تجارية وليست سياسية، لماذا وقعت مصر صفقة الغاز مع إسرائيل؟
صفقة الغاز مع إسرائيل
وقع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، اتفاقية لتصدير الغاز الطبيعي إلى مصر، في خطوة وصفها بأنها "الأكبر في تاريخ إسرائيل"، بقيمة إجمالية تبلغ 112 مليار شيكل، أي ما يعادل نحو 34.7 مليار دولار أمريكي.
الصفقة، التي تتضمن توريد كميات كبيرة من الغاز الإسرائيلي إلى مصر على مدى سنوات طويلة، تمثل تطورًا مهمًا في ملف الطاقة في المنطقة، لكنها تثير تساؤلات حول أسباب اختيار إسرائيل تحديدًا كشريك في هذه الاتفاقية.
تأتي هذه الصفقة في سياق متشابك من العلاقات الاقتصادية والاستراتيجية في الشرق الأوسط، حيث تتطلع مصر إلى تعزيز موقعها كمركز إقليمي للطاقة، وتحقيق الاستفادة القصوى من بنيتها التحتية للغاز الطبيعي، لكن السؤال الأساسي الذي يطرح نفسه: هل الصفقة اقتصادية بحتة أم تحمل أبعادًا سياسية؟
ما حجم احتياج مصر من الغاز الطبيعي؟
يعتمد الاقتصاد المصري بشكل متزايد على قطاع الطاقة، لا سيما الغاز الطبيعي، لتلبية الطلب المحلي المتنامي وتحقيق عوائد تصديرية مهمة، وتنتج مصر حاليًا نحو 4.2 مليار قدم مكعب يوميًا من الغاز الطبيعي، في حين يبلغ الطلب المحلي حوالي 6.5 مليار قدم مكعب يوميًا، ما جعلها تعيد النظر في استيراد الغاز المسال بعد خمس سنوات من تحقيق الاكتفاء الذاتي.
في هذا السياق، تكتسب الشراكات الإقليمية أهمية بالغة، خصوصًا مع دول الجوار الغنية بالموارد الغازية مثل إسرائيل وقبرص، والربط بين إنتاج الغاز في هذه الدول والبنية التحتية المصرية يعزز من قدرة مصر على لعب دور الوسيط والطرف المحوري في أسواق الطاقة بالشرق الأوسط، كما أن هذه الاتفاقيات تمكن القاهرة من الاستفادة من الأسعار التنافسية للغاز، وتخفيف الضغط على ميزانيتها من خلال تأمين مصادر طاقة مستقرة وبأسعار ثابتة نسبيًا.
موقف مصر من الصفقة
أكدت الحكومة أن هذه الصفقة هي اتفاقية تجارية بحتة، تهدف إلى تعزيز الاقتصاد الوطني واستخدام البنية التحتية للغاز بكفاءة، وليس لها أي بعد سياسي أو تأثير على المواقف المصرية التقليدية بشأن القضية الفلسطينية.
في تصريحات رسمية، شددت الحكومة على أن موقف مصر تجاه الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي واضح منذ البداية، وأن الصفقة لا تعني أي تغيير في دعم القاهرة للشعب الفلسطيني، موضحة أن الاتفاقية تأتي ضمن سلسلة من الصفقات المماثلة السابقة التي تدعم الاقتصاد الوطني وتحقق الاستفادة القصوى من شبكة الغاز والموانئ المصرية لإسالة الغاز وتصديره.
صفقة تجارية
ورفض ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، أي محاولات لإضفاء أبعاد سياسية على الصفقة، مؤكدًا أن هذه الاتفاقية ليست سوى امتداد لصفقات سابقة تخدم مصالح مصر الاقتصادية والتجارية.
وقال رشوان، خلال مداخلة هاتفية على قناة “القاهرة الإخبارية”، إن الصفقة تصب في مصلحة مصر من حيث الاستخدام الأمثل للبنية التحتية للغاز والصناعة، بالإضافة إلى تسييل الغاز، مشددًا على أن مصر تظل المركز الإقليمي الأمثل في هذا المجال.

وأضاف رشوان أن بيان الحكومة ينفي بشكل قاطع أي صلة سياسية للصفقة، وأن توقيت إعلان تفاصيلها لا يغير من طبيعتها التجارية، فهي نتاج مفاوضات أُجريت منذ فترة سابقة وتخضع تمامًا لقواعد السوق والاعتبارات الاقتصادية البحتة.
وأكد أن موقف مصر تجاه القضية الفلسطينية والصراع الإسرائيلي - الفلسطيني واضح منذ البداية، وأنها من أوائل الدول التي وقفت ضد مخططات التهجير وإخلاء غزة وتصفية القضية الفلسطينية، داعمًا للشعب الفلسطيني على مدى السنوات الماضية، رغم عدم تحرك كثير من الدول في مواجهة هذه المخططات.
