"يا طبول دقي للنصر".. السمسمية تتحرّر من الهزيمة

فرقة أبناء الإسماعيلية
بعد هزيمة يونيو 1967، وبين أصوات القصف والدمار في مدن القناة، لم يكن السلاح وحده هو من يواجه العدو، بل هناك من اختار أن يقاتل بالكلمة واللحن، رافضًا أن تستسلم الروح رغم قسوة الحرب.
من بين الدخان وأصوات المدافع، ارتفعت أصوات السمسمية لتعلن أن المقاومة ليست فقط على الجبهة، بل أيضًا بالكلمة. هكذا وُلدت فرقة "الصامدين" التي جعلت من الغناء وسيلة للصمود.
وشهدت مصر تجددًا في الروح الوطنية والنضالية مع انطلاق حرب الاستنزاف عقب نكسة 1967، واستعادت القوات المسلحة بعض قوتها القتالية، رغم استمرار الهجمات الإسرائيلية على المدن المطلة على قناة السويس، بما في ذلك بورسعيد والسويس والإسماعيلية.
وحملت المدن الثلاث عبء الحرب مع إسرائيل، قبل أن يتحقق النصر في حرب أكتوبر المجيدة، في مفاجأة أربكت العدو الإسرائيلي.
وجسدت السويس وبورسعيد والإسماعيلية معنى البطولة، وكانت الأخيرة إحدى القصص الجميلة في حرب العاشر من رمضان.
"يا دنيا سامعاني"
وفي خضم الحرب الضارية مع العدو الإسرائيلي، وُلدت فرقة أبناء الإسماعيلية أو "الصامدين"، وبدأت الفرقة بقيادة الفنان فوزي الجمل، الذي كان لاعبًا في نادي السكة الحديد بالإسماعيلية كحارس مرمى، قبل أن ينتقل إلى مجال الغناء مع فرقة "الصامدين" منذ عام 1967.
وقدمت الفرقة على يديه وأعضاءها مجموعة من الأغاني الوطنية البارزة التي ارتبطت بذاكرة النضال في مدن القناة، مثلما فعلت فرقة "أولاد الأرض" في السويس و"شباب النصر" في بورسعيد.
وسرعان ما أصبحت فرقة "الصامدين" صوتًا للمقاومة، إذ جابت المحافظات لزيارة المهجرين من أبناء الإسماعيلية، وقدمت عروضًا على الجبهة.

كما برع عبده العثمانلي، أحد أعضاء فرقة "الصامدين"، في تحويل أغنية عاطفية "يا بنت سامعاني" إلى ملحمة وطنية:
"يا دنيا سمعاني.. أبويا وصاني ما أخلي جنس دخيل يخش أوطاني، الأرض دي أرضي، أحميها أنا وولدي، أفديها بالأرواح وتعيشي يا بلدي."
"أحلف يمين بالله، الظلم ما نرضاه، واللي يعادينا يكتب بإيده شقاه، الحق دا حقي ما يضيعش يوم والله، ويا طبول دقي للنصر بإذن الله، منصور أنا منصور.. مالي طريقي نور، من دم شهدائنا، احمى يا قلبي وثور."
"يا رياض يا رمز الوطنية يا سيد الأبطال"
كما غنى عبده العثمانلي "يا رياض يا رمز الوطنية يا سيد الأبطال"، التي غناها عقب استشهاد الفريق عبد المنعم رياض، وتحولت إلى نشيد تردده الجماهير:
"يا رياض يا رمز التضحية يا سيد الأبطال، يا شهيد الأمة العربية، بقى لك أمثال ضربت لينا مَثَل عالي من وسط أسود في بالنا عايش طوّالي إلى يوم مشهود، يا اسم دايماً بيلالي يا حبيب أجيال، يا رياض يا رمز التضحية يا سيد الأبطال، رياض لابد ناخد تارك والغالي يهون عشان وطنّا وعشانك هنبيد صهيون كبير."

