الأربعاء، 03 سبتمبر 2025

02:14 م

بين الدعم والتحذير.. تناقضات ترامب تكشف مأزق الموقف الأمريكي من غزة

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب

تشهد الحرب المستمرة في غزة لحظة تعكس حجم التباين بين المواقف الأمريكية والإسرائيلية؛ ففي حين يستعد الجيش الإسرائيلي لاحتلال مدينة غزة عبر عمليات عسكرية واسعة النطاق، معلنًا استدعاء عشرات الآلاف من جنود الاحتياط، يطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تصريحات متناقضة: فمن جهة، نُقل عنه منحه الضوء الأخضر لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لمواصلة الحرب حتى نهايتها، ومن جهة أخرى أكد في مقابلة صحفية أن استمرار العمليات العسكرية يضر بسمعة إسرائيل ويضعف مكانتها داخل الكونجرس وعلى الساحة الدولية.

هذا التناقض يثير تساؤلات: هل يعكس انقسامًا في السياسة الأمريكية تجاه الحرب؟ أم أنه يُوظَّف من جانب نتنياهو لخدمة أهداف داخلية في ظل الضغوط السياسية والشعبية التي يواجهها؟

دعم مطلق من ترامب

حرص نتنياهو في الأيام الأخيرة على تصوير نفسه كمن يحظى بدعم مطلق من ترامب، مشيرًا إلى أن الرئيس الأمريكي دعاه إلى تجاهل "الصفقات الجزئية" والمضي نحو الحسم العسكري الكامل، إلا أن هذه الرواية تتعارض مع تصريحات ترامب التي شددت على أن إطالة أمد الحرب تضعف إسرائيل أكثر مما تقويها، وفقًا لشبكة "سكاي نيوز".

ويعتبر مراقبون أن نتنياهو يستخدم هذا الخطاب لتعزيز صورته داخليًا، مستفيدًا من أي تلميح أمريكي يمكن أن يُفسَّر كدعم لخياراته العسكرية.

ترامب.. بين الدعم والتحذير

في مقابلة مع موقع "ديلي كولر"، قال ترامب إن إسرائيل ربما كسبت الحرب عسكريًا، لكنها تخسر في ميدان العلاقات العامة، وأضاف أن استمرار العمليات يضعف صورتها ويؤثر حتى على موقف الكونجرس، حيث بدأت أصوات بارزة تنتقد إرسال السلاح وتطالب بوقف الحرب.

ورغم أن تصريحاته تبدو متناقضة مع ما يروّجه نتنياهو، إلا أنها تعكس واقعية سياسية ترى أن الحروب الطويلة لا تمنح إسرائيل انتصارًا مستدامًا بل تستنزفها. 

ومع ذلك، يتجنب ترامب الظهور بمظهر من يمنع إسرائيل من تحقيق أهدافها، فيحافظ على خطاب مزدوج يجمع بين النقد والدعم الضمني.

تحفظ على خيار اجتياح غزة

يرى محللون أن المؤسسات الأمريكية، مثل وزارة الخارجية والبنتاغون وأجهزة الدولة العميقة، أبدت منذ البداية تحفظًا على خيار اجتياح غزة. 

وأوضح الدكتور إحسان الخطيب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة "موري ستايت"، أن التقديرات الأمريكية حذرت من أن دخول غزة سيحوّل إسرائيل إلى دولة منبوذة ويضعها في فخ استنزاف طويل، مع تحميلها مسؤوليات قانونية كقوة احتلال، بحسب الشبكة.

وأشار الخطيب إلى أن الرئيس السابق جو بايدن نفسه حاول إقناع إسرائيل بتجنب حرب شاملة أو إبادة واسعة، لكنه واجه حكومة اعتبرها "الأكثر تطرفًا في تاريخ إسرائيل".

أزمة داخلية إسرائيلية وغطاء خارجي

في الداخل الإسرائيلي، يسعى نتنياهو إلى استثمار خطاب الدعم الأمريكي كغطاء لخياراته العسكرية، في وقت يواجه انقسامات سياسية وضغوطًا متزايدة نتيجة كلفة الحرب البشرية والاقتصادية. 

ويرى محللون أن الحرب أصبحت وسيلته لتحويل النقاش الداخلي من أزمات سياسية وقانونية إلى "معركة وجودية".

لم تقتصر تداعيات الحرب على صورة إسرائيل، بل طالت أيضًا مكانة الولايات المتحدة. وبحسب الخطيب، فإن سمعة واشنطن تأثرت في العالمين العربي والإسلامي وحتى داخل المجتمع الأمريكي، وسط تزايد الانتقادات لدور اللوبي اليهودي وتأثيره على السياسات الأمريكية.

الموقف الأمريكي عند مفترق حساس

يقف الموقف الأمريكي عند مفترق حساس: المؤسسات الرسمية ترى أن اجتياح غزة خيار كارثي لإسرائيل، لكن الحسابات السياسية والانتخابية واللوبيات تدفع واشنطن إلى استمرار الدعم.

أما خطاب ترامب، فيجمع بين الإقرار بضرر الحرب والتحذير من استنزاف طويل الأمد، مع تجنب أي ضغط مباشر قد يُحسب عليه سياسيًا. وفي المقابل، يوظف نتنياهو كل كلمة صادرة من واشنطن لتثبيت سرديته حول "الغطاء الأمريكي الكامل".

search