
الاستبداد.. سجنٌ بلا جدران
يُقال إن الاستبداد قلعة عالية تُشيَّد بالحجارة والسيوف، لكن الحقيقة أنه سجنٌ داخلي تُبنى جدرانه في العقول قبل أن تُبنى في القصور. فالخوف حين يستقر في الروح، يصير أقوى من ألف حارس، ويجعل الإنسان يضع القيود في يديه بنفسه، ثم يتعلم كيف يسير بها وكأنها جزء منه.
وجه المستبد
المستبد ليس ذاك العملاق الذي يراه الناس، بل هو إنسان يطارد شبحًا داخليًا لا يراه غيره. يخاف أن يخسر عرشه، فيشيد حوله جدرانًا من الولاءات والجنود. يخشى أن ينكشف ضعفه، فيخفيه خلف خطبٍ صاخبة وصورٍ عملاقة. هو في الحقيقة طفلٌ لم يبرأ من قلقه، فاختار أن يُسكت العالم كله كي يطمئن صوته الداخلي.
حين يصير الخوف عادة
لكن الخطر لا يكمن في المستبد وحده، بل في الشعوب التي تتعلم كيف تتنفس الخوف كل يوم. فالخوف في البداية صدمة، ثم يصبح عادة، ثم يغدو جزءًا من الطقوس اليومية. وعندما يعتاد الناس أن يسيروا بأعين منخفضة، يورِّثون أبناءهم هذا الانحناء وكأنه ميراث طبيعي، فيكبر الجيل الجديد داخل سجن لم ير جدرانه من قبل.
الاستبداد في الحياة اليومية
الاستبداد لا يعيش في القصور فقط، بل يتسلل إلى البيوت والمدارس وأماكن العمل. نراه في أبٍ يصرخ ليُطاع، في مديرٍ يستعرض سلطته، في طالبٍ يخشى أن يسأل. وهكذا يتحول الاستبداد من فعل سياسي إلى ثقافة اجتماعية، ومن سلطة فوقية إلى أسلوب حياة ينساب في التفاصيل الصغيرة.
الوهم الكبير
الاستبداد يقوم على وهمٍ مزدوج: حاكم يتوهم أنه خالد، وشعب يتوهم أنه عاجز. وبين الوهمين تضيع الحقيقة: أن كل سلطة زائلة، وأن كل خوف له عمر قصير إذا ما وُوجه بالوعي.
الطريق إلى التحرر
التحرر ليس ثورة صاخبة فحسب، بل هو رحلة هادئة تبدأ في الداخل. أن يتوقف الإنسان عن ترديد ما لا يؤمن به، أن يرفع رأسه قليلًا، أن يسأل السؤال الذي كان يخشاه. عندها فقط تبدأ أول شقوق الجدار في الظهور، ويكتشف الناس أن السجن الذي عاشوا فيه طويلاً لم يكن له باب ولا قفل، بل كان قائمًا على فكرة آمنوا بها ثم كسروا سحرها.

الأكثر قراءة
-
مفاجأة.. فنان شهير متهم بتعاطي مواد مخدرة وتحرك عاجل من أجهزة الأمن
-
ممرض يغافل صديقه ويُفرغ حسابه البنكي من الأموال في عين شمس
-
لايفات التيك توك وجمع الفلوس.. ماذا نعرف عن تهمة غسل الأموال؟
-
انطلاق المرحلة الأولى من برنامج تدريب 1000 كادر طبي في الصحة النفسية
-
خفض الفائدة يلوح في الأفق.. هل يقفز عيار 21 إلى 5 آلاف جنيه؟
-
"المرة الجاية إنت".. ملثم يشعل النيران بموتوسيكل ويترك رسالة تهديد
-
الاستبداد.. سجنٌ بلا جدران
-
"دوبلر المشيمة لتشخيص تأخر نمو الجنين".. رسالة دكتوراه بأسيوط

مقالات ذات صلة
القِوامة في الإسلام.. مسؤولية لا تسلّط
20 أغسطس 2025 01:59 م
موت الحلم وأزمة الأمل في وجدان المصريين
19 أغسطس 2025 10:35 ص
دبلوماسية الاستعراض في قمة ألاسكا
17 أغسطس 2025 10:16 ص
نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى.. جنون سياسي يهدد استقرار المنطقة
13 أغسطس 2025 11:08 ص
أكثر الكلمات انتشاراً