
عالم ثقيل الظل
على رأى المثل "داري على شمعتك تقيد"، فمن الواضح أن أحداً لم يدار على شمعته طيلة العقود الماضية داخل هذا الكوكب، فقبل فبراير 2022 (الحرب الروسية الأوكرانية) كان الكوكب ينعم بالرتابة، الملل، الهدوء النسبي، السكينة المزعزعة، نفس حرائق الغابات والتغيرات المناخية المتزايدة والشد والجذب السياسي المسرحي، وما تبقى من جائحة الكورونا، وبعض من أغاني المهرجانات الداعية للصراع مع الأخصام وعدم اعتماد أي أسماء.
ولم تنته عركة روسياـ أوكرانيا حتى وجدنا طوفان الأقصى 7 أكتوبر 2023 يعتم كل ملمح لشمس جديدة على سطح هذا الكوكب المنحوس، ولم يكتف الأشرار بهذا وحسب، بل تجاوز الأمر إلى لبنان، ثم ما تبقى من سوريا ثم إيران ثم اليمن ثم إيران مرة أخرى ثم لبنان مرة تانية، وهكذا وصولاً إلى محطة الدوحة.
تبعات الحرب الروسية الأوكرانية على العالم أضفت مزيداً من التدهور على الأمن الغذائي العالمي، وارتفاعًا حادًا في أسعار المنتجات الغذائية والطاقة، مما أدى إلى اضطرابات في سلاسل الإمداد وزيادة في مستويات الفقر والتضخم والهجرة غير الشرعية. كما أحدثت الحرب اضطرابًا في الأسواق المالية وزيادة تكاليف الطاقة، مما أثر على النمو الاقتصادي العالمي وتسبب في خسائر اقتصادية ضخمة، وغلاء أسعار فاحش.
بالإضافة إلى التلوث البيئي الشامل نتيجة استخدامات الأسلحة المختلفة والقنابل والصواريخ وازدياد البطالة العالمية نتيجة التأثر الاقتصادي بالطبع، وكل هذا يصبّ في التغير الجوهري في المزاج العام للشعوب.
وجاء اجتياح الشرق الأوسط بمعرفة يأجوج ومأجوج منذ 2023 إلى الآن ليكون مثل حرائق الغابات الكبيرة التي وإن انطفأت فهي تترك آثارا نفسية واقتصادية عميقة ورمادا اجتماعياً وبيئياً لا حصر له ولا مفر منه، فزاد من وطأة الضغط النفسي على الشعب العربي، وكلتا الحربين (حرب فبراير 2022 وأكتوبر 2023) أضرمتا النيران في آخر توافق أممي - وإن كان صوريا- إلى الأبد حتى أصبح الانقسام هو سيد الموقف.
أخطأنا بالظن أن العالم سينقسم إلى معسكرين بشكل هادئ وودي بعد انتهاء المشاكسات الروسية الأوكرانية وسوء الظن جاء بسبب توقعنا لانتهاء الوضع سريعاً، لكن حروب البقاء والعقيدة القومية لا كلل أو ملل يعتريها، فالبقاء لصاحب النفس الأطول، القادر على تحمل العقوبات الدولية والنبذ الأممي والمسيطر على أوضاعه الداخلية والقادر على احتواء حلفائه وضم حلفاء جدد، ولا عزاء للمتفرجين (الهم طايلنى وطايلك). فكل من ظن أنه بعيد عن غبار الحروب والصراعات تأثر اقتصادياً، مع هزات بسيطة في المزاج العام تتوقف على حجم الضرر الاقتصادي لأسرته أو شركته أو بلده.
وما أن بدأ يأجوج ومأجوج في عملية اجتياح الشرق الأوسط وأصبح الانقسام يشبه إلى حد كبير قرص البيتزا، بعد أن كان يشبه صينية المكرونة بالبشاميل، فصينية المكرونة تقطع إلى مربعات متساوية في الحدود وتوزيع النكهات الداخلية وكل مربع له خواص استقلالية عن المربع المجاور فتراه غير متمسك بالمربع المجاور فقط يتساقط أجزاء من كلا المربعين نتيجة الانفصال، وهذا منطقي للغاية.
أما قرص البيتزا فينقسم إلى مثلثات قد تكون متساوية بنسبة 7 إلى 8 وهو عدد المثلثات بالقرص، ولكن المختلف هنا هو وجود إصرار على عدم الانصياع للتقطيع، فتجد كل مثلث يرفض الاستقلالية والذهاب بعيدا فتجد مكونات القرص تميل للتماسك... فالجبن الساخن، المذاب بالبيتزا له خاصية التماسك فتجد التفرقة صعبة بين المثلثات.... ولكن حين تقطعها باردة يسهل تماماً تماماً تقطيعها بشكل متساو ودقيق بدون مقاومة، فاجتياح الشرق الأوسط بمعرفة يأجوج ومأجوج جاء بعد أن بردت وهدأت قطعة البيتزا الكبيرة، أتت بعد عقود من تفشي الفطريات المتمثلة في ميلشيات حماس وحزب الله والحرس الإيراني والحوثيين، حالة التماسك العربي كانت قبل عصر هؤلاء.
أصبحت الأسرة الواحدة تختلف بوجه حق وبدون وجه حق، من يؤيد ما حدث في 7 أكتوبر ومن يعترض على نتائجه، من يحزن على رحيل حسن نصر الله ومن يفرح لرحيله، من يشجع إيران على ضرب يأجوج ومأجوج بألعابها النارية ومن يفرح فيها، كل أسرة انقسمت لاثنين، مؤيد لما لا يعلمه أو معارض بما لا يدري به، فتجد صراعا جانبيا داخليا ينفث عن سوء مزاجه العام، وإقرار مبدأ ما باليد حيلة وأنه يعلم بواطن الأمور.
تزداد الحالة المزاجية سوءاً بعد الهجوم على سيادة دولة عربية ليس خوفاً من المجهول وليس بحثاً عن دور من القادم، ولكن إقراراً أن أمد الحروب سيطول أكثر وأكثر ولا مؤشرات عن سلام حقيقي يعم الكوكب، فبدون سلام تطمئن له القلوب وتغمض له الجفون، لن تستقر الأوضاع الاقتصادية العالمية ولا قوافل التجارة التي استبدلت بقوافل الإغاثة، لم تعد الأفلام الكوميدية تجدي مع كمية فيديوهات الدماء والانفجارات وأعداد القتلى هنا وهناك، لم تعد رحلات الصيف والشتاء في مأمن أو تقوم بدورها الترفيهي وكل منا ذهنه مشغول بالغد وبعد غد.
مع سوء الحالة المزاجية ننجرف إلى اللاإنسانية، نسقط نحو هاوية حب الدماء، نفرح إذا ما اجتاح إعصار لبلد ما ليست على هوانا وغرق الأهالي والأطفال مع أنهم ليسوا معتدين مثل يأجوج ومأجوج، لكننا نفرح لأننا نرى أنه انتقام الرب، انتقام الرب مِن مَن؟؟!!.. أصبحنا نفرح بالدماء أيا من كان من أريقت دماؤهم.
المزاج العام الهادئ النمطي المنبسط المسالم السعيد هو الغاية الآن..... لقد غاب عن العالم بأسره، طال غيابه، هناك شكوك حول عودته، لا أنباء مفرحة... لا شمس ساطعة، فقط خسوف القمر هو ما يسعدنا الآن، السماء تمطر بيانات وقليلا من الشجب والتنديد، لكنها غير قادرة على إنبات الصحاري، الحرارة عالية لكن لا تقدر على تسوية المرق.... فلا يوجد مرق الآن.

الأكثر قراءة
-
عمدة صعيدي ينقذ فتاة من التشرد في شوارع الإسكندرية.. وهذا موقف والدها
-
ملك إسبانيا يقع في حب الملوخية.. ويشيد بالضيافة في الأقصر
-
فتاة تتهم شابًا بـ"لمسة ممنوعة" في السويس.. والمفاجأة في تصرف المارة
-
"التخصصات محدودة".. أطباء "حركة مايو" يشكون تعرضهم للظلم
-
محافظ كفر الشيخ يعتمد 13 حيزًا عمرانيًا جديدًا
-
عالم ثقيل الظل
-
أكبر تراجع منذ عام 1973.. الدولار يفقد 10% من قيمته في 9 أشهر
-
نتيجة تسكين المدينة الجامعية جامعة الأزهر 2025.. رابط مباشر

مقالات ذات صلة
عيش السرايا
13 سبتمبر 2025 09:30 ص
ما قبل الميلاد
06 سبتمبر 2025 09:36 ص
زواج الإنستجرام
30 أغسطس 2025 09:00 ص
عصر البدائل
23 أغسطس 2025 01:28 م
أكثر الكلمات انتشاراً