بعد تحقيق "تليجراف مصر" عن إجبار الأهالي على التبرع بالدم، الصحة العالمية ترد وتكشف أرقامًا صادمة
أكياس الدم - أرشيفية
لا تزال أصداء تسليط “تليجراف مصر” الضوء على إجبار المستشفيات أهالي بعض الحالات المرضية التي تعرف بـ"الحالات الباردة" على جلب أكياس دم قبل إجراء العمليات الجراحية، مستمرة، مما دفع مسؤول برامج سلامة الدم في مكتب منظمة الصحة العالمية، الدكتور محمد أبو جاد، لتوضيح بعض النقاط التي جاءت في تحقيقنا تحت عنوان “قبل إجراء العملية، شرط إجباري خفي يسبق مشرط الجراح في مستشفيات حكومية”.
التبرع الطوعي المنتظم
واستعرض أبو جاد عددا من المبادرات الطوعية للتبرع بالدم والتي تم إطلاقها بالتعاون بين منظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة أبرزها “شريان العطاء”، فضلا عن شهادات بعض الحالات المرضية والمتبرعين.
وقال أبو جاد لـ“تليجراف مصر”، إن التبرع الطوعي المنتظم هو الوسيلة الأساسية لضمان توفير الدم لكل من يحتاج إليه، لافتا إلى أن ما بدأه قبل ربع قرن كمبادرة طلابية تحول الآن إلى نموذج حقيقي لإنقاذ حياة الآلاف.
وأوضح أن مبادرة "شريان مصر" تقوم على المتبرعين الطوعيين منذ أكثر من عشرين عاما، إلا أن نسبة التبرع الطوعي في مصر لا تزال ضعيفة، ولا تتجاوز 10% إلى 15% من إجمالي التبرعات، بينما الاحتياجات السنوية من الدم تصل إلى 3 ملايين وحدة، في حين لا يتوفر سوى 1.6 مليون وحدة فقط، 90% منها تبرعات إجبارية من ذوي المرضى، وهو ما يمثل أزمة حقيقية في منظومة نقل الدم.

وأكد أن عدد مرضى أنيميا البحر المتوسط في مصر يتراوح بين 25 و30 ألف مريض يحتاجون إلى نقل دم كل أسبوعين أو كل شهر، بالإضافة إلى مرضى الأورام الذين يواجهون أيضا نقصا في الدم، مما جعل "شريان العطاء" نموذجا حقيقيا لتغطية المرضى في مختلف المحافظات.
ولفت إلى أن جامعة عين شمس وحدها تضم أكثر من 300 طفل مصاب يعتمدون على برنامج "شريان العطاء" لتوفير احتياجاتهم من الدم، إذ إن برنامج "التعرض المحدود" يقوم على مبدأ تقليل تعرض الطفل لدم من مصادر متعددة، منعا لحدوث مشاكل في توافق الدم على المدى الطويل، إذ يتولى مجموعة ثابتة من المتبرعين تغطية احتياجات الطفل بشكل منتظم، ويطلق عليهم داخل المبادرة اسم "شلة الخير" أو "شلة التبرع".
وتوقف أبو جاد عند مشكلة أخرى تواجه المتبرعين المنتظمين، قائلا: “بعضهم قد يحتاج لاحقا إلى الدم له أو لأحد أفراد أسرته، ورغم تبرعهم المستمر لسنوات، يطلب منهم أيضا توفير متبرع عند الحاجة، بسبب النظام القائم على التبرع الاستبدالي، وهذا ما تسعى إليه مبادرة شريان مصر الجديدة لمعالجته، إذ يتم تسجيل المتبرعين المنتظمين حتى يحصل كل منهم على الدم عند حاجته من خلال متبرع آخر يتبرع بدلا منه، دون دخول دائرة (هات متبرع) التقليدية”.
