ترويضه" أو "تغييره". إنها محاولة لا واعية لإثبات الذات، وكأنها تقول: "أنا مختلفة عن الأخريات، وسأكون الاستثناء في حياته". لكن التجربة تُثبت أن التغيير لا يأتي قسرًا، وأن ما يُبنى على رغبة في التملك وحدها سرعان ما ينهار.

في المقابل، هناك نساء كثيرات يرفضن هذا النموذج من الأساس، ويعتبرنه مجرد صورة مضخمة على منصات التواصل أو في القصص المتداولة. هؤلاء يرين أن الرجل الحقيقي هو من يمنح الأمان ويوازن بين الإثارة والنضج، بين العاطفة والالتزام. فالانجذاب الأوليّ لا يكفي لبناء حياة، والشرارة تحتاج إلى نار هادئة تستمر، لا إلى لهب يلتهم كل شيء في بدايته.

المجتمع أيضًا يلعب دورًا في ترسيخ هذه الصور. فالأفلام والمسلسلات كثيرًا ما تُظهر "الباد بوي" على أنه الشخصية الأكثر إثارة وجاذبية، بينما تُهمش الرجل المسؤول أو تُقدمه بصورة باهتة. هذا التناقض بين الواقع والخيال يجعل بعض النساء، خصوصًا في مرحلة الشباب، يخلطن بين الصورة السينمائية والرجل الحقيقي. لكن سرعان ما يُدركن أن الحياة ليست فيلمًا، وأن العلاقة ليست مشهدًا عابرًا بل مسار طويل يحتاج إلى صبر وصدق.

في النهاية، السؤال لا يتعلق بما إذا كانت المرأة تحب "الشقط" أو "الباد بوي"، بل بما إذا كانت تستطيع التمييز بين الانجذاب اللحظي والحب العميق. الانجذاب قد يكون عابرًا، لكن الحب نهر ممتد يحتاج إلى أرض خصبة كي يجري فيها. وشتان بين امرأة تبحث عن شرارة قصيرة لتثبت أنها قادرة على جذب رجل صعب، وامرأة تبحث عن علاقة تمنحها الطمأنينة والاحترام.

الحب الحقيقي لا يُقاس بمدى إثارة الشخص أو بخروجه عن المألوف، بل بمدى قدرته على أن يكون سندًا وشريكًا صادقًا. قد يجذب "الباد بوي" الأنظار، وقد يملأ الحديث لفترة، لكن وحده الرجل الذي يمنح المرأة الشعور بأنها مُقدّرة ومحفوظة هو من يحظى بالمكانة الأعمق في قلبها.

search