الإمام البوصيري.. شاعر المديح النبوي وصاحب البردة الخالدة
بنى سويف - مصطفى العمدة
يظل اسم الإمام شرف الدين محمد بن سعيد البوصيري (1213 – 1296م) حاضرًا في وجدان الثقافة العربية والإسلامية بوصفه واحدًا من أبرز شعراء المديح النبوي الذين تركوا بصمة لا تُمحى في تاريخ الأدب والفكر الديني عرفه الناس بصفته “صاحب البردة”، لكن حياته وإبداعه تجاوزا مجرد قصيدة واحدة لتشكّل مسيرة متكاملة من الشعر والزهد والتصوف، امتزجت فيها التجربة الإنسانية بالروحانية وأنتجت فنًا خالدًا يتوارثه المسلمون جيلًا بعد جيل.

نشأة الإمام البوصيري وجذوره
وُلد البوصيري في دلاص بمحافظة بني سويف سنة 1213م تقريبًا، ثم نشأ في مدينة بوصير القريبة من بني سويف والتي حملت اسمه فيما بعد، انتقل في شبابه إلى القاهرة حيث تلقى العلم في مدارسها ومساجدها الكبرى، ونهل من علوم العربية والفقه والتصوف.
تأثر البوصيري في بداياته بالمدارس الصوفية وكان ميّالًا إلى الزهد شديد التعلق بالقرآن الكريم والسنة النبوية وهو ما انعكس لاحقًا على مجمل أعماله الشعرية.
البوصيري والشعر العربي
كان البوصيري شاعرًا متمكنًا من أدواته مطلعًا على التراث الشعري منذ الجاهلية وحتى عصره، لكنه اختار لنفسه مسارًا خاصًا، إذ سخّر قدرته الشعرية في مدح النبي محمد صلى الله عليه وسلم والتعبير عن معاني الحب الإلهي.
ورغم أنه نظم قصائد في أغراض أخرى مثل الغزل والرثاء، إلا أن قصائد المديح النبوي هي التي رسخت اسمه في وجدان الأمة، وقد تميز شعره بالجزالة ودقة المعنى وصدق العاطفة والقدرة على المزج بين الصورة البلاغية العميقة والروحانية الصوفية.
قصيدة البردة.. أيقونة المديح النبوي
تُعد قصيدة البردة أو "الكواكب الدرية في مدح خير البرية" أهم أعمال البوصيري وأشهرها على الإطلاق، كتبها بعد أن أصيب بمرض شلّ نصف جسده، فأنشد هذه القصيدة متوسلًا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويُروى أن البوصيري رأى النبي في المنام وقد مسح بيده على جسده فبرئ من مرضه، ومن هنا اكتسبت القصيدة قدسيتها وانتشارها الواسع.
القصيدة تضم أكثر من 160 بيتًا تناولت سيرة النبي وأخلاقه ومعجزاته، وحملت مشاعر العاشق المتبتل الذي ذاب في حب الرسول، وقد أصبحت لاحقًا جزءًا من التراث الديني والشعبي تُتلى في الموالد والمناسبات الدينية وتُدرّس في حلقات العلم بالأزهر والزوايا الصوفية.

أثر البردة في العالم الإسلامي
انتشرت قصيدة البردة انتشارًا كبيرًا في مصر والمغرب والمشرق الإسلامي، حتى وُصفت بأنها القصيدة التي وحّدت وجدان المسلمين.
في مصر تحولت إلى جزء من الاحتفالات الدينية خاصة في الموالد النبوية.
في المغرب العربي كتب عنها شُرّاح كثيرون مثل الإمام أحمد المقري التلمساني.
في تركيا والعالم الإسلامي عامة نُسخت القصيدة بالخطوط الذهبية على جدران المساجد، وتغنّى بها المنشدون الكبار.
ولم تتوقف مكانة البردة عند حدود المدائح، بل ألهمت الأدباء والفنانين عبر القرون، فقد كتب الإمام البوصيري نفسه قصيدة أخرى تُعرف بـ"الهمزية"، وهي أيضًا في مدح النبي لكنها لم تنل شهرة البردة.

