ماذا عن مزاجنا العام؟!
المزاج العام هو أحد أنواع "العاطفة الاجتماعية"، وهو المبدأ الذي تم تطويره من قبل عالم السيكولوجي إليوت سميث، في منتصف التسعينيات، حيث التمييز بين الشعور الذي ينشأ بحكم وجود الفرد داخل جماعة، وليس في كونه عنصرًا مستقلا بذاته.
وتعرف الأدبيات هذا المزاج العام بأنه انتشار حالة مؤثرة بين قطاعات من المواطنين نتيجة الخبرات التي يتشاركها هؤلاء بحكم عضويتهم في مجتمع سياسي وطني. وبالتالي، فالمزاج العام ليس انعكاس المزاج الشخصي للمواطن أو الفرد على الشأن العام، وهو ليس بحاصل جمع أو متوسط الأمزجة الخاصة بجموع المواطنين عبر الحياة اليومية لهؤلاء، ولكنه يتشكل ويتكون بين قطاعات واسعة من الجمهور نتيجة تشارك الخبرة، وبحكم الوجود داخل مجتمع سياسي، والتعرض والتأثر المشترك بأحداث سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية.
هنا، ينبغي الإشارة إلى الاختلاف ما بين مفهومي "المزاج العام" و"الرأي العام"، فالأول معبر عن حالة عامة داخل المجتمع سلبية كانت أو إيجابية، يشوبها الرضا أو عدم الرضا العام، وإن كانت ليست موجهة تجاه قضية بعينها. أما الثاني، فهو معبّر عن فكرة أو حكم على موضوع أو قضية أو شخص بعينه من قبل أفراد هذا المجتمع.
وبرغم هذا الفارق، يظل المزاج العام عنصرًا فاعلا في تشكيل اتجاهات الرأي العام للمواطنين تجاه القضايا المختلفة، ومن ثم مواقفهم السياسية العامة.
وتقسم الأدبيات أنماط المزاج العام إلى إيجابي وسلبي، إذ أنهما نتاج لحالتين سيكولوجيتين مختلفتين، ترتبطان بنظامين Subsystems داخل العقل البشري، وتلعبان أدوارًا مختلفة في تنظيم خبرات الأفراد وانفعالاتهم إزاء الخبرات أو الأحداث المشتركة داخل المجتمعات.
فهناك الحالة الإيجابية التي قد تتمثل في الشعور بالأمل، والإثارة، والتفاؤل، والحافز، والقدرة على إنجاز المهام. وفي المقابل، هناك الحالة السلبية، حيث الشعور بالإحباط أو عدم الرضا، أو الشعور بالحزن والقلق، أو عدم الارتياح والخوف، والغضب أو الإحباط.
ولذا، فالمزاج العام داخل مجتمع ما قد يكون مزاجًا إيجابيًّا Positive Mood، أي معبرًا عن مشاعر مشتركة لأفراد المجتمع بالسعادة أو الفخر أو الأمل أو الأمان، أو الحافز في تحقيق إنجاز ما، أو قد يكون مزاجًا سلبيًّا Negative Mood معبرًا عن غضب، خوف، حزن، إحباط، أو قلق، أو عدم ارتياح.
عوامل تشكيل المزاج العام
بينما تقوم نظريات المزاج العام بالأساس على فرضية انتماء الأفراد إلى مجتمع سياسي، فإن غالبية الدارسين يتفقون على جملة من العوامل الرئيسية التي تؤثر في المزاج العام وتشكيله على النحو التالي:
أولا- عوامل سياسية واقتصادية: للأحداث السياسية والاقتصادية والثقافية التي تمر بها المجتمعات تأثير كبير ورئيسي في تشكيل المزاج العام إيجابيًّا كان أم سلبيًّا. فالأزمات السياسية والاقتصادية قد تخلّف لدى أفراد المجتمع شعورًا بالقلق أو عدم الارتياح، أو الخوف أو التشاؤم من المستقبل. كذلك فإن المخاوف الأمنية قد تؤدي إلى شعور عام لدى قطاعات واسعة من الجمهور بحالة من القلق أو عدم الارتياح.
وعلى العكس، فإن حالة الاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي قد تخلق لدى قطاعات واسعة من أبناء المجتمع حالة ارتياح، أو شعور بالأمل أو الأمان أو الحافز.
ثانيًا- وسائل الإعلام: لما كانت الأحداث السياسية والاقتصادية المختلفة يتم نقلها إلى الجمهور بشكل مباشر أو غير مباشر بعد معالجتها عبر وسائل الإعلام، فإن بعض الدراسات تشير إلى دور كبير لوسائط الإعلام التقليدي منها أو الحديث في تشكيل المزاج العام، حيث التعرض لنوعيات معينة من المعالجات والمضامين التي تقدمها وسائل الإعلام تؤدي إلى بناء وتشكيل تقييمات أو اتجاهات إما إيجابية أو سلبية لدى أفراد المجتمع، وتؤثر بدرجة رئيسية على المزاج العام السائد فيما بينهم في النهاية.
وقد يلجأ الجمهور إلى وسائل إعلام بعينها لتغيير حالة مزاجية لديهم، أو للتوافق مع المزاج المجتمعي السائد، أو لتدعيم مواقفهم وتصوراتهم الشخصية، وتشكيل اتجاهاتهم نحو القضايا والمضامين المقدمة.
ثالثًا- منظومة القيم لدى أفراد المجتمع: غير أن بعدًا آخر ينبغي الالتفات إليه، وهو القيم السائدة داخل المجتمع، وهو بعد ذو تأثير هام على تشكيل المزاج العام. فمن ناحية، فإن القيم السائدة داخل المجتمع تؤثر على شكل استجابة أفراده للأحداث السياسية والاقتصادية، ومن ناحية أخرى تؤثر القيم تلك على تكوين الجمهور لانطباعاته، وإصداره الأحكام وتقييمه لما يتلقاه من معلومات عبر وسائل الإعلام، ومن ثم تبنيه مواقف بعينها إزاء ما يتلقاه، وهو ما يعزز بالفعل مزاجًا عامًّا قائمًا أو يغير هذا المزاج، وينعكس على مواقف سياسية تجاه السياسات العامة أو المسئولين أو النظام القائم المحلي أو الدولي أو قضايا بعينها.
قياس تغير المزاج العام
ويمكن رصد التغير في المزاج العام عبر آليتين للقياس والتحليل:
أولا- قياس ورصد ذات طبيعة أكاديمية: حيث إعداد نماذج علمية مختلفة للقياس والتحليل تقوم بالأساس على منهج كمي، حيث جمع المعلومات عن المزاج العام للجمهور بسؤاله مباشرة عبر استبيانات تحمل أسئلة لعينات من الجمهور حول ما يشعر به في إطار زمني معين، بالتوازي مع أو عقب تغييرات أو أحداث سياسية واقتصادية مؤثرة، أو عبر محاولة التعرف على مزاج الجمهور بتحليل مضامين تعبيره، مثل تحليل مشاركة قطاعات مثلا عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وفي كل نموذج، تختلف عملية القياس باختلاف طبيعة ومعادلة النموذج العلمي المتبع والمتغيرات والعناصر الواردة في تكوينها، وعينات الجمهور المستهدفة، وطبيعتها وأماكن توزيعها، ومعاملات التغير، ونسبة الخطأ.
ثانيًا- قياس ورصد ذات طبيعة سياسية: هناك آليات أخرى أقل تعقيدًا تستخدمها مراكز أبحاث واستطلاع للرأي يمكن وصفها بأنها ذات طبيعة سياسية أكثر من كونها ذات طبيعة أكاديمية، تنطلق من فرضية تأثير التغير في المزاج العام على المواقف السياسية للجمهور تجاه مجموعة من القضايا التي قد تكون كاشفة في فترات زمنية بعينها.
وهكذا فإن اللجوء إلى استطلاع رأي المواطنين تجاه قضايا بعينها محل اهتمام مشترك لدى الجمهور قد تعطي مؤشرات حول حالة المزاج العام. أو قد يتم دراسة التغير في المزاج العام عبر تحليل التغير في السياسات العامة والخطاب السياسي للأحزاب والحكومات في حالة النظم الديمقراطية استنادًا إلى فرضية أن التغير في المزاج العام يتبعه بالضرورة تغيير في شكل السياسات أو نمط الحكم أو أفراده.
وبالمثل، قد يتم رصد هذا التغير عبر رصد الشعبية التي تحظى بها الأحزاب والتيارات السياسية المختلفة، سواء تلك المعبرة عن المزاج العام القديم أو الجديد، أو عبر رصد شيوع أو تنامي سلوكيات اجتماعية ذات بعد سياسي داخل المجتمع. فحالة الإحباط مثلا قد تسبب حالة عدوان تجاه المجتمع، أو حالة عزوف أو لا مبالاة، أو قد تمثل نواة أو بيئة حاضنة لاحتجاجات.
وأنت يا عزيزي ماذا عن مزاجك العام؟!
الأكثر قراءة
-
إغلاق طريق "الإسكندرية – القاهرة" الصحراوي بسبب الشبورة الكثيفة
-
"إخواته شاهدين"، التحقيقات تكشف تفاصيل جديدة في جريمة "طفل الإسماعيلية"
-
داخل كيس بلاستيك، سيدة تعثر على صغيرة متوفاة أمام باب شقتها ببولاق
-
"كان عايز يفضحني"، ننشر اعترافات المتهم بجريمة طفل الإسماعيلية (خاص)
-
اعرف لجنتك، رابط الاستعلام عن لجنة انتخابات مجلس النواب 2025
-
رابط الاستعلام عن نتيجة قرعة حج الجمعيات 2026، وأسعار البرامج والخدمات
-
سعر صرف الدولار اليوم السبت 22 نوفمبر 2025
-
طوابير حاشدة وسط الدمار، أيفون 17 يثير الخوف والتساؤلات في قطاع غزة
مقالات ذات صلة
جلابية بارتي
15 نوفمبر 2025 08:30 ص
الفطرة والقانون
07 نوفمبر 2025 09:38 م
المتحف المصري الكبير
01 نوفمبر 2025 09:25 ص
"أنـا مـن يـُحــيي ويـميـت"
25 أكتوبر 2025 08:00 ص
أكثر الكلمات انتشاراً