وبحسب مسؤول برامج سلامة الدم، فإن هذه المبادرة ساهمت في تغيير حياة مئات الصغار، موضحا: "لدينا أطفال بدأوا معنا منذ سنوات، واليوم تخرجوا من الجامعات، وبعضهم أبطال رياضيون، كل هذا فقط لأن الدم كان متوفرا لهم بانتظام، فاستطاعوا أن يعيشوا حياة شبه طبيعية".
علاج الثلاسيميا
وعن تجربة المرضى، روى أبو جاد قصصا من واقع التجربة، أولها سماح جمال، صاحبة الـ23 عاما، خريجة كلية الإعلام بجامعة القاهرة.
"أداني دم ودبدوب وورد"، هكذا وصفت سماح أول لقاء جمعها بالدكتور إبراهيم عبد القوي، أحد المتبرعين الطوعيين، الذين أصبحوا جزءا أساسيا من رحلة علاجها مع الثلاسيميا، وهو المرض الذي اكتشفته أسرتها عندما كانت في الـ 4 من عمرها، منذ ذلك الوقت وتحتاج لنقل كيسين دم شهريا".

وتروي سماح تجربتها مع المتبرعين الطوعيين: "الأشخاص الذين يذهبون للتبرع يجرى لهم فحوصات وتحاليل، وأغلبهم طلبة في كلية طب أو شباب رياضيين وصحتهم كويسة ولا يدخنون السجائر، تحاليلهم دائما ممتازة، لدرجة أنهم يهتمون بتحليل الدم لأنفسهم أيضا، فيكون الدم أكثر أمانا بنسبة 100%".
أما عن علاقتها بجمعية “شريان العطاء” التي كانت نقطة تحول في حياتها الصحية والنفسية، تقول سماح: “أصبحت سعيدة، وأصبحت أشعر باطمئنان حقيقي، فقد وجدنا أن الهم لم يعد يقع على عاتقنا وحدنا، بل هناك أشخاص آخرون يشاركوننا هذا الحمل، لا يكتفون بالتبرع فحسب، بل يتابعون احتياجاتي، ويسألونني عن وتيرة النقل، ويوفرون لنا الدم، فقد أصبح الأمر أكثر سلاسة، وشعرت فعلا أن أحدهم أزال عني حملا كبيرا”.
وتواصل حديثها عن أثر التبرع الطوعي في حياتها، متابعة: "لم يحدث أن تأجلت جلساتي من قبل بسبب عدم وجود متبرعين، دائما موجودون في أشد الأوقات، حتى في أزمة كورونا، أشخاص يساعدونني دون أن يعرفوني".
ورغم أنها لم تتمكن من لقاء جميع المتبرعين الذين أنقذوا حياتها أكثر من مرة، فإنها ممتنة لهم بشكل كبير، كاشفة: "أتمنى أن أرى جميع المتبرعين الطوعيين، وأحب أن أشكرهم وأقول لهم إنكم سبب في أن أكمل حياتي".
إنقاذ حياة الأطفال
لم يقتصر دور التبرع الطوعي على دعم مرضى الثلاسيميا فقط، بل يمتد لإنقاذ أطفال يواجهون أمراضا أخرى تهدد حياتهم منذ أيامهم الأولى، من بين هذه الحالات رغد، التي بدأت رحلتها مع نقل الدم قبل أن تكمل شهرين من عمرها.
وتحكي والدة رغد لـ“تليجراف مصر”، قائلة: "البداية كانت بتعب بسيط، طلب الطبيب تحليل دم فوري، وجاءت النتيجة صادمة، الهيموجلوبين 3، وفي الطريق إلى المستشفى تدهورت حالتها إلى 1، مما دفع أحد الأطباء للتعليق بعبارة لا تزال محفورة في قلبها: "أنتم جالبون لنا طفلة ميتة".
وحاول الأطباء إنقاذ رغد بشتى الطرق، وبعد محاولات صعبة للعثور على أوردة صغيرة تناسب عمرها، أصبح نقل الدم جزءا من علاج رغد بشكل منتظم، بدأ شهريا ثم مرة كل ثلاثة أسابيع، ليصبح ذلك روتينا ثابتا في حياتها.
