"شهادات مضروبة".. مافيا الأكاديميات الوهمية تسقط بمكتب "الإتش آر"

شهادات علمية وهمية
شيماء عبدالعال
داخل قاعة تدريب بإحدى المؤسسات الإعلامية، انهارت منى (اسم مستعار لشخصية حقيقية) وسقطت على الأرض باكية وهي تقبض يدها على ملفها الدراسي بحسرة شديدة.. الدهشة أصابت زملاءها الذين تحلقوا حولها في محاولة لتهدئتها وفهم ما جرى.
غرقت “منى” في دموعها المتدفقة وأخذت تردد بصوت مبحوح: “أربع سنين من عمري ضاعت.. الشهادة اللي معايا مالهاش أي قيمة.. وزارة التعليم العالي قالت لي إن الأكاديمية دي وهمية ومش معترف بها، وحتى شهادتي في الثانوية خلاص بقت قديمة ومش هتنفع أقدم بيها في أي جامعة تانية”!
ساد الصمت المكان، وزملاؤها ينظرون إليها في ذهول.. البعض حاول أن يواسيها، وآخرون تسلل إليهم الخوف كأنهم يواجهون مصيرًا مشابهًا.. في تلك اللحظة أدركت “منى” أنها لم تكن الضحية الوحيدة، بل إن هناك مئات من زملائها الذين دفعوا كل ما يملكون لأجل "شهادة الفنكوش".

حكاية منى.. أربع سنوات في قبضة "الفنكوش"
أصداء الواقعة وصلت إلى “تليجراف مصر”، فتواصلنا مع الفتاة المتضررة، حيث روت “منى” تفاصيل أربعة أعوام تبخّرت في الهواء: "قبل أربع سنوات جلست أبكي حزنًا على نتيجة الثانوية العامة، حينها حاول أبي التخفيف عني وقال لي لا تقلقي، سنبحث عن جامعة أو أكاديمية خاصة تساعدك على تحقيق حلمك".

كلمات أبيها دفعتها لتفتح جهاز "اللاب توب" وتغوص في مواقع الإنترنت وصفحات التواصل الاجتماعي، فيستوقفها بإعلان مغرٍ لأكاديمية خاصة تقدّم بكالوريوس الإعلام المعتمد - وفق ما زعم الإعلان- برسوم لا تتجاوز 60 ألف جنيه طوال أربع سنوات.
في اليوم التالي، هرولت “منى” إلى مقر الأكاديمية في مبنى مزدحم تزينه لافتات براقة وشعارات توحي بأن المكان شرعي ومعتمد.. سألت الموظف هناك عن الترخيص، فأكد لها بثقة أن الأكاديمية مرخصة من وزارة التعليم العالي، بل وأشار إلى ميزة أخرى: “نحن نؤجل التجنيد للطلاب الذكور مثل أي جامعة معتمدة”.
لم تكن “منى” وحدها في المكتب، بل عشرات الطلاب وأولياء الأمور الذين صدقوا الوعود نفسها.


حلم حبيبة بالسماء انتهى في البحر
“منى” من سكان القاهرة، لكن قصة مماثلة تقريبًا جرت تفاصيلها في محافظة سوهاج، والقصة رواها لنا مصطفى، عن شقيقته الصغرى “حبيبة”، التي ودعت الدنيا قبل عبورها سن الـ15، في حادث غرق مؤسف بشاطئ أبو تلات بجانب 6 آخرين تركوا جميعهم محل ميلادهم إلى الإسكندرية بحثًا عن الحلم "مضيفة طيران".
صوت مصطفى يختنق وهو يحكي كواليس ما قبل الرحيل: “أهلي كانوا عايزين يطلعوها حاجة كبيرة”. وتابع: "أختي كانت في الصف الثالث الإعدادي، بتلعب كاراتيه، وصاحبتها عرفتها على الأكاديمية الوهمية اللي بتدّعي أنها بتأهل مضيفات طيران.. حبيبة حلمت تكون مضيفة، وعملت إنترفيو واتقبلت فورًا.. ماحدش فينا دوّر على الأكاديمية، ولا حد اتأكد إذا كانت معتمدة ولا لأ".
