الإثنين، 08 سبتمبر 2025

04:48 م

أمل منصور
A A

ماذا لو استعاد الرجل والمرأة روح النبي في بيت الزوجية؟

يأتي المولد النبوي الشريف كل عام، ليس فقط كذكرى لميلاد النبي محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، بل كنافذة نستعيد منها المعاني التي غابت عن تفاصيل حياتنا اليومية. فهو مناسبة تعيدنا إلى جوهر الرسالة: الرحمة، والعدل، والمودة. وفي ظل هذه الذكرى، يصبح من اللافت أن نعيد النظر في أبسط العلاقات الإنسانية وأكثرها تعقيدًا في الوقت نفسه: علاقة الرجل بالمرأة.

لقد كان رسول الله عليه أفضل الصلاه والسلام قدوة لا في الصلاة والعبادة فحسب، بل في تفاصيل بيته الصغيرة، في حديثه مع زوجاته، في احترامه لهن، في إدراكه لقلوب النساء قبل عقولهن. 

كانت العلاقة بينه وبين السيدة خديجة رضي الله عنها مثالًا عميقًا للشراكة الإنسانية: لم يكن نبيًا بعد حين أحبته، ولم تكن هي مجرد زوجة تابعة، بل كانت سندًا وملاذًا ومصدر طمأنينة. وعندما جاءها مضطربًا فزعًا بعد أن آتاه الوحي، كان صدرها هو الأمان وكلماتها أول تثبيت. هذه الصورة تُذكّرنا أن العلاقة بين الرجل والمرأة، في جوهرها، ليست صراعًا على قوة أو نفوذ، بل التقاء روحين تتكاملان في مواجهة الحياة.

وفي بيته مع السيدة عائشة رضي الله عنها، نرى جانبًا آخر: الحميمية، والدعابة، والإصغاء. لم يكن النبي عليه أفضل الصلاه والسلام يرى في المرأة كائنًا ناقصًا أو تابعًا، بل شريكًا كامل الإنسانية يستحق الاحترام. كان يستمع، يتحاور، يضحك، ويسابقها أحيانًا، ليقول لنا إن العلاقة لا تقوم فقط على الواجبات الجافة، بل على تفاصيل بسيطة تصنع الدفء.

حين نتأمل هذه النماذج، ندرك أن كثيرًا من أزمات علاقاتنا اليوم بين الرجل والمرأة لا تعود إلى تعقيدات العصر فحسب، بل إلى ابتعادنا عن روح الرحمة التي أوصى بها النبي عليه أفضل الصلاة والسلام نحن نحيا زمنًا تتضارب فيه التوقعات: المرأة تبحث عن الاحتواء والاعتراف بقيمتها، والرجل يركض خلف متطلبات مادية وضغوط اجتماعية تجعله أحيانًا يغفل عن الجانب العاطفي. في هذا الفراغ، يضيع الحب وتذبل المودة، رغم أن الدين شدد على أن الزواج "مودة ورحمة".

المولد النبوي الشريف فرصة لإعادة تعريف هذه المودة. فهي ليست مجرد لحظة انجذاب، بل رصيد يُبنى على الاحترام المتبادل، على الإصغاء قبل الرد، على التقدير قبل العتاب. كثير من النساء يرددن عبارة "أنا بخير" فيما قلوبهن مثقلة، لأنهن فقدن الثقة أن هناك من سيلتقط الرسالة الخفية. وكثير من الرجال يلتزمون الصمت، لا لأنهم لا يملكون الكلام، بل لأنهم لم يتعلموا أن التعبير عن الضعف لا ينتقص من رجولتهم.

النبي عليه أفضل الصلاة والسلام برغم عظمته، لم يكن يخجل أن يقول: "إني رزقت حبها" في حق خديجة، ولم يكن يخشى أن يُظهر تعلقه بعائشة أمام الناس. كان يعترف بالحب ويحتفي به. فهل نخجل نحن من كلمة حب أو من لحظة ضعف؟ أم أننا سجناء ثقافة ربطت الرجولة بالقسوة والأنوثة بالاستسلام؟

إن جوهر الرسالة النبوية هو تحرير الإنسان من هذه القيود، وإعادة العلاقة بين الرجل والمرأة إلى بعدها الإنساني النبيل: شراكة قائمة على الكرامة، لا على السيطرة؛ على السكينة، لا على القلق؛ على الاحتضان، لا على الإهمال.

وإذا أردنا أن نحتفل حقًا بالمولد النبوي الشريف، فلن يكن ذلك فقط بتزيين الشوارع أو توزيع الحلوى، بل بأن نعيد إلى بيوتنا شيئًا من روحه. أن نتذكر أن الكلمة الطيبة صدقة، وأن الإصغاء عبادة، وأن الاحترام واجب متبادل. أن يكون الرجل في بيته رفيقًا لا جلادًا، وأن تكون المرأة شريكة لا ظلًا تابعًا.

فالعلاقة بين الرجل والمرأة ليست اختبارًا للقوة، بل امتحان للرحمة. وإذا كانت الرسالة التي حملها النبي عليه أفضل الصلاه والسلام للعالم هي "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، فأول موضع لهذه الرحمة يجب أن يكون في بيت الزوجية، في تفاصيل العلاقة اليومية، في الحضور الصادق والمودة العميقة.

إن المولد النبوي الشريف يعلّمنا أن الحب ليس عيبًا، وأن التعبير عنه ليس ضعفًا، وأن الاحتواء هو أسمى صور الرجولة، كما أن العطاء هو أجمل معاني الأنوثة. وما بينهما، تتأسس حياة يظل فيها الحب حاضرًا مهما مرّت بها العواصف

search