الثلاثاء، 09 سبتمبر 2025

10:09 ص

د.طارق سعد
A A

ديلر الترند.. سمسرة الصحافة المشبوهة

عُرفت الصحافة منذ قديم الأزل أنها مهنة البحث عن المتاعب فمن جهة الصحفي يجتهد ويقدم موضوعات تجلب له المتاعب من رحلة البحث حتى النشر وبعده ومن جهة أخرى تصدِّر الصحافة في بعضها المتاعب والذي تم تسميته لاحقاً بـ "الصحافة الصفراء".

في "الصحافة الصفراء" كل شيء مباح من شائعات وتأليف قصص لجذب القراء وتصفية الحسابات أيضاً سلسلة حلقاتها متعددة رأسها غالباً ما تكون التنكيل أو الدفع وهي الورقة التي لعب بها الكبار على رؤوس المؤسسات لفترات طويلة في عملية الابتزاز لجلب الإعلانات من رجال الأعمال والمشاهير وهو ما جعل من "الصحافة الصفراء" حية سامة تلدغ مهنة الصحافة الحقيقية الشريفة لدغات قاتلة!

مع تطورات الأزمنة وتطورات الأدوات الصحفية وسيطرة التكنولوجيا على الإعلام والصحافة تطورت "الصحافة الصفراء" وتبلورت في شكل جديد ومستحدث باسم "تريند" والذي أصبح الموجه الرئيسي للرأي العام من خلال المواقع الصحفية التي أغرقت المجال الصحفي وصفحات الـ "سوشيال ميديا" فينطلق من خلالها وتتلقفه ستوديوهات الفضائيات ليبقى حالة عامة تسيطر على الأجواء لفترة زمنية تشحن فيها أطراف عديدة ما بين تعاطف وتأجيج مشاعر وغضب وصراعات وتناحر وفتن وكما تأسست "الصحافة الصفراء" ارتكز الـ "تريند" .. كل شيء مباح!

صناعة الـ "تريند" لم تعد أمراً صعباً في ظل تنوع مصادر الانتشار التي تؤمن له انطلاقاً سريعاً كالمخدرات ولكن في كل الأحوال يلزمه "صنايعي" ماهر قادر على صناعة "الصنف" بما يضمن انتشاره والإقبال عليه ويحتاج أيضاً لـ “ديلر”.. وسيط الترويج للصنف وهو حلقة الوصل بين التاجر و"الزبون".

“ديلر التريند”.. أصبح للأسف "شغلانة" بعض الممتهنين للصحافة ويسبق اسمهم لقب "صحفي" الذي أهين بشدة هو والمهنة على يد هؤلاء ممن قرروا الانحراف بالصحافة وتحويلها إلى "وكر" لإدارة أعمالهم المشبوهة باسم المهنة وهو ما يفتح لهم أبواباً واسعة ويسهل لهم تجارة "الصنف" ...

ولكن.. كيف يعمل "ديلر التريند"؟!

اختار هؤلاء البعض من الصحفيين طريقهم الأسهل للربح فينتظر الـ"ديلر" منهم مترقباً لظهور "صنف" جديد من الـ "تريند" ومن أول لحظة ينقض عليه سريعاً ليخطفه ويبدأ رحلة الوساطة والترويج فيتفق مع التاجر "صاحب التريند المحتمل" على جلبه له وتضخيم هذا الـ "تريند" مقابل أن لا يتعاون مع أحد غيره فهو من سيسوقه للمواقع الإخبارية وصفحات الـ "سوشيال ميديا" والقنوات الفضائية أيضًا وهنا يبقى السؤال عن المقابل الذي ينقسم إلى قسمين.

الأول مادي وهو نسبة من أجره في البرامج الذي سيظهر فيها بعد أن يشترط له الـ "ديلر" على البرامج المتهافتة عليه الحصول على رقم مناسب للظهور على الشاشة بجانب استضافة أصحاب العلامات التجارية للـ "زبون" الذي يحقق لهم دعاية واسعة ملتصقة بـ "التريند" مقابل أرباحاً يتقاسمها مع الـ "ديلر" في عمليات سمسرة مشبوهة باسم الصحافة!

أما القسم الثاني فهو الربح الافتراضي من خلال عدد المشاهدات الكبيرة التي يحققها على صفحاته الخاصة على منصات التواصل الاجتماعي والتي تبقى دائماً هي واجهة القوة له لاحقاً أمام "الزبون" الجديد وتزيد معها نسبته في الاتفاق بجانب ترجمة هذه المشاهدات إلى عائد مادي من الربح الذي يحققه من خلال حساباته على هذه المنصات التي أصبحت روحه التي يحيا بها فإن ضاعت منه .. قُبضت روحه.

للأسف الشديد هذه الفئة الضالة من الصحفيين أساءوا لأنفسهم ولمهنة الصحافة بشدة وخصمت كثيراً من أرصدتهم وأصابهم الـ "رخص" في الوقت الذي يرون أنهم يحققون أرباحاً ويمتلكون عدداً كبيراً من المتابعين ويرونها مع آخرين أنها "تقليب عيش" و"تفتيح دماغ" ولكن الحقيقة أنهم لا يمتلكون أي احترام أو تقدير من الجميع سواء زملاء المهنة أو من المتابعين التي تكتظ بهم صفحاتهم فقط لأنهم يرضون فضولهم في متابعة الفضائح وجديد الـ "تريند" من خلالهم ويضعونهم في تصنيف متدني فالمتابع لا ينخدع بل يتابع وهو يعرف حقيقة من يتابعه.

للأسف الشديد هذه الفئة الضالة من الصحفيين من نوعية "ديلر التريند" لا تقع تحت طائلة القانون ولا أية مسئولية قانونية تشوبهم لكنهم ينخرون في وعي المجتمع ويشوهونه ويشوهون مهنة الصحافة العريقة التي تتميز بأنها الوحيدة التي تمتلك سُلطة  وتلقب بـ "السُلطة الرابعة" والمفترض أن من ينتسب إليها يبقى في أرقى درجات المجتمع إلا أن هذه الفئة من "ديلر التريند" صنعت صحافة موازية تضرب الصحافة الحقيقية بشراسة وتسيء إليها بفعل الممثلين لها دون أية محاسبة.. ولا رقيب.. ولا نقيب.. وربما مستقبلًا ومع زيادة أعدادهم وتوسعهم في تجارة "الصنف" من الـ"تريد" ينشئون نقابة خاصة بهم ترعى شؤونهم وتنظم عملهم وتجارتهم.. "نقابة ديلرز التريند"!

الفوضى تتوسع وتسيطر على مناحِ كثيرة في كل مجالات الحياة وتحيطنا من كل اتجاه حتى تسللت الفوضى إلى الوعي لتعبث به وتشوهه في الوقت الذي نحارب فيه في معركة الوعي الحارس الرئيسي للهوية والوطن إلا أننا ننجرف فيها كثيراً لمعارك جانبية نحارب فيها قوى مضادة تشكل خطرًا جديدًا يجب التخلص منه من جذوره.

فهل ستكون المعركة الجديدة في مواجهة شبكة "ديلر التريند"؟! 

title

مقالات ذات صلة

search