الفتاة الصغيرة التحقت بالأكاديمية بجانب دراستها الإعدادية، وانتقلت لتسكن بجوار مقرها في الإسكندرية.. أقنعوها أن سنوات الكورسات القليلة ستفتح لها أبواب السفر والوظائف، لكن الحقيقة كانت أبعد ما يكون.
يضيف مصطفى: “قبل وفاتها بنصف ساعة، كلمت ماما من رحلة نظمتها الأكاديمية وقالت لها: ”سامعة صوت البحر.. سلمي لي على بابا وإخواتي. وبعدها التليفون اتقفل.. حاولنا نكلمها تاني، لحد ما وصل لنا الخبر المشؤوم: (حبيبة البقاء لله)".
صدمة العائلة لم تكن في الفقد وحده، بل في اكتشاف الحقيقة لاحقًا: “بعد وفاة أختي عرفنا إن الأكاديمية دي وهمية، وإن مفيش حاجة اسمها تعيين بعد الدراسة.. كله كان وهم كبير”.
هذه الوقائع وغيرها الكثير لطلاب وطالبات يتخرجون في أكاديميات الوهم، وحين يتقدمون للحصول على فرصة عمل في شركة أو مؤسسة تسقط أحلامهم المستقبلية في مكتب “الإتش آر”، عندما يجري اكتشاف زيف شهادة التخرج.
صفحات على فيسبوك تتحول لبوابة للنصب التعليمي
بالبحث عن الأكاديمية الدولية لتكنولوجيا المعلومات وهي من الكيانات التي تضرّر منها عدد من الضحايا، اكتشفنا أنها بلا موقع إلكتروني على "جوجل"، بينما اقتصر الأمر على صفحة على “فيسبوك” أنشئت في 19 يوليو 2021.
من واقع البيانات المنشورة على صفحة الفيسبوك، فإنها وكيل أكاديمية كامبريدج للعلوم والفنون بالمملكة المتحدة، كما تشير النبذة المختصرة إلى أن هذه الأكاديمية ليس لها علاقة بجامعة كامبريدح البريطانية أو وزارة التعليم العالي أو حتى المجلس الأعلى للجامعات المصرية.. وهكذا تهرب الأكاديمية الوهمية من المساءلة القانونية ومخالفة قانون الجامعات من خلال تلك العبارات التي تحول مسار الاتهامات في حال لجوء الطلاب المتضررين إلى القضاء.
تقع تلك الأكاديمية الوهمية في مدينة السادس من أكتوبر، وتستخدم وسائل عدة للترويج لنشاطها منها الفيديوهات وبعض اللقاءات مع مسؤولي الأكاديمية، بجانب صور تضم مجموعات من الطلاب في قاعة محاضرات.
اللافت أن صفحة الأكاديمية على “فيسبوك” تضم 9.4 ألف متابع، وكان أول منشور إعلان للأكاديمية يضم أرقام هواتف ودعوة للتسجيل، وفي فترة لاحقة استعانت بمجموعة من الإعلانات المرتبطة بدورات تدريبية زعمت أنها تحت رعاية وزارة الخارجية المصرية وتمثل منحة مخفضة بنسبة تصل إلى 80% وفق الإعلانات المنشورة على الصفحة غير الموثقة حتى تاريخ كتابة هذه السطور.
الأكاديمية الوهمية تنفض يدها من المسؤولية
في محاولة من فريق "تليجراف مصر" للتقصي حول الموضوع، تواصلنا مع مسؤولي الأكاديمية بعد أن سمعنا قصة أحد ضحاياها، غير أن أحد هؤلاء المسؤولين نفى تمامًا أن يكون قد أضر بالطلاب، وأكد أن جميع الطلاب يعلمون جيدًا بشكل مسبق أن الأكاديمية تقدّم كورسات، وفي رسالة عبر تطبيق “واتساب” أرسل لنا مجموعة من الإقرارات الممهورة بتوقيع أشخاص، يُعتقد أنهم أولياء أمور لطلاب.
