الست.. إنما للمسخ حدود
كيف تصنع مسخاً؟
الإجابة أسهل من التخيل ..
استحضر الشخصية التي تستهدفها وابحث في قيمتها ومميزاتها وابدأ نسج الشخصية من جديد بعكس كل ما تتميز به ويجعل لها قيمة .. قم بتشويه سيرتها .. ثم شوه تصرفاتها .. ولمزيد من الإثارة والتشويق اجعل كل من يحيط بها يعاني منها ومن علاقتها به .. اضعف من شخصيتها واجعلها مشوشة .. اطفئ أنوارها واجعلها عابسة معتمة .. ابتعد عن كل انجازاتها .. ابتعد عن تفاصيل نجاحاتها .. ابدع في تزييف كل الحقائق المرتبطة بها .. زيف التاريخ الذي عاشت فيه ..
انتهيت من نسج الشخصية؟
الآن تستطيع تقديمها ولكن انتبه .. نجاح "مسخك" في اختيارك لمن يجسده والسر هنا في اختيار من هو أبعد من يكون عن الشخصية الحقيقية .. هيئة وملامح وهيبة .. وأداء .. واقنع كل من حولك أن هذا "المسخ" هو الأصل .. استخدم الـ "زن" وارهب كل من يواجهك بالحقيقة .. فأنت الصانع الماهر أما هؤلاء فهم أغبياء لا يرتقون لعقلك وإبداعك فأنت تسبقهم بمسافات بعيدة ...
الآن ... مبروك .. لقد صنعت "مسخك" بنجاح .. وليكتمل نجاح "مسخك" فأنت في حاجة إلى "رعاية" و"دعم" فرعاية "المسخ" هي الروح التي ستسري في جسده وتجعله الحقيقة الزائفة غصباً .. تعيش للمستقبل وتطعن الماضي وتشوه الحاضر ..
هنيئاً لك بـ "المحفل"!
احتفالات صاخبة من صناع فيلم "الست" يصنعون بها نجاحاً زائفاً للعمل بمنطق "الدوشة والصوت العالي" بجانب إرهاب كل من ينقد "عملتهم" ويعلن عن غضبه منها واتهامه بالجهل أو بأنه "لجنة" في أداء هزلي من مدرسة "شر البلية ما يضحك"!
دائماً ما اقترنت كلمة "الست" في آذان الأجيال المتعاقبة باسم "أم كلثوم" إلا في هذا العمل فقد قدم "مسخ أم كلثوم" بعد أن قام بمسخها بمهارة تشويه امتلكها كاتب العمل الذي ستكتشف فعلاً أنه عمل ولكن "محتاج حد يفكه" لإنقاذ واحدة من أهم الرموز لمصر والوطن العربي!
التصدي لكتابة السيرة الذاتية في العموم وبالأخص لرموز تحمل قيمة وثقل وتاريخ يجب أن يتم من أشخاص واعية تقدر هذه القيمة وتسعى لإعادة إحيائها فنياً ليتعرف عليها من الأجيال الجديدة من لم يعاصرها أو لم تلحق ثقافته بتفاصيلها ويتم تخليدها للأجيال التالية وهي المهمة الأكبر والأهم التي تقع على عاتق الكاتب الذي سيصيغ هذا التاريخ ويؤرخه للحاضر والمستقبل فهنا يلزم اختيار كاتب يحمل من الوعي والثقافة والعقل والحنكة والأدوات المهارية ما يؤهله لذلك .. أما أن يكون الكاتب نفسه مجرد "فقاعة" كاذبة فالنتيجة كارثية مؤكدة بلا أي تفكير.
كارثة فيلم "الست" لا تحتاج لأبحاث ودراسة وشرح .. كارثة "الست" الحقيقية في "الست" السينمائية .. "المسخ" الذي جاء ليطبع صورة مزيفة قاتمة لأسطورة من أساطير الموسيقى والغناء .. كارثة حقيقية تعبث بالوعي لتخليد "مسخ" يعيش فيه محتلاً مكانة "الأصل" ويسيطر بكل ما هو مشوه لتبقى هذه الصورة المزيفة هي المتصدرة والواجهة الكاذبة لـ "أم كلثوم".
لا شك أن هناك أزمة حقيقية في هذا الفشل الذريع بطعم الجريمة بعد جريمة فشل سيناريو حفل افتتاح "المتحف الكبير" بنفس الكاتب فالعقلية التي تقارن صناعة عمل فني بصناعة عمل عن "حياة الرسول" تفسر لك تلقائياً لماذا وقعت الكارثة وتضيء الضوء الأحمر للانتباه لنوعيات العقول التي تخاطب وعي الجمهور من خلال "القوة الناعمة" المتمثلة في الدراما التليفزيونية والسينمائية .. وأيضاً الثقافية من خلال القراءة ..