البوصيري والتصوف
لم يكن البوصيري مجرد شاعر، بل كان صوفيًا عاشقًا لله ورسوله، ارتبط بعدد من مشايخ التصوف في مصر، وتردد على الزوايا والمساجد التي كانت تعج بالحلقات الصوفية في القاهرة والإسكندرية.
وانعكس هذا التصوف في شعره، حيث نجد في أبياته مزيجًا من الحب الإلهي والتذلل والاعتراف بالضعف البشري، مع التمسك بالرجاء في شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم.
إرثه الأدبي والفكري
ترك البوصيري إرثًا شعريًا غنيًا يتجاوز البردة، ومن أبرز أعماله:
قصيدة الهمزية في مدح الرسول.
قصيدة المحمدية.
عدد من المقطوعات الشعرية في الزهد والمواعظ.
كما ترك أثرًا كبيرًا على الأجيال التي جاءت بعده، فحذا شعراء كبار مثل ابن نباتة المصري والبرعي اليمني حذوه في نظم المدائح النبوية.
البوصيري في الوجدان المصري
في مصر لا يزال الإمام البوصيري حاضرًا بقوة:
في محافظة بني سويف يُنظر إليه كأحد أعلامها البارزين.
في الإسكندرية، حيث استقر في أواخر حياته وتوفي سنة 1296م، يوجد مسجد وضريح الإمام البوصيري قرب مسجد الإمام البوصيري الكبير في حي الأنفوشي ويُعد مزارًا روحيًا للآلاف سنويًا.
في الأزهر الشريف ما زالت البردة والهمزية تُدرسان كنماذج للشعر العربي في خدمة العقيدة والفكر الصوفي.
قيمة البوصيري في عصرنا الحديث
رغم مرور أكثر من سبعة قرون على وفاته إلا أن البوصيري ما زال حاضرًا في وجدان الشعوب الإسلامية، فقصائده تُتلى في المناسبات الدينية وتُدرّس في المناهج الأزهرية وتُغنّى في الموالد والاحتفالات.
كما ألهمت البردة موسيقيين ومطربين عربًا وأجانب، حيث لحّنها كبار المنشدين مثل الشيخ طه الفشني والشيخ النقشبندي لتظل خالدة بألحانها وأبياتها.
_2902_081145.jpg)
البوصيري والبردة في مواجهة الأزمات
ثمة بعد آخر لقيمة البوصيري يتمثل في أن قصائده شكّلت ملاذًا روحيًا للمسلمين في أوقات المحن، فكثيرًا ما كانت تُتلى البردة طلبًا للشفاء أو الفرج، وهو ما يفسر ارتباط العامة بها، واعتقادهم في بركتها.
هذا البعد الروحي جعل من البردة نصًا يتجاوز حدود الشعر إلى مساحة العقيدة والوجدان الجمعي.

الأكثر قراءة
-
كلام من القلب.. “وما توعدون”
-
تجدد خصومة ثأرية ينهي حياة شخص بقرية كوم انجاشة في أسيوط
-
باولو بينتو يحسم الجدل حول مفاوضات الأهلي (خاص)
-
خسوف القمر 2025 السعودية.. التفاصيل الكاملة
-
مستقبل سعر الذهب عيار 21.. يسجل 6500 جنيه في هذه الحالة
-
بدأ فك خيوطها من مصر.. سقوط "Streameast" أكبر موقع بث رياضي غير قانوني
-
تخفيضات على أسعار الشربات بمناسبة المولد النبوي
-
"القفة أم ودنين"

أخبار ذات صلة
بالتمويل الخفي.. كيف بدأت منصات البث غير القانوني للمباريات؟
04 سبتمبر 2025 04:16 م
ائتلاف الملاك: 50% من أزمة الإيجار القديم ستنتهي بحلول 2026
04 سبتمبر 2025 03:00 ص
احتجاجات واقتحام وطرد.. كواليس إقصاء فريق إسرائيل من سباق عالمي
03 سبتمبر 2025 11:19 م
لا أثر لـ"كيم".. تصرف غريب أثناء لقاء زعيم كوريا الشمالية وبوتين
03 سبتمبر 2025 05:11 م
أكثر الكلمات انتشاراً