الأربعاء، 08 أكتوبر 2025

04:40 ص

فضل شاكر .. "الإرهابي ــ اللذيذ"

ماذا فعل "فضل شاكر" بنفسه وماذا فُعل به؟ كيف وصل إلى هذا الوضع؟ كيف لموهبة نادرة أن تضيع قيمتها بهذا الشكل؟

واحد من أهم نجوم الغناء في الربع قرن الأخير بأكمله استطاع أن يصنع حالة لنفسه بعيداً عن أية منافسة موسيقية أو صوتية ولا حتى شخصية.. "فضل شكل" الذي أسر القلوب منذ ظهوره الأول وحتى هذه اللحظة استطاع أن يفعل طوال مشواره ما لم يفعله أحد قبله وصعب أن يكرره أحد بعده ..

استطاع أن يكون حالة فريدة من نوعها فهو من نجوم الغناء النادرين الذين يقدمون أعمالهم بنجاح مضمون فـ"فضل شاكر" أية جملة غنائية تخرج منه تنفذ إلى القلب مباشرة فهو صاحب أعلى وأدفأ إحساس.. وهو أيضاً "الإرهابي" الذي تورط مع مليشيات تعمل خلف ستار الدين وقاتلت الجيش اللبناني ضد الدولة!

الحقيقة أن "فضل" ومن النقطة التي يقبع فيها ظاهرة تستحق الدراسة فهو نموذج للموهبة الفذة التي تستطيع أن تصل لأبعد مدى لكنها تتلقى الإصابات الخطيرة نتيجة الجهل .. والجهل هنا ليس القراءة والكتابة أبداً.. الجهل هو عدم وجود ثقافة ولا فكر ولا "تشغيل دماغ" فيقع ملك الإحساس الأول بلا منازع في براثن خفافيش الظلام.. يسيطرون على عقله وتفكيره ويزرعون نبتاتهم الشيطانية في استغلال أمثل للحالة الجوفاء التي يعاني منها "فضل" وتتشيطن أحاسيسه فيبتعد ويترك لحيته.. ويترك معها عقله ويسلمه إلى أتباع الشيطان يسوقونه فيحمل معهم السلاح!

كيف ارتضى "فضل" لنفسه هذه الصورة المشوهة التي يدفع ثمنها غالياً وفوق طاقته واحتماله حتى الآن فأصبح متهماً بالقتل ويصفه فريق بـ"الإرهابي" الذي قاتل جيش بلاده في الوقت نفسه الذي يتمسك هو بالدفاع عن نفسه بأنه ضل الطريق ولكنه لم يصوب برصاصة واحدة باتجاه أي جندي من الجيش اللبناني ويدعمه فريق آخر لا يشعر باللذة إلا بصوته وغنائه ولا يقتنعون بأنه قاتل أو يجرؤ هذا الحالم أن يصوب بالسلاح ويريق الدماء فيوصم "فضل شاكر" بلقب "الإرهابي" لكنهم يؤمنون ببراءته ويرونه بقلوبهم أنه "اللذيذ" الذي يمنحهم من الإحساس بصوته منتهى اللذة.

"فضل شاكر" ما يزال يطلق أغانيه التي تسيطر على مشاعر جمهوره من المحيط للخليج .. يطلقها من مخبأه في مخيم "عين الحلوة" بأقل الإمكانيات مقارنة بالاستوديوهات الضخمة التي يسجل فيها زملائه من نجوم الغناء ويحقق من مخبأه بتصوير بكاميرا موبايل نجاحات ساحقة لأغنياته تنافس "كليبات" منافسيه التي ينفقون عليها مئات الآلاف من الدولارات  .. يحتل الصدارة هارباً مهدداً بتنفيذ حكم بالسجن 22 عام وهو يظل محتفظ بحب وارتباط الجمهور به حتى المنقسم ويراه "الإرهابي" ويصرح بعداوته إلا أنه من داخله مستحيل أن يلفظ صوته وإحساسه ليحقق "فضل" الصدارة بشكل آخر مختلف هذه المرة على قائمة "الإنسان العدو لنفسه".

صفقة غسيل السمعة وتبييضها التي تتم بالتعاون مع السعودية بتسليم "فضل شاكر" نفسه للسلطات مقابل التعهد بتبرئته أو قضائه حكماً مخففاً جداً على أقصى تقدير بحماية المملكة على أن ينتقل للإقامة بها هي الصفقة الأخيرة في ورطة "فضل شاكر" بعدما فشلت الصفقة السابقة فنياً وإعلامياً بإنتاج المملكة عمل وثائقي يستجدي مشاعر الجماهير ويصر طوال حلقاته أنه برئ من تهمة الإرهاب لكن للأسف وعلى غير المتوقع من الجهة المنتجة ومنصتها الأكبر في المنطقة لم يحقق العمل أي مردود يذكر وفشل فشلاً ذريعاً وفشل معه الهدف منه.

مشاعر الحسرة التي يتابع بها الجمهور الفصل الأخير من قصة "الإرهابي ــ اللذيذ" تجتمع مهما اختلفت على أمنية واحدة وهي أن يكون بريئاً فعلاً من الإرهاب حتى ولو ضل الطريق فترة وعاد منه إلا أن يكون ملك الإحساس قاتلاً فهي ندبة في قلوب محبيه لن تشفى .. ولن يسامحوه عليها.

يبقى في قصة "فضل شاكر" وأحداثها فقط سطوراً أخيرة وهي الدروس المستفادة كما في كتب التعليم وهنا درس واحد هو الأكبر والأهم..

"قد تملك من المواهب ما تصعد بك للقمة ولكن الأهم أن تملك العقل والوعي -  فبدونهما المحصلة .. صفر"    
 

search