هذه النوعية يجب الوقوف أمامها واقصائها تماماً من التواجد في هذه المنطقة التي تمثل الخطر الأكبر على الأمن القومي فمن خلال مخاطبة الوعي بالتضليل والزيف والعبث به فأنت تسيطر على القوة الحقيقية الفعلية المؤثرة والمحركة وهو ما يجب أن يتم الانتباه إليه بجدية في ظل ما نخوضه من "معركة الوعي" إحدى الأذرع الرئيسية لحروب الأجيال المتقدمة.
أما "مروان حامد" فهو أحد أهم نجوم الإخراج الذي يتمتع بعقلية فنية مبهرة تجيد نقل هذا الإبهار على الشاشة وهو ما يراهن عليه دائماً ولكن الرهان في الأعمال المكتوبة من خيال المؤلف مختلفاً تماماً عن الرهان في أعمال تقدم تاريخ شخصيات حقيقية في مجالها فالشخصية هنا هي البطل الحقيقي .. وهي الرهان الحقيقي .. فرهان "مروان" على عضلاته الإخراجية لم يشفع له أمام فقر الكتابة ففكرة أن تصنع من "منى زكي – أم كلثوم" تماماً مثل الرهان على عمل "طاجن بامية بالكوارع مصري أصيل" من "البستاشيو"!
الحقيقة أن اختيار "منى زكي" لتجسيد "أم كلثوم" بالرغم من كامل الاختلاف في الصورة والهيئة والشخصية وطبقة الصوت وكل تفاصيل "خلقة ربنا"اعتماداً على استخدام الـ "ماكياج" وزوايا التصوير هو معاندة للطبيعة .. وقبول "منى" نفسها لهذا الهرج والمرج انتحاراً فنياً صريحاً فحتى ولو كذب الكاذبون وأقننعوها وهللوا لها "الله يا ست" كان يجب أن تقف مع نفسها أولاً أمام "مرايتها" تسأل براحتهاا بكل صراحة "يا مرايتي .. أنا أم كلثوم"؟ وبعد انفجار المرآة لقطع صغيرة لا ترى بالعين المجردة منتشرة في كل الأركان كانت ستصل الإجابة لـ "منى" ولكنها قررت أن تغمض عينيها وفي هذه الأثناء وهي حالمة كان يجب أن يهاجمها شبح "السندريلا" والفشل التاريخي الذي طبع بصمته على تاريخها وانتفضت له "السندريلا" في مرقدها فترفض وتخاف من أن تصبحا "خبطتين في الراس" فالفشل ضربها في وقت كان الجميع يرى فيها روح "السندريلا" وهي الأقرب والأحق .. فما بالك بـ "أم كلثوم" والتي خرجت من "منى" في عدة مشاهد بأداء "شربات – مسرحية كده أوكيه؟!
المسئولية لا تقع على "منى" وشطحة طموح قد تكون في نظرها والبعض مشروعة .. لكن المسئولية الحقيقية على كل المحيطين بها على رأسهم زوجها "أحمد حلمي" باعتباره نجماً وكل المحيطين بها باعتبارهم يرون ويسمعون "أم كلثوم" .. أما أن يفقد الجميع بصره وبصيرته صناع ونجوم وأصدقاء والكل كليلة فهذه مصيبة كبرى تحتاج وقفة طويلة لفهمها فكل هؤلاء تماماً وكأنهم خلف "منى" تقف على حافة سطح ناطحة سحاب تفكر في الطيران بـ "وزة شيطان" فصفقوا لها جميعاً وشجعوها مهللين "برافو .. ياللا يا منى انت بتطيري"!
التشويه في "الست" تخطى الأب وابنته وعلاقتهما وتخطى "أم كلثوم" وتاريخها وتفاصيلها وتخطى تزييف حقبة تاريخية عاشتها وارتبطت بها أحداثها وتخطى الوقائع المزيفة التي نفاها الجميع وعلى رأسهم العازف الشهير "مجدي الحسيني" الذي عمل في فرقتها وظهر في الفيلم وهي تهينه فخرج ونفى الواقعة تماماً وشهد وهو بطلها أنها "مزورة" ونحن ننتظر أن "يختشي" كاتب الفيلم الذي يبرر أنه يقدم رؤيته وليست سيرة ذاتيه إلا أنهم للأسف .. "اللي اختشوا ماتوا"!