يبدأ الإقرار بتمهيد يؤكد أن المركز ليس مؤسسة أكاديمية تمنح درجات علمية، ولكنه مركز يقدّم خدمات تعليمية "دراسة عن بُعد" للطلاب من خلال اتفاقيات مع مؤسسات دولية خارج مصر.
الغريب في الإقرار أنه يشير إلى أن ولي الأمر يوافق على دراسة ابنه في الأكاديمية للحصول على درجة البكالوريوس، وأن هذه الدرجة العلمية ليس لها علاقة بالمجلس الأعلى للجامعات أو وزراة التعليم العالي.
عندما بادرنا المسؤولين عن الأكاديمية بالعديد من الأسئلة، ومنها الشهادة التي يحصل عليها الطلاب التي تتضمن حصول الطالب على شهادة بكالوريوس إعلام تخصص "الإذاعة والتلفزيون"، رفض التعليق وأغلق الهاتف.
لاحقًا، واجهنا أولياء أمور من الموقعين على الإقرارات التي حصلنا عليها من مسؤولي الأكاديمية الوهمية، نفوا تمامًا توقيعهم على تلك الإقرارات، مؤكدين أن ما جرى التوقيع عليه عبارة عن إقرارات أخرى تضمنت الالتزام بسداد مبالغ نقدية قيمتها 7 آلاف جنيه يتحملها الطالب للحصول على شهادة البكالوريوس المعتمدة.
هكذا التحقت “منى” و"حبيبة" وغيرهما كثيرون بأكاديميات وهمية تعمل في مصر، وأمضوا أربع سنوات كاملة بين محاضرات ودروس عملية وأنشطة، لكن المفاجأة كانت في النهاية: شهادة غير معترف بها، ومستقبل ضائع.
ظاهرة الأكاديميات الوهمية انتشرت في مصر خلال السنوات الأخيرة، ففي عام 2020 وتحديدًا في شهر مارس أغلقت محافظة بني سويف 12 مركزًا وأكاديمية وهمية وفق بيان رسمي صادر عن المحافظة في 15 أبريل من العام ذاته، ولاحقًا تم إغلاق 20 كيانًا وهميًا آخر في 2021، وصولاً إلى 411 كيانًا في 2023 أعلنت عنها وزارة التعليم العالي في قائمة سوداء، وقبل أيام أعلنت الوزارة قائمة سوداء جديدة ضمت 470 كيانًا تعليميًا وهميًا.
ووفق بيانات حصرتها “تليجراف مصر” لتبيّن حجم انتشار الظاهرة، فإن عام 2024 شهد نجاح 590.992 ألف طالب في الثانوية العامة، لجأ 574.848 ألف طالب منهم إلى مكاتب التنسيق بمراحله الثلاث، بينما لجأ نحو 16.144 ألف طالب إلى أكاديميات أو جامعات أخرى بعيدًا عن التنسيق الكثير منهم يقع في فخ شهادة "الفنكوش" من الأكاديميات الوهمية، حسب البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة التعليم وتؤكد أن التنسيق هو البوابة الوحيدة لكافة الجامعات والأكاديميات المعتمدة في مصر.
القوائم السوداء.. هل تكفي لمواجهة الأكاديميات الوهمية؟
وتكتفي وزارة التعليم العالي والبحث العالمي بإعداد ونشر قائمة سوداء محدّدة بأسماء الكيانات الوهمية التي تدّعي كذبًا أنها معتمدة وتزعم منح شهادات معتمدة دون الحصول على التراخيص (يحدث ذلك مع بداية كل عام دراسي) محذّرة من وقوع الطلاب وأولياء الأمور فريسة لها.
يقول رئيس قطاع التعليم في الوزارة، جودة غانم، في بيان رسمي، إن لجنة الضبطية القضائية تواصل ملاحقة الكيانات الوهمية بالتعاون مع الرقابة الإدارية وأجهزة التنمية المحلية لعدم استغلال الطلاب و أولياء الأمور.
ووفق البيانات الرسمية وتصريحات رئيس قطاع التعليم، فإن تحرُّك الوزارة نحو إغلاق الكيانات الوهمية يأتي بعد تلقيها بلاغات أو من خلال المكتب الإعلامي للوزارة الذي يقوم برصد المحتوى الإعلامي والدعائي للكيانات الوهمية التي تمارس أنشطتها بشكل غير قانوني.

في رده على "تليجراف مصر"، لم يتنصل رئيس قطاع التعليم العالي من المسؤولية تجاه ملف الكيانات الوهمية، غير أنه حمّل أولياء الأمور جانبًا من المسؤولية عندما قال: “لا يزال هناك إقبال من بعض أولياء الأمور والطلاب على الأكاديميات الوهمية، في وقت نواجه صعوبة في الرقابة، خاصة أن بعض الكيانات التي يتم غلقها تفتح مرة أخرى في أماكن ومحافظات أخرى”!
ثغرات القانون.. بوابة مفتوحة أمام النصابين
انتشار الأكاديميات الوهمية في مصر ناتج عن ثغرات تشريعية، تسمح بتأسيس كيانات تعليمية تحت غطاء الشركات أو الأنشطة التدريبية وحتى قانون الجمعيات الأهلية يسمح أيضًا بإنشاء مراكز تدريب وفق مصدر حكومي طلب عدم نشر اسمه، قائلًا: “تلك الكيانات التدريبية والتعليمية لا تخضع لرقابة وزارة التعليم العالي أو الالتزام بالمعايير الأكاديمية، إلى جانب أن الانفتاح والتكنولوجيا سمحت للبعض باعتماد برامج تدريبية تحت أسماء ووفق برامج لمؤسسات أجنبية مستغلة بذلك أسماء تعليمية كبرى مثل جامعة كامبريدج البريطانية أو غيرها”.
وأكد المصدر أن القانون رقم 49 لسنة 1972 المختص بتنظيم عمل الجامعات وينظم إنشاءها لا يتطرق نهائيًا إلى مركز التدريب التعليمية أو الأكاديميات التي تنشىء تحت عباءة الشركات أو الجمعيات.
وأشار إلى أن الأزمة لا تقع فقط على عاتق أجهزة الدولة المعنية، بل إن افتقار الكثير من الأسر للوعي الكافي يجعلهم صيدًا سهلًا لمروجي الأحلام الكاذبة.

رئيس قطاع جودة التعليم بوزارة التعليم العالي، جودة غانم، طالب بضرورة الاطلاع على كافة المستندات الخاصة بالتراخيص والتأسيس قبل التقديم في أي معهد، مشددًا على عدم التقديم مباشر في أي كيان تعليمي بعيدًا عن مكاتب التنسيق أو القوائم التي تتيحها وزارة التعليم العالي.
رأي الخبراء: لماذا تفشل الرقابة؟
الخبير التربوي الدكتور مجدي حمزة، يؤكد أن هناك قصورًا في الرقابة على الأكاديميات الوهمية وكافة الكيانات التعليمية غير المرخصة، مؤكدًا عدم وجود تفتيش دوري من وزراة التعليم، وكون أن التحرك دائمًا يأتي بعد شكوى أو بلاغ رسمي يعني دائمًا الانتظار بعد وقوع ضحايا أو عمليات نصب باسم الكيانات التعليمية.
حمزة أكد أيضًا ما أكده المصدر الحكومي الذي طب عدم الإفصاح عن اسمه، فيما يتعلق بمسألة أن الكيانات الوهمية لا تخضع لقانون ولا تتبع إجراءات تأسيس الجامعات أو الأكاديميات، بالتالي لا يوجد تحرُّك إلا بعد وقوع كارثة مثل حادثة شاطىء أبو تلات في الإسكندرية، على حد وصفه.
