الإثنين، 06 أكتوبر 2025

02:10 ص

من صفقة القرن إلى غزة الجديدة.. هل يعيد ترامب تدوير الوهم؟

منذ الإعلان عن تفاصيل مقترح الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بشأن غزة، تباينت المواقف بين من رأى فيه مخرجًا محتملًا من الحرب المدمرة، وبين من اعتبره محاولة جديدة لإعادة إنتاج “صفقة القرن” في ثوب جديد، لكن بعيدًا عن العناوين البراقة، فإن قراءة متأنية لبنود المقترح تكشف عن أبعاد سياسية أعمق، وسلبيات قد تجعل الخطة أقرب إلى تكريس واقع الاحتلال بدلاً من إنهائه.

أولاً: مغزى المقترح

- إقصاء حماس من المشهد السياسي

المقترح يصرّ على نزع سلاح حماس وتجريدها من أي دور سياسي في المستقبل، في محاولة واضحة لإخراجها من المعادلة الفلسطينية، هذا ليس فقط إضعافًا لفصيل فلسطيني مسلح، بل هو إعادة هندسة كاملة للحياة السياسية في غزة بما يتوافق مع الرؤية الإسرائيلية – الأميركية.

- شرعنة الوجود الأمني الإسرائيلي

رغم الحديث عن انسحاب تدريجي، إلا أن الخطة تمنح إسرائيل حق إبقاء قواتها في “المناطق المحيطة” بحجة الأمن. هذا يعني عمليًا استمرار السيطرة العسكرية بشكل غير مباشر، مما يُبقي غزة تحت طوق أمني خانق.

- تدويل القطاع تحت وصاية أميركية

بإنشاء قوة دولية ومجلس سلام برئاسة ترامب نفسه، يتحول القطاع إلى ساحة وصاية دولية. هذا يفرغ فكرة السيادة الفلسطينية من مضمونها، ويجعل مصير الغزيين مرهونًا بقرارات عواصم بعيدة، لا بأيديهم.

- إعادة إنتاج دور السلطة الفلسطينية بشروط مجحفة

عودة السلطة إلى غزة مرتبطة بإصلاحات قاسية، تشمل تغيير المناهج التعليمية ومحاربة “ثقافة المقاومة”. 

وكأن المطلوب ليس مصالحة فلسطينية حقيقية، بل سلطة مُعدلة لتكون أكثر قبولًا لدى إسرائيل والغرب.

- اقتصاد مقابل سياسة

التركيز على “إعمار غزة الجديدة” ومنطقة اقتصادية خاصة يوحي بمحاولة استبدال الحقوق الوطنية الفلسطينية بوعود استثمار وتنمية. أي تحويل القضية من صراع على الأرض والهوية والسيادة، إلى مجرد ملف إنساني – اقتصادي.

ثانياً: السلبيات الجوهرية في سياق القضية الفلسطينية

- تغييب حق تقرير المصير

لا يتضمن المقترح أي التزام بدولة فلسطينية مستقلة أو جدول زمني لتحقيقها، بل يضعها في خانة “الطموحات المستقبلية”. هذا يعيد عقارب الساعة إلى الوراء ويُحوّل القضية إلى إدارة أزمة لا حل جذري.

- تجزئة القضية الفلسطينية

تركيز الخطة على غزة بمعزل عن الضفة والقدس يساهم في تكريس الانقسام الجغرافي والسياسي. وهو ما يخدم إسرائيل، التي لطالما سعت إلى التعامل مع كل جزء من فلسطين على حدة لإضعاف الموقف الوطني الشامل.

- فرض واقع المنتصر على المهزوم

شروط الخطة – من نزع السلاح إلى إعادة تشكيل السلطة – تعكس منطق “الإملاء” لا “التفاوض”. أي أن الفلسطينيين يطالبون بتنازلات استراتيجية ضخمة مقابل فتات إنساني ومعيشي.

- غياب الضمانات الحقيقية

حتى في القضايا الإنسانية مثل إعادة الإعمار، لم تُحدد الخطة آليات واضحة تضمن وصول المساعدات بعيدًا عن البيروقراطية الإسرائيلية أو تدخلات سياسية. ما يجعلها وعودًا فضفاضة أكثر من كونها التزامات قابلة للتنفيذ.

- تهديد الهوية الوطنية الفلسطينية

التركيز على محاربة “ثقافة المقاومة” قد يُترجم عمليًا إلى محاولات لطمس الوعي الوطني الفلسطيني، وإعادة صياغة المناهج والأفكار بما يتماشى مع الرؤية الأميركية – الإسرائيلية للمنطقة.

ثالثاً: أخيرا

في جوهرها، خطة ترامب ليست مبادرة لإنهاء الاحتلال أو تحقيق العدالة للفلسطينيين، بل مشروع لإعادة تشكيل غزة وفق مقاسات الأمن الإسرائيلي والطموح الأميركي. هي محاولة لنقل القضية من مربع “التحرر الوطني” إلى مربع “الإدارة الإنسانية” تحت وصاية دولية.

قد تُوقف الخطة الحرب مؤقتًا وتفتح الباب لإعمارٍ مشروط، لكنها تُبقي جذر الأزمة – الاحتلال والحرمان من تقرير المصير – بلا حل، ولذا فإن أي تعاطٍ فلسطيني أو عربي معها يجب أن ينطلق من الوعي بأنها ليست نهاية الطريق، بل مجرد محاولة جديدة لإدارة الصراع لا لإنهائه

search