
من قتـل الطبقة المتوسطة في مصر؟
لم يكن اختفاء الطبقة المتوسطة حدثاً عابراً، ولا قدراً مكتوباً، بل جريمة مكتملة الأركان اشترك فيها الجميع… دولةً، وسوقاً، وصمتاً شعبياً مريباً.
الطبقة التي كانت تُمسك بتوازن المجتمع، تربي الأجيال، وتبني الوطن بصبرها وكفاحها، تم تهميشها حتى لفظت أنفاسها الأخيرة في زحمة الغلاء والضرائب و”الإصلاح الاقتصادي” الذي لم يُصلح إلا جيوب القلة.
الجريمة الأولى: السياسات التي أفقرت من كانوا أغنياء بالكرامة
منذ عقود، تتوالى القرارات الاقتصادية كالموج، تُغرق كل من حاول أن ينجو براتبه، أو يحلم بمستقبل مستقر.
تعويم الجنيه، رفع الدعم، والضرائب غير العادلة… كلها قرارات ترفع شعار “التنمية”، بينما تنزع اللقمة من فم الموظف، والمعلم، والطبيب، والمهندس، الذين أصبحوا اليوم غرباء في وطنهم.
إنها تنمية على الورق، لكنها خراب في الجيوب والضمائر.
الجريمة الثانية: تحالف السلطة ورجال الأعمال
بعد أن كان الاقتصاد يقوم على عرق الناس وكدهم، أصبح رهينة لكارتلات احتكارية تتحكم في الأسعار، وفي فرص العمل، وفي السوق كله.
الطبقة الغنية تضاعف ثرواتها في شهور، بينما موظف الطبقة المتوسطة يعيش على القروض والديون، ويحسب أنفاسه قبل أن يصرف جنيهًا.
العدالة الاجتماعية أصبحت نكتة باهتة تثير السخرية أكثر مما تُضحك.
الجريمة الثالثة: موت التعليم وانتحار الأمل
كانت المدرسة والجامعة هما سلم الصعود الاجتماعي، الطريق الذي يفتح الأبواب أمام أبناء الطبقة المتوسطة.
لكن عندما تحول التعليم إلى تجارة، والدروس الخصوصية إلى إدمان قهري، انهار الحلم.
تخرج الأجيال اليوم لتجد نفسها مؤهلة للبطالة، لا للعمل، لأن النظام التعليمي فقد روحه ورسالة العدالة التي كانت تمنح الفرص بالتساوي.
الجريمة الرابعة: الفقر المقنّع
من يراهم الناس يعيشون حياة “طبيعية” من أبناء هذه الطبقة لا يعلم كم الديون التي تخنقهم، ولا كم التنازلات التي يقدمونها يوميًا ليحافظوا على مظهر الكرامة.
الأسرة التي كانت تذهب في الصيف للمصيف الشعبي أصبحت تحلم بفاتورة الكهرباء، والأب الذي كان يدخر لتعليم أبنائه أصبح يبحث عن العيش اليومي فقط.
الطبقة المتوسطة لم تختفِ فجأة، بل ذابت ببطء تحت حرارة الأسعار حتى تبخرت.
الحقيقة العارية:
من قتل الطبقة المتوسطة في مصر ليس شخصًا واحدًا، بل نظام كامل من السياسات والرؤى المنحازة للأقوى.
لقد خُذلت هذه الطبقة لأنها لم تكن تملك الصوت العالي ولا النفوذ، فتم سحقها بين مطرقة الفقر وسندان الوعود الكاذبة.
وحين تختفي الطبقة التي تحفظ توازن المجتمع، لا يبقى سوى أغنياء يزدادون غنى وفقـراء يزدادون ذلاً.
وهنا تكمن الكارثة الحقيقية… لأن لا وطن يستقر دون وسطٍ عادلٍ يحمل الجميع.

الأكثر قراءة
-
بعد شهرين من زواجها.. عروس تنهي حياتها غرقًا بالفيوم وتترك رسالة وداع
-
بالأسماء.. مصرع وإصابة 14 شخصًا في انقلاب ميكروباص بسوهاج
-
بعد خفض الفائدة.. الدولار يسجل أدنى مستوى له منذ أكثر من عام
-
خلاف عائلي ينتهي برحيل شقيقين في الغربية
-
من قتـل الطبقة المتوسطة في مصر؟
-
“المحلة منين يا سمنودي".. مكايدات كروية من قالب الغناء التراثي
-
"حرمته من الحمام".. شكوى ضد مٌعلمة تسببت في تبول طفل على نفسه بالسويس
-
لحظة غضب تحولت لجريمة.. عاطل ينهي حياة سائق داخل سيارته بأسيوط الجديدة

مقالات ذات صلة
من صفقة القرن إلى غزة الجديدة.. هل يعيد ترامب تدوير الوهم؟
04 أكتوبر 2025 12:00 ص
ذكرى رحيل الزعيم جمال عبد الناصر: بين الحلم والواقع
29 سبتمبر 2025 09:21 ص
سر نجمة داوود.. من رمز مسروق إلى أداة للهيمنة
25 سبتمبر 2025 11:10 ص
أوروبا تكسر الصمت.. صفعة الاعتراف بفلسطين
24 سبتمبر 2025 11:39 ص
أكثر الكلمات انتشاراً