من جانبه، يؤكد المحامي عمرو عبدالسلام، أن الكيانات الوهمية لا يوجد لها غطاء قانوني وتعتمد على السوشيال ميديا ومواقع التواصل الاجتماعي للترويج لنشاطها الوهمي ما يسهم في خداع الضحايا، وسط ضعف الرقابة على تلك الكيانات وإعلاناتها.
يتابع عبدالسلام: “هذه الكيانات يجري إنشاؤها (تحت بير السلم) مجرد شقة أو مكان بلافتة لإيهام الطلاب بتحقيق أحلامهم، خصوصًا أصحاب المجاميع الصغيرة في الثانوية العامة، ويوهمونهم بإمكانية الالتحاق بكليات مثل السياحة والفنادق أو معاهد الطيران أو الضيافة والتمريض أو الإعلام”.
يسترجع المحامي واقعة من عامين قائلاً: كيان وهمي نصب على آلاف الطلاب من حملة الثانوية العامة، بل الأكثر من ذلك أنه أوهمهم بالالتحاق بكلية العلوم من الشهادة الإعدادية، وتم القبض عليه بعد ذلك وحوكم أمام محكمة الجنائيات، مؤكدًا أن وزارة التعليم العالي تستجيب لأولياء الأمور وتضع حلولًا في حالات خاصة، على سبيل المثال في هذه الحالة سمحت الوزارة للطلاب بالالتحاق بالجامعات حسب المجموع لمنع ضياع مستقبلهم.

ويرى عبدالسلام ضرورة تعديل القوانين المرتبطة بإنشاء الكيانات التعليمة أو مركز التدريب، بحيث يخضع جميعها لقانون التعليم العالي بما يسهل عملية المراقبة الكاملة لأنظمة التدريب والتعليم والشهادات، بهدف إحكام الرقابة على الأكاديميات، مؤكدًا أن المسؤولية لا تقع على الجهات الرقابية فقط وإنما أولياء الأمور أيضًا، حيث تقع مسؤولية ولي الأمر في التحقُّق من وزارة التعليم العالي والمجلس الأعلى للجامعات من سلامة الشهادة التي سيحصل عليها أبناؤهم.
العقوبات القانونية للأكاديميات وهمية
ويشير إلى أن التهم التي توجه لأصحاب الكيانات الوهمية هي النصب والاحتيال والاستيلاء على أموال المواطنين، وتصل العقوبة فيها إلى الحبس لمدة ثلاث سنوات، لكن في حالات أخرى تشمل الجرائم التزوير، في حال تزوير شهادات رسمية منسوبة لبعض الجهات الرسمية، خلافًا لتهمة إدارة كيان وهمي دون ترخيص فعقوبة الجريمة تتراوح بين 3 و15 سنة.
ويؤكد عبدالسلام أن الأزمة الحقيقة في أن المتهمين يعودون بعد قضاء العقوبة لفتح أكاديميات تعليمية جديدة في أماكن مختلفة، ما يشير إلى قصور في الرقابة والتصدي للكيانات الوهمية.
الكيانات التعليمية الوهمية ظاهرة عالمية
وفقًا لدراسة حديثة نُشرت في مجلة كلية التربية بجامعة عين شمس تحديدًا في المجلد الـ48 الجزء الثالث (2024)، بعنوان "الكيانات التعليمية الوهمية.. دراسة تحليلية لعوامل الانتشار وسبل التصدي من منظور القيادات الجامعية"، فلا تتوافر إحصاءات دقيقة لعدد الجامعات الوهمية لكن أغلب الجهات المصدرة للشهادات المزورة يعمل بعيدًا عن القانون في مناطق الظل، بالتالي هناك صعوبة في محاربة كل هذه الجهات.