جمعية “شريان العطاء”
ولتأمين الدم بشكل مستمر، لجأت الأسرة إلى جمعية “شريان العطاء”، التي وفرت لها وحدات الدم المطلوبة دون تأخير. تقول الأم: "التواصل كان سريعا، وإن الجمعية أصبحت الشريان الحقيقي الذي تعتمد عليه الأسرة، بعد سنوات من القلق والبحث عن متبرعين".
وأضافت الأم: "اليوم رغد تلميذة في الصف الرابع الابتدائي، وتستعد للاحتفال بعيد ميلادها الحادي عشر في 11 أبريل المقبل، بعد رحلة طويلة كان للمتبرعين الطوعيين فيها دورا أساسيا في إنقاذ حياتها مرة بعد أخرى".
كما بدأت رحلة الدكتور شاهين خليفة مع التبرع بالدم، حين كان في الـ40 من عمره، عندما تعرض أحد الأشخاص إلى حادث وتبرع له بالدم، ومع مرور الوقت، ترسخت عنده قناعة بأن التبرع بالدم هو "عبادة غائبة"، تجتمع فيها معاني الإنسانية وتعاليم الأديان.

ويحرص شاهين على التبرع بالدم كل 120 يوما، ويستغل الفترة بين كل تبرع وآخر، للتبرع بالبلازما أربع مرات بمعدل مرة أسبوعيا، أو التبرع بالصفائح مرتين بمعدل مرة كل 15 يوما.
وبخصوص التأثير الصحي للتبرع المنتظم، يوضح شاهين لـ“تليجراف مصر”، أنه لا يستطيع تحديد فروقات صحية دقيقة لعدم إجرائه قياسات قبل وبعد التبرع، لكنه يؤكد أنه لم يسبب له أي ضرر، بل على العكس، دفعه إلى الإقلاع عن عادة تدخين "الشيشة".
وقال إنه لم يكن مدخنا بالأساس، لكنه كان يدخن الشيشة أحيانا حسب المكان، وفي إحدى الفترات بعد الانتهاء من سهرة، ذهب في الصباح للتبرع، فتبين ارتفاع نسبة الهيموجلوبين لديه بصورة تمنع التبرع، وبعد أسئلة الأطباء، وذهوله من هذا الموقف، تبين أن تدخين الشيشة كان السبب في ذلك، حينها أقلع عنها فورا، مضيفا: "لتذهب أي شيء يمنعني عن فعل الخير للآخرين".
ويشير إلى أنه من بين المواقف المشجعة التي صادفها حمل بعض المرضى أسماء أبنائه، أما عن المواقف المحبطة، فكانت كثيرة، ومنها ما يتعلق بأداء بعض أفراد الفريق الطبي، أو أعطال فنية في الأجهزة بعد وصوله إلى مركز التبرع، أو تغيب المتبرع له، أو حتى توقيت التبرع في وقت الظهيرة خلال فصل الصيف، ورغم كل هذه التحديات، يعتبرها اختبارات ربانية لقياس مدى إصراره على مواصلة العطاء.
جمعية شريان العطاء
ومن جانبه، قال المدير التنفيذي لجمعية شريان العطاء الدكتور تامر أحمد، إن “شريان” هي الجمعية الأهلية المصرية الوحيدة التي تعمل على زيادة عدد المتبرعين الطوعيين بالدم، وتتميز ببرنامج خاص لرعاية المتبرعين بعد التبرع، رغم اعتمادها الأساسي على الجهود التطوعية، لافتا إلى أن الجمعية سعت مؤخرا لتوسيع نطاق عملها عبر جذب داعمي المبادرات الصحية في مصر لضمان توافر الدم لكل محتاج.
ويوضح المدير التنفيذي لـ“تليجراف مصر”، أن جهود "شريان" ترتكز على عدة محاور رئيسية، أبرزها: حملات توعية مكثفة، سواء بشكل مباشر أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لتوضيح الفارق بين التبرع الطوعي والاستبدالي، وتسليط الضوء على فوائد الأول ومخاطر الثاني على صحة المريض، