الإثنين، 29 سبتمبر 2025

02:06 م

جامعو الكرات.. مهام تكتيكية تقلب سير المباريات خلف الـ3 خشبات

جوزيه مورينيو

جوزيه مورينيو

مع تزايد أهمية التكتيك في كرة القدم الحديثة، يسعى المدربون واللاعبون في أعلى المستويات إلى استغلال كل وسيلة ممكنة لكسب أفضلية، ولو كانت بسيطة.

ولهذا، لم يعد غريبًا أن نرى المدربين يركزون على كل جانب، مهما بدا ثانويًا، لتحقيق أفضلية تكتيكية على المنافسين.

من بين هذه الجوانب التي قد يغفلها البعض، يأتي دور فتيان وفتيات جمع الكرات، ورغم أن وجودهم يبدو هامشيًا من الخارج، فإنه يمكن أن يؤثروا بشكل مباشر في وتيرة اللعب وسرعة استئنافه، وهي عناصر قد ترجح كفة فريق على حساب آخر في لحظة حاسمة أو حتى إضاعة الوقت.

Ball boy girl

وأعرب قائد ريال مدريد، داني كارفاخال، عن استيائه، مطالبًا باعتماد النظام المتبع في الدوري الإنجليزي الممتاز، حيث قال لإذاعة "كادينا سير": "لنُطبّق النموذج الإنجليزي، فالأمور ستكون أكثر وضوحًا وسلاسة".

اليوم، يعتمد الدوري الإنجليزي، بروتوكول "النظام متعدد الكرات"، حيث تُوضع كرات احتياطية على أقماع موزعة حول الملعب. وعند خروج الكرة، يُفترض باللاعب أن يستلم واحدة من أقرب "مخروط"، أو يعيد الكرة الأصلية بنفسه.

أما "حاملو الكرات"، فلا يتدخلون بشكل مباشر، بل تقتصر مهمتهم على إعادة وضع الكرات في أماكنها المخصصة لضمان انسيابية اللعب دون تفضيل أو تأخير.

تاريخ حاملي الكرات

اختُرع فتيان الكرات في أوائل القرن العشرين في إنجلترا، إذ تعاقد تشيلسي مع ويليام "فاتي" فولك، حارس مرمى ضخم كان يبدو ضخمًا جدًا مقارنةً بجميع اللاعبين الآخرين في الملعب، إذ كان يتجاوز المترين ووزنه 146 كجم، وبسبب بنيته الجسدية الضخمة، كان فولك يُحضر طفلين إلى الملعب للوقوف خلف عارضتي المرمى. 

كلما أخطأت الكرة، كان الطفلان يُعيدانها إليه بسبب حجمه الضخم وضعف لياقته البدنية.

هذه الرواية وجدت طريقها إلى العديد من كتابات كرة القدم، وتكررت بتفاصيل متقاربة في مصادر مختلفة، حتى أصبحت مع مرور الوقت أساسًا لنظام منظَّم يشمل تدريبًا واشتراطات في كبرى البطولات.

أما في عالم التنس، فقد ظهرت أولى محاولات تنظيم دور "أولاد وفتيات الكرة" في بطولة ويمبلدون خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، بالتعاون مع مؤسسات خيرية ومدارس محلية، قبل أن تتطور لاحقًا إلى برامج تدريب احترافية دقيقة.

كيف تصبح جامع كرات في كرة القدم؟

ويتم اختيار غالبية جامعي الكرات من أكاديميات الأندية المشاركة في أي مباراة، ويُعد متوسط ​​أعمار من يشغلون هذه الأدوار هو 15 عامًا.

ولا يوجد حد أقصى لعمر جامع الكرات، حيث تُترك القرارات للفرق حول العالم فيما يتعلق باختيار من يستخدمونه ومتى.

وكان دور جامعو الكرات سابقًا، يقتصر على منع اللاعبين من الاضطرار إلى استعادة الكرة بأنفسهم عند خروجها من الملعب، أصبح لهم الآن دورٌ مهمٌّ، وأدرك المدربون، أهمية العمل مع من يتم اختيارهم لحراسة خطوط التماس.

وبحسب التقارير، بذل بيب جوارديولا، مدرب مانشستر سيتي، جهدًا كبيرًا للحديث عن دور جامعو الكرات في مباراة ربع نهائي دوري أبطال أوروبا ضد أتلتيكو مدريد على ملعب الاتحاد في 5 أبريل 2022.

وسجّل جوارديولا، رسالةً فيديو للشباب الذين تم اختيارهم من صفوف أكاديمية البلوز، مع نداء تحفيزي قبل المباراة ليُدركوا أنهم "جزءٌ لا يتجزأ من خطة مباراة كبيرة".

وأراد جوارديولا، ضمان عدم السماح لـ أتليتيكو بالانخراط في أي تصرفاتٍ مُضيعةٍ للوقت، وطلب إعادة الكرات إلى لاعبي الفريقين في أسرع وقتٍ ممكن.

وفاز مانشستر سيتي، بالمباراة بنتيجة 1-0، وتأهل في النهاية إلى نصف النهائي، لذا، نظريًا، نجحت هذه الفكرة إلى حد ما.

وفي عام 2017، انتقد بيب جوارديولا، الذي كان جامع كرات سابقًا، في تصريحات إعلامية، حاملي الكرات، قائلا: “كان جامعو الكرات بطيئين، والجميع بطيئين، وعلينا أن نبدع في المباراة”.