واعتبرت الدراسة أنه “من العبث أو السذاجة الاعتقاد بإمكانية وجود قائمة سوداء بجميع الكيانات الوهمية الموجودة الآن أو في الماضي”. ووفق الدراسة فإن تقريرًا دوليًا صدر في عام 2011 أعده "كوهين" و"ونش" winch and cogen، ذكر أن هناك أكثر من 1.762 درجة علمية مزيفة صادرة عن مؤسسات وهمية على مستوى العالم، خلافًا إلى 1545مؤسسة مشبوهة.
وكشفت الدراسة تصدُّر الولايات المتحدة قائمة الدول التي لديها مؤسسات وهمية للتعليم، حيث تضم 810 أكاديميات وهمية، تلتها المملكة المتحدة التي ضمت 271 مؤسسة.
وزير التربية والتعليم في ألمانيا بشهادة وهمية
فجّرت الدراسة مفاجأة أخرى، حيث كشفت أنه في عام 2013 عانى مقدمو خدمات التعليم العالي في ألمانيا من الانتحال الأكاديمي بالنسبة إلى شخصيات معروفة، ففي جامعة "دوسلدورف" تم سحب درجة الدكتوراه من وزير التربية والتعليم، أنيت شافان، بعد تحقيقات متعلقة بالسرقات الأكاديمية، لم تكن واقعة شهادة وزير التعليم في ألمانيا وحدها الملفتة، حيث سبقها وزير الدفاع الألماني كارل يتودور زوجوتنبرج الذي اضطر للاستقالة عام 2011 بسبب الأمر نفسه وهو سرقة شهادات أكاديمية!
ووفق الدراسة التي أعدتها الباحثة الدكتورة شيماء جبر الحبشي، أن الظاهرة امتدت إلى روسيا، حيث وقع العديد من المسؤولين الحكوميين ورجال الأعمال في فخ فضيحة شراء دراسات علمية، حيث أشارت دراسات وتقديرات إلى أن من 30 إلى 50% من الدرجات الأكاديمية تم شراؤها من كيانات وهمية.
الصين تتصدر دول الشهادات الوهمية
وفيما يتعلق بالدول التي تصدر الشهادات الوهمية، جاءت الصين على رأس القائمة، حيث تعد واحدة من الدول الأكثر في منح المؤهلات الزائفة ليس فقط داخل الصين بل خارجها لغير الصينيين وفي آسيا بالكامل، إلى جانب باكستان، حيث كشفت واقعة قيام شركة تكنولوجيا المعلومات الباكستانية المعروفة بـ"AXACT" ببيع شهادات عبر الإنترنت لـ200 ألف شخص من دول الخليج خلال 4 سنوات مقابل آلاف الدولارات لكل شهادة من خلال عمليات احتيال متطورة.
وفي تفاصيل الواقعة، تمكنت الشركة من إظهار موقعها الإلكتروني والبوابات الإلكترونية بشكل بارز عبر البحث على الإنترنت، ما زاد من إقبال راغبي الشهادات العلمية عليها.
على المستوى العربي، أكدت الدراسة أن الأمر منتشر في أغلب دول المنطقة، ومنها على سبيل المثال الكويت التي أعلنت في عام واحد عن 400 جامعة وهمية تمنح درجات علمية في مجال القانون، إلى جانب السعودية.
وفيما يخص مصر، ذكرت الدراسة أنه لا توجد قائمة شاملة للكيانات الوهمية وهي خارج نطاق السيطرة الحكومية، خاصة أن أعمال تلك الكيانات أغلبها يتم عبر الإنترنت بإتاحة برامج التعليم عن بُعد.
وتشير الدراسة إلى أن ظاهرة الأكاديميات الوهمية في مصر قديمة، حيث ظهرت في سبعينيات القرن الماضي من خلال جامعات تدّعي أن لها أفرعا في مصر وتمنح مؤهلات وهمية من الخارج دون السفر للدراسة في أوروبا الشرقية. وفي 2019 زاد عدد الكيانات بسبب عدة عوامل أهمها انخفاض تحصيل الطلاب لدرجات علمية مناسبة للكليات وذلك مع تطبيق نظام الثانوية العام الجديدة والرغبة في الالتحاق بالجامعات وكليات قمة.
