السبت، 13 سبتمبر 2025

11:30 ص

مصر بين مطرقة “إسرائيل الكبرى” وسندان النزوح القسري

لم يعد رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو يخفي أطماعه. فالرجل الذي يتحدث علناً عن مشروع “إسرائيل الكبرى” لم يكتفِ بضم الضفة والقدس، بل ألمح في تصريحاته الأخيرة إلى أن الحلم الصهيوني يتجاوز حدود فلسطين، ليشمل مساحات من الأردن ولبنان وسوريا وحتى سيناء المصرية. تصريحات لم تعد مجرد أحاديث انتخابية أو شعارات، بل رسائل مباشرة تحمل في طياتها مشروعاً خطيراً يهدد الأمن القومي المصري والعربي على حد سواء.

غزة.. بوابة التهديد

في مقابلات متكررة، أشار نتنياهو إلى أن نصف سكان غزة “قد يرغبون في مغادرتها”، ملمحاً إلى إمكانية فتح معبر رفح كمنفذ لهذا النزوح، قبل أن يهاجم مصر بأنها “تمنع الفلسطينيين من الخروج”. كلام خطير يعكس نوايا مكشوفة: تحويل مأساة الحرب إلى وسيلة لتفريغ القطاع من سكانه ودفعهم قسراً نحو سيناء، لتصبح غزة أرضاً خالية جاهزة لمخطط التوسع الإسرائيلي.

لكن القاهرة أعلنت موقفها بوضوح: سيناء خط أحمر. لم ولن تكون يوماً بديلاً لوطن الشعب الفلسطيني، وأي محاولة لتغيير ديموغرافية المنطقة لن تمر. الخارجية المصرية ردت بقوة، مؤكدة أن ما يطرحه نتنياهو “نزوح قسري مقنّع”، يتعارض مع القانون الدولي والمواثيق الإنسانية. موقف لقي دعماً واسعاً من قطر وتركيا والأردن ودول عربية وإسلامية رأت في تصريحات نتنياهو تهديداً مباشراً للنظام الإقليمي بأكمله.

الاقتصاد والغاز.. الوجه الآخر للصراع

الأمر لا يقف عند حدود غزة وسيناء. إسرائيل تنظر إلى ثروات شرق المتوسط باعتبارها ورقة نفوذ إقليمي. مصر، التي أسست منتدى غاز شرق المتوسط لتأمين مكانتها كمركز إقليمي للطاقة، تجد نفسها أمام تحدٍ مزدوج: مواجهة ابتزاز سياسي إسرائيلي من جهة، وحماية مصالحها الاقتصادية من جهة أخرى. فما تسعى إليه تل أبيب ليس فقط إعادة رسم الخرائط الجغرافية، بل أيضاً إعادة توزيع القوة الاقتصادية في المنطقة.

بين واشنطن والقاهرة.. شد وجذب

لا يمكن فصل هذه التحركات عن الدعم الأمريكي شبه المطلق لإسرائيل. نتنياهو يدرك أن واشنطن تغطي سياساته، ويسعى إلى استغلال هذه المظلة لفرض وقائع جديدة. أما مصر، فتحاول أن توازن بين تحالفها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة وبين رفضها القاطع لأي مساس بأمنها القومي.

معادلة صعبة، لكنها ليست جديدة على القاهرة التي اعتادت أن تواجه ضغوطاً مشابهة في محطات تاريخية فارقة.

سيناريوهات ما هو قادم

الاحتمالات المطروحة ليست قليلة، لكن أبرزها ثلاثة:
    •    الضغط والابتزاز: استمرار الحديث عن نزوح الفلسطينيين، وتحميل مصر مسؤولية إنسانية مزعومة.
    •    التهدئة المشروطة: محاولة فرض هدنة في غزة مقابل ترتيبات أمنية تثقل كاهل مصر وتجعلها “الحارس الجديد” للقطاع.
    •    التصعيد غير المباشر: افتعال أزمات أمنية أو اقتصادية لإرباك الداخل المصري ودفعه لتقديم تنازلات.

أخيراً وليس آخراً

ما يلوح في الأفق ليس مجرد تصريحات عابرة من نتنياهو، بل أجندة واضحة تُرسم ملامحها منذ سنوات. القاهرة تجد نفسها في قلب المواجهة: بين أطماع توسعية معلنة، وضغوط اقتصادية متوقعة، ومخاطر إنسانية تهدد حدودها. لكن التاريخ القريب والبعيد يقول شيئاً واحداً: مصر لم ولن تسمح بأن تكون سيناء ورقة مساومة، ولا أن يتحول شعب غزة إلى لاجئين على أرضها.

في النهاية، يبقى السؤال: هل يستطيع نتنياهو أن يفرض مشروعه “التاريخي والروحي” كما يسميه، في مواجهة إرادة مصرية وعربية رافضة؟ المؤكد أن القادم سيحمل صراعاً أشد، وأن مصر مطالبة أكثر من أي وقت مضى بأن تجمع بين حزم السياسة وقوة الردع لحماية أرضها وهويتها ودورها الإقليمي

search