التشويه في "الست" تخطى كل الحدود حتى وصل لتشويه الصناعة الفنية نفسها وتخريبها وإقرار الـ "أي كلام" مصنعاً جديداً لتقديم الأعمال الفنية وتخليد الرموز والحقيقة أن صناعة الفن يجب أن يكون لها "صاحب" ينقحها من الدخلاء غير الجديرين بالعمل فيها وتسكين الشخص المناسب في المكان المناسب ويحاسب ويصحح المسار .. أما وأن تترك الساحة سداحاً مداحاً فلنتأكد وبكل ثقة .. "كلها رايحة في داهية"!
الأعمال التاريخية والسير الذاتية للشخصيات المؤثرة والعامة لا تحتاج لرقابة على المصنفات الفنية يتحجج بها المفسدون في الفن بأنهم حصلوا عليها وأجازوا "عملتهم" .. ولكن هذه النوعية من الأعمال تحتاج رقابة ثقافية ومصادر موثقة تجيز وقائعها هذه الرقابة وتسمح بالتنفيذ السليم أو الرفض .. "رقابة التوثيق".
الأمور كلها متشابكة في "الست" وغيرها وتبدو بها حركة مريبة ناعمة لكنها سامة سم بعيد المدى .. لا يخفى على أحد أن هناك مؤامرة مستمرة لطمس التاريخ وهدم الرموز وتفريغك من المحتوى وزرع محتوى جديد مضلل فاسد يسوق في اتجاه منحرف .. هذه "المؤامرة" التي يسخر منها البعض ممن يعانون من "تعفن جهلي" لن تتم أبداً من الصناع بأنفسهم ولكن هناك دائماً شيطان "يوسوس" ويحرك صاحبه يميناً ويساراً وهو مغيب عن الدافع .. يقدم له الخدمات دون أن يدري ويتخيل أنه يحقق لنفسه نجاحاً لكن الحقيقة أنه يحقق للشيطان الذي يرعاه كل أهدافه بالوكالة!
عندما يكتب صاحب هذه السطور صدى مشاهدته لـ "مسخ الست" وقد قام قبله بتوثيق حياة "أم كلثوم" و"عبد الحليم" بكل تاريخهما من الحياة للممات بالتفاصيل الدقيقة وكل علاقاتهما المتشابكة بكل المحيطين والمنافسين والرؤساء والحقبة التاريخية كاملة والصراع بينهما على السيطرة على الساحة الموسيقية في عصرها الذهبي في إصدار تم تصنيفه كمرجع تاريخي بعنوان .. "أسرار الصراع على أكبر قلعة غنائية في العصر"
ورأى هذا العبث بتاريخ "الست" فالحقيقة أنها صدمة لا تحتمل!
أخيراً .. الرعاية أقوى من الصناعة .. الرعاية كلمتها الأعلى وسيفها على رقبة الجميع فلا صوت يعلو فوق صوت الدعم .. وكل راعٍ مسئول عن رعيته .. ولكل شيخ طريقة.
"الست" .. عمل ضخم يعرض "مسخ أم كلثوم" ولكن حتى في صناعة المسخ ..
إنما للمسخ حدود!
الأكثر قراءة
-
دعاء أول رجب 2026، فضل الشهر وأفضل الأدعية المستحبة
-
"مقبولة منك يا ضنايا"، رضوى الشربيني ترد على أحمد العوضي
-
وفاة الفنانة سمية الألفي، وتحديد موعد ومكان الجنازة
-
"طلعوا بالحجاب ونزلوا بالنقاب"، تفاصيل جديدة بواقعة اختفاء طفلتي بشتيل
-
هل حدث شلل عالمي؟، الأسباب الحقيقية لاضطرابات حركة الطيران
-
توقعات الأبراج اليوم السبت 20 ديسمبر 2025، امنح قلبك بلا شروط
-
مشاهدة مباراة ريال مدريد وإشبيلية في الدوري الإسباني
-
الإفتاء تعلن غدا أول أيام شهر رجب لعام 1447 هجريا
مقالات ذات صلة
عودة عمرو مصطفى لـ عمرو مصطفى
16 ديسمبر 2025 03:17 م
فؤاد ودماغه.. والدوبلير!
07 نوفمبر 2025 08:39 م
فضل شاكر .. "الإرهابي ــ اللذيذ"
06 أكتوبر 2025 07:05 م
أعضاء مروة يسري.. مدعية البنوّة
29 سبتمبر 2025 03:28 م
أكثر الكلمات انتشاراً