الأحد، 07 سبتمبر 2025

07:18 ص

شيرين وحيد
A A

الانفصال الصامت.. وجع وموت بطيء

في إحدى الجلسات البسيطة، حكت لي صديقة عن علاقتها التي لم تنتهِ بقرار واضح، ولا بمواجهة حاسمة. بل انتهت بصمت ثقيل، أشبه بموت هادئ يتسلل ليلًا  دون أن يوقظ أحدًا. لم يكن هناك خيانة تُعلن النهاية، ولا خصام يقطع الطريق، فقط انسحاب تدريجي، كلمات تقل، لقاءات تقل، مشاعر كانت تتدفق أصبحت مجرد روتين.

الموت الهادئ للعلاقات، هو الأخطر، لأنه لا يترك أثرًا واضحًا يمكن الإمساك به. الطرفان يظلان في دائرة غامضة، لا هم معًا تمامًا ولا هم منفصلان تمامًا. هو موت بطيء، يترك القلب معلّقًا، ينتظر إشارة أو كلمة أو حتى خلافًا صريحًا لينهي العذاب.

غالبًا ما يبدأ هذا الموت الصامت من فقدان الشغف، حين تتحول المحادثات من مشاركة صادقة إلى مجاملات سطحية، وحين يصبح وجود الآخر مجرد عادة أكثر منه رغبة. وهنا تتجلى الحقيقة المؤلمة: أن غياب الصراع أحيانًا لا يعني سلامًا، بل يعني أن العلاقة ماتت ولم يجرؤ أحد على إعلان الوفاة.

في علم النفس يُطلق على هذه الحالة اسم Silent breakup، وهو انفصال غير معلن. يحدث حين يتوقف الشريك عن الاستثمار العاطفي، لكنه يظل موجودًا شكليًا. وكأن العلاقة تصبح جسدًا بلا روح، يُدفن ببطء دون جنازة.

الخطورة هنا أن الطرف الذي لا يزال متمسكًا بالعلاقة يعيش حالة إنكار. يقنع نفسه أن الأمور ستعود كما كانت، يبرر برود الآخر بأنه مشغول أو مرهق، بينما الحقيقة أنه انسحب بالفعل، فقط لم يملك شجاعة الاعتراف.

الانفصال الصامت موجع أكثر من الانفصال الواضح، لأنه لا يمنح فرصة للحزن أو الوداع. يترك الإنسان معلقًا في مساحة رمادية، لا يعرف هل يتمسك أم يترك، هل ينتظر أم يبدأ من جديد.

لكن ربما تكون هذه اللحظة، لحظة الصمت، دعوة للتفكير: هل أستحق أن أعيش علاقة بلا حياة؟ أم أن الشجاعة الحقيقية هي أن أفتح النافذة لأتنفس من جديد؟

فالموت الهادئ للعلاقات لا يُنهي الحياة، بل يفتح الباب لولادة أخرى. وكل ما يتطلبه الأمر هو قرار واحد: أن نمنح أنفسنا الحق في حياة تستحق أن تُعاش.

 فهل تظن أن الصمت علامة أمل يُمكن إنقاذه، أم أنه إعلان خفي لنهاية لا يجرؤ أحد على البوح بها؟

search