وحذر رشوان من الانسياق وراء الحملات الإعلامية أو الدعاية المعادية التي تحاول إضفاء طابع سياسي على اتفاق الغاز، مؤكدًا أن الهدف الأساسي للصفقة هو تعزيز مصالح مصر الاقتصادية والاستفادة من بنيتها التحتية للغاز الطبيعي، وليس تغيير مواقفها السياسية التقليدية.
وأكد أن الاتفاقية تأتي في إطار سياسة مصرية متوازنة، تهدف إلى حماية مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية، مع الحفاظ على التزاماتها التاريخية تجاه القضية الفلسطينية، مشيرًا إلى أن الدولة تعمل دائمًا على الموازنة بين المصالح الاقتصادية والاعتبارات السياسية في إطار استراتيجيتها الوطنية.
الفوائد الاقتصادية والاستراتيجية
تتضمن الصفقة مزايا اقتصادية واستراتيجية متعددة لمصر، فعلى المستوى الاقتصادي، يتيح الاتفاق تأمين الإمدادات عبر خطوط الأنابيب إلى الشبكة القومية للغاز، ما يقلل من الاعتماد على واردات الغاز المسال المكلفة.
كما أن السعر الثابت والمميز للصفقة مقارنة بالأسعار العالمية يوفر حماية من التقلبات السوقية، ويتيح للحكومة المصرية ضبط أسعار شحنات الغاز الطبيعي المسال للعام المقبل عند مستويات تنافسية، وفقًا لسعر مؤشر "تي تي إف" الهولندي، مضافًا إليه علاوة منخفضة تتراوح بين 0.75 و1 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، وهو أقل من متوسط العلاوات الحالية البالغ 1-2 دولار.

من الناحية الاستراتيجية، تعزز الصفقة قدرة مصر على إعادة تصدير الغاز المسال، إذ يمكن استخدام محطات الإسالة الحالية في دمياط وإدكو لإسالة نحو 60% من الغاز المستورد من إسرائيل وتصديره إلى الأسواق الأوروبية، كما تفتح الاتفاقية فرص عمل جديدة للشباب المصري، خصوصًا في الشركات المصرية المتخصصة في عمليات الإسالة، مع استمرار مشاركة شركات بترول عالمية.
وأكد الخبير البترولي ونائب رئيس هيئة البترول الأسبق، مدحت يوسف، أن صفقة الغاز مع إسرائيل تحمل فوائد متعددة، أبرزها ضمان توفير مستمر للإمدادات عبر خطوط الأنابيب المتصلة بالشبكة القومية للغاز في مصر.
وأوضح يوسف لـ"تليجراف مصر" أن السعر المميز للصفقة، إلى جانب ثباته، يمنح مصر حماية من تقلبات الأسعار العالمية والذبذبات الحادة في الأسواق الدولية.
كما أشار إلى أن تحقيق هدف تحويل مصر إلى مركز إقليمي لتداول الغاز الطبيعي في شرق المتوسط يتطلب ربط إنتاج الغاز القبرصي بالتسهيلات المصرية، موضحًا أن الاعتماد على الغاز الإسرائيلي وحده لا يكفي، وأن المفاوضات مع الجانب القبرصي جارية لتفعيل هذا الربط.
أقرأ أيضا:
الأكثر قراءة
-
سبب القبض على والدة الإعلامية شيماء جمال، السر في مكالمة الأحد
-
الحصر العددي الأولي، مستقلون يتصدرون جولة إعادة المرحلة الثانية للنواب
-
"لو كنت مكانها كنت سفلت بيه الأرض".. نهاد أبو القمصان تكشف مفاجآت في واقعة مسن المترو
-
جدول مباريات بطولة الأمم الأفريقية والقنوات الناقلة
-
القبض على والدة الإعلامية شيماء جمال في الجيزة
-
الحصر العددي يكشف نتائج جولة الإعادة لانتخابات النواب بكفر الشيخ
-
بعد 36 يوما من إصابته بطلق ناري، وفاة طبيب القافلة الطبية في قنا
-
حسام حسن في امتحان التاريخ: 7 بوابات تفتح طريق المجد أو النسيان
أخبار ذات صلة
ما هو مخطط "مشمار يهودا" الإسرائيلي الذي رفضه الأزهر؟
19 ديسمبر 2025 10:57 م
وصاية الأخلاق في المترو، هل تحوّل الفضاء العام إلى محكمة شعبية؟
18 ديسمبر 2025 02:23 م
"ابني متحرش صغير"، ماذا لو اكتشف الأم أن صغيرها سلوكه منفلت بالمدرسة؟
18 ديسمبر 2025 01:21 م
ذكرى ليلة تاريخية، الأهلي يهزم الهلال ويتوج بكأس أفريقيا
18 ديسمبر 2025 10:45 ص
أكثر الكلمات انتشاراً