والكيانات الوهمية في مصر موزعة على كافة المحافظات والمدن الكبرى مثل الإسكندرية والقاهرة والدقهلية وبني سويف وسوهاج وأسيوط والمنيا والشرقية والغربية وأسوان، حيث توضح الدراسة أن هذه الكيانات تفتح أكثر من فرع لها، على سبيل المثال إحدى الأكاديميات الوهمية ضمت 7 فروع في محافظات مختلفة.
وأشارت الدراسة ذاتها إلى ثغرات تستخدمها تلك الأكاديميات الوهمية، حيث تغيِّر أسماءها من وقت لآخر، وضربت مثالًا بكيان وهمي يحمل اسم "جامعة النخبة بالإسكندرية"، فقد كان له عدة مسميات أخرى قبل ذلك منها “الجامعة المصرية الفنلندية” و"جامعة تامبيرا" و"جامعة العامرية"، وكذلك “أكاديمية ومعهد أرفارد سي أس سي للعلوم والتكنولوجيا” كان مسماه في السابق “أكاديمية اليوم الخامس” وكان لها 6 مقرات في مصر. وأشارت الدراسة إلى أن الأكاديميات الوهمية تبدأ نشاطها كأنها شركة تسويق ثم تتوسع في النشاط التعليمي.
تخصصات الأكاديميات الوهيمة
وأكدت الدراسة أن الكيانات الوهمية دائمًا تقدِّم خدمات في مختلف التخصصات ما بين التمريض والضيافة والدراسات القانونية والاقتصادية والسياسية والعلوم الطبية والموارد البشرية والهندسية ونظم الحاسبات.
بين دموع منى وحسرة عائلة حبيبة، تتكشف مأساة مئات الأسر التي وقعت ضحية الأكاديميات الوهمية، في غياب وعي كاف، وثغرات قانونية ما زالت تترك الباب مفتوحًا أمام النصابين لاستغلال أحلام الشباب، ويبقى السؤال المطروح: متى تتحول القوائم السوداء والتحذيرات إلى قوانين رادعة وإجراءات استباقية تحفظ حق هؤلاء في تعليم حقيقي؟

الأكثر قراءة
-
منهج الفيزياء للصف الثاني الثانوي 2026 pdf.. رابط التحميل
-
مدير قنوات النهار: الرياضة أداة لبناء ولاء المواطنين للدول
-
بالأسماء.. تفاصيل حادث انقلاب أوتوبيس بصحراوي الأقصر
-
بالتردد.. موعد مباراة منتخب مصر وبوركينا فاسو والقناة المجانية الناقلة
-
زيادة أسعار الكهرباء 2025.. هل تطبق في سبتمبر أم يفرض التضخم كلمته؟
-
الذهب يحطم رقما قياسيا جديدا.. كم بلغ؟
-
رغم رحيله في حادث.. جامعة عين شمس تكرم "مصطفى" في حفل تخرج
-
"شهادات مضروبة".. مافيا الأكاديميات الوهمية تسقط بمكتب "الإتش آر"

أخبار ذات صلة
ترجيحات إسرائيلية: خلاف بين الحية والحداد وراء استهداف مفاوضي حماس
09 سبتمبر 2025 06:43 م
خبراء يفسرون سبب اختيار الدوحة ملاذًا لقادة "حماس"
09 سبتمبر 2025 07:17 م
عمال مسابك الإسكندرية.. رحلة القابضين على جمر النار ترفض الاندثار
09 سبتمبر 2025 06:14 م
منهم 2 عرب.. قادة 5 دول إفريقية يحضرون حفل افتتاح سد النهضة
09 سبتمبر 2025 12:40 م
أكثر الكلمات انتشاراً