الأربعاء، 03 سبتمبر 2025

01:13 ص

عمره نصف قرن.. تونس تفقد جزءًا من ذاكرتها مع بدء هدم "الفندق المقلوب"

فندق الهرم المقلوب (البحيرة)

فندق الهرم المقلوب (البحيرة)

انطلقت في قلب العاصمة التونسية، اليوم، عملية تفكيك فندق البحيرة الشهير، أحد أبرز المعالم المعمارية التي طبعت ملامح وسط المدينة على مدى أكثر من نصف قرن.

المبنى الذي اشتهر بتصميمه الفريد على هيئة هرم مقلوب، ظلّ منذ إغلاقه سنة 2000 مثار جدل طويل بين من يراه رمزًا للحداثة العمرانية التي عرفتها تونس بعد الاستقلال، ومن يعتبره عبئًا مشوّهًا لمركز العاصمة بعد أن ترك مهجورًا لعقود، حسبما أوردت صحيفة “ديلي ميل”.

إرث معماري يطويه الزمن

شُيد الفندق بين عامي 1970 و1973 تحت إشراف المهندس المعماري الإيطالي رافايل كونتيجاني، واحتضن أكثر من 400 غرفة موزّعة على عشرة طوابق.

عند افتتاحه، اعتُبر من أبرز عناوين الانفتاح العمراني الحديث في تونس، إلى جانب معالم أخرى بارزة مثل "نزل إفريقيا" و"نزل الهناء".

تصميمه الجريء على شكل هرم مقلوب جعله أيقونة لتيار "العمارة القاسية" أو "Brutalism"، وهو أسلوب نادر على مستوى العالم، يقوم على إبراز العناصر الإنشائية وتوظيف الخرسانة الخام لإنتاج أشكال هندسية جريئة.

محاولات إنقاذ لم تكتمل

منذ أن آلت ملكية العقار إلى مستثمر خاص سنة 2011، طُرحت عدة مشروعات لإعادة تهيئة الفندق وإحيائه من جديد، غير أنّ الفحوصات التقنية أثبتت هشاشة أسسه الإنشائية وعدم قابليتها للترميم وفق المعايير الحديثة للسلامة، ما دفع السلطات إلى اتخاذ قرار نهائي بهدمه. 

ورغم التحركات الاحتجاجية والاعتصامات التي نظمها نشطاء المجتمع المدني، ومطالبات معمارين وجامعيين بضرورة المحافظة على المبنى كجزء من الذاكرة الحضرية للعاصمة، لم تفلح تلك المبادرات في تغيير مصيره.

جدل بين الحنين والواقعية

قرار التفكيك فجر انقسامًا واسعًا في الأوساط التونسية، فهناك من اعتبر أن المبنى، وقد ظل لعقود مغلقًا ومهملًا، تحول إلى خطر داهم يهدد السلامة العامة ويشوّه المنظر العام للعاصمة. 

في المقابل، عبّر آخرون عن أسفهم لخسارة تونس معلمًا معماريًا استثنائيًا يعكس جرأة هندسية نادرة، مؤكدين أن هدمه يمثل قطيعة مع جزء من الذاكرة البصرية للمدينة، التي تفقد تدريجيًا رموزها العمرانية الحديثة.

لحظة وداع مؤثرة

وقبل أن يختفي "هرم البحيرة" من المشهد العمراني نهائيًا، توافد العشرات من التونسيين والسياح إلى محيطه لالتقاط صور تذكارية، في مشهد أقرب إلى توديع معلم تاريخي ارتبط بذاكرة المدينة وحياتها اليومية لأكثر من خمسين عامًا. 

هكذا يُطوى فصل من فصول العمارة التونسية الحديثة، بين أنصار الحداثة الواقعية ومتشبثين بذاكرة المكان ورمزيته.

search