"صُغيّر بيشارك، بالروح والمال، يا رياض يا رمز التضحية يا سيد الأبطال، مكانش بيهمّك منه جيش الأعداء، وكان نضالك بيجّنه يا أبو الشهداء وكنت دايمًا، بتجنّه يا بطلنا يا عال، يا رياض يا رمز التضحية يا سيد الأبطال، يا ذكرى حلوة لبلادك، يا عظيم الشأن، وهبت روحك لبلادك يا بطل، طلعت شَهم لأجدادك، بقى لك تمثال، يا رياض يا رمز التضحية يا سيد الأبطال."
ويقول إبراهيم، ابن الفنان عبده العثمانلي، إن والده كان من أعمدة فن السمسمية الأصيل، متنقلًا بين المحافظات بأغاني الصمود التي ألهبت حماس المصريين في حرب الاستنزاف وما قبل معركة العبور.
ومع اندلاع حرب السادس من أكتوبر 1973، شاركت الفرقة في إحياء حفل على ضفاف القناة، إذ غنت للجنود أغاني وطنية وتراثية لرفع الروح المعنوية. واتضح لاحقًا أن الحفل جاء ضمن خطة تمويهية لإيهام العدو بأن الأوضاع هادئة، قبل أن تبدأ ساعة الصفر للعبور بعد ساعات قليلة.
"على هدير المدافع على الأذان، على كبر وأملا المسامع عبي الدانات غلي، كبر وأقول الله وسمع الدنيا الأذان."
رمز للمقاومة
وحولت فرقة "الصامدين" الأغنية الشعبية إلى رمز للمقاومة وعدم الاستسلام، ولم تكن الأغاني مجرد وسيلة للتسلية أو الترفيه، بل تحولت إلى أداة من أدوات المقاومة وسلاح معنوي لا يقل قيمة عن البندقية في أوقات المحن والشعور بالانهزامية.
وبثت الفرقة الأمل في نفوس الجنود والمهجّرين على حد سواء، ليكرمها الرئيس السادات، وبات اسم "الصامدين" رمزًا للمقاومة والإصرار.
ونالت فرقة "الصامدين" تقديرًا واسعًا، إذ تم تكريمها أكثر من مرة تقديرًا لدورها في رفع الروح المعنوية للجنود والمواطنين.

كما كان عثمان أحمد عثمان، وزير الإسكان والتعمير آنذاك، من أبرز الداعمين للفرقة، فساهم في تمويل نشاطها وتنقلاتها، وأسند إلى الكاتب الكبير محمود السعدني مهمة الإشراف عليها واختيار ملابسها.
ولم يكن هذا الدعم رسميًا فقط، بل شارك عدد من الشعراء والملحنين والعازفين في إثراء مسيرة الفرقة، من بينهم حافظ الصادق، حسن الجدوي، ومحمود السمان، إلى جانب آخرين.
وهكذا لم تكن "الصامدين" مجرد فرقة غنائية نشأت في مدينة الإسماعيلية، بل أصبحت رمزًا حيًا لمقاومة لا تنكسر، وصوتًا حمل هموم الوطن وأحلامه في زمن الهزيمة والأمل معًا.
استطاعت أن تثبت أن الكلمة واللحن قادران على مواجهة الدبابة والمدفع، وأن الأغنية الشعبية حين تصدر من قلب الناس تصبح سلاحًا لا يقل أثرًا عن أي بندقية.
وبقي اسم "الصامدين" شاهدًا على مرحلة صنعت فيها الأغنية الوطنية درعًا يحمي، ويغرس في وجدان الأجيال أن المقاومة لا تعرف حدودًا، وتكون أحيانًا بالكلمة واللحن، لكنها لن تغني بالطبع عن المال والسلاح.

الأكثر قراءة
-
على طريق الغدر.. التفاصيل الكاملة للتخلص من سائق على يد زميله في العمل
-
اتصور مع الأمن.. الحقيقة الكاملة لصورة مرشح داخل مجمع الأقصر الطبي
-
مصور "الفعل الفاضح": كان هيتسبب في كارثة على المحور
-
كرم ضيافة يليق بالرئيس السادات
-
6 أشهر في الشارع.. سيدة أجنبية تستغيث: "ابني طردني وجواز السفر اتسرق"
-
منصة الإيجار القديم 2025 تنطلق رسميًا.. إليك الرابط وطريقة التقديم
-
أبطال في الكورة والحرب.. نجوم شاركوا بملحمة أكتوبر أبرزهم من الأهلي والزمالك
-
برشلونة يسقط برباعية أمام إشبيلية بالدوري الإسباني

أخبار ذات صلة
لماذا اختار السادات حلمي البلك لإذاعة بيان نصر أكتوبر؟
06 أكتوبر 2025 05:43 م
بيبو والمعلم.. نموذج استثنائي للروح الرياضية تخطى حدود الملاعب
06 أكتوبر 2025 05:13 م
قصة عمرو طلبة.. العميل النائم الذي رفع العلم في قلب العدو
06 أكتوبر 2025 03:40 م
أسباب أزمة الإسماعيلي في الدوري الممتاز.. و"روشتة العلاج"
06 أكتوبر 2025 03:29 م
أكثر الكلمات انتشاراً