هدف بسبب حامل الكرات

في ديسمبر 2019، تصدّر جوزيه مورينيو، مدرب توتنهام هوتسبير السابق، عناوين الصحف عندما دعا جامع كرات إلى غرفة الملابس بعد مباراة دوري أبطال أوروبا ضد أولمبياكوس. 

كان توتنهام متأخرًا بنتيجة 2-0 في الشوط الأول عندما لفت مورينيو إلى جامع الكرات للإسراع في إعادة الكرة لرمية تماس، ساعد رد الفعل السريع لجامع الكرات توتنهام على عودته للمباراة بعد رمية تماس سريعة، مما أدى إلى هدف سجله لوكاس مورا. 

وأُعجب مورينيو، بيقظة جامع الكرات ومساهمته في سرعة لعب الفريق، مشيدا به خلال المقابلة التي أُجريت بعد المباراة، ثم دعاه لاحقًا إلى غرفة الملابس للقاء اللاعبين.

ريمونتادا

في واحدة من أشهر لحظات دوري أبطال أوروبا، أظهر أحد جامعي الكرات، سرعة بديهة كبيرة خلال مباراة ليفربول وبرشلونة في مايو 2019، ليسهم في انتفاضة تاريخية للفريق الإنجليزي.

كان ليفربول بحاجة إلى تسجيل أهداف كثيرة لتعويض خسارته ذهابًا بثلاثية نظيفة. وبالفعل، نجح في تعديل النتيجة الإجمالية خلال أول 56 دقيقة من اللقاء على ملعب أنفيلد.

وفي الدقيقة 79، جاءت اللحظة الحاسمة. أثناء تحضير برشلونة للدفاع، أعاد جامع الكرات، الكرة بسرعة إلى ترينت ألكسندر-أرنولد، الذي نفذ ركلة ركنية بسرعة وبذكاء، فمرر كرة منخفضة إلى داخل منطقة الجزاء بينما كان الدفاع الكتالوني غافلًا.

واستغل ديفوك أوريجي، الفرصة وسجل هدف الفوز، ليكمل ريمونتادا تاريخية أهلت ليفربول إلى النهائي، حيث تُوّج لاحقًا بلقب البطولة.

فودكا وإضاعة الوقت

في مباراة نصف نهائي كأس الدوري بين سوانزي سيتي وتشيلسي عام 2013، حظيت حادثة جامع كرات باهتمام واسع. حاول إيدن هازارد، لاعب تشيلسي، استعادة الكرة من جامع كرات بدا وكأنه يُضيّع الوقت بالتمسك بها.

 في خضمّ اللحظة، بدا أن هازارد، ركل الكرة من تحت جامع الكرات، ليطرد من المباراة، وأثارت الحادثة جدلاً حول سلوك اللاعبين، ودور جامع الكرات، وسلوكهم خلال المباريات.

وبعد مباراة نصف نهائي الدوري الأوروبي ضد آينتراخت فرانكفورت عام 2022، اعتذر ديفيد مويس، مدرب وست هام، لجامع كرات بعد ركله الكرة في اتجاهه في لحظة غضب.

وأوضح مويس: "رمى الكرة بشكل سيئ عندما كان بإمكانه رميها لي بشكل صحيح، لكنه اختار تركها قصيرة، ولكن كما قلت، أعتذر عن ذلك".

ورغم أن تشجيع جامعي الكرات على تسريع وتيرة اللعب، يمكن أن يمنح الفريق أفضلية تكتيكية، فإن الواقع يُظهر أنه في كثير من الأحيان يتم توجيههم، بشكل غير مباشر، لإبطاء اللعب بحسب مجريات المباراة ومصلحة الفريق المضيف.

وإضاعة الوقت تُعتبر مخالفة سواء داخل الملعب أو خارجه، حيث قد يُعاقب اللاعبون أو المدربون بالبطاقات، إذا تعمّدوا تعطيل اللعب. ومع ذلك، يبقى من الصعب القضاء على هذه الممارسة كليًا، فهي تظل جزءًا من التكتيكات غير المعلنة التي تلجأ إليها بعض الفرق عندما تكون النتيجة في صالحها.

اليوم، يعتمد الدوري الإنجليزي، بروتوكول "النظام متعدد الكرات" في محاولة للقضاء على إضاعة الوقت وتسريع وتيرة اللعب، حيث تُوضع كرات احتياطية على أقماع موزعة حول الملعب، وعند خروج الكرة، يُفترض باللاعب أن يستلم واحدة من أقرب "مخروط"، أو يعيد الكرة الأصلية بنفسه.

مستقبل جامع الكرات

ويواجه مستقبل جامع الكرات، تهديدات محتملة من التطورات في الذكاء الاصطناعي، يمكن أن تحل الآليات التي يتحكم فيها الذكاء الاصطناعي محل الدور التقليدي لجامعي الكرات، مما يوفر كفاءة ودقة أكبر في تسليم الكرة.

ومع ذلك، ورغم هذه التطورات التكنولوجية، ينبغي أن يبقى دور جامع الكرات قائمًا نظرًا لتقاليده الراسخة وعنصره الإنساني في اللعبة. 

فوجود جامع الكرات يضفي على المباريات طابعًا من الأصالة والعفوية لا يمكن للآلات تقليدها، إن ارتباطهم باللعبة، وفهمهم لتفاصيلها الدقيقة، وقدرتهم على التكيف مع تقلبات المباراة، كلها عناصر أساسية في ثقافة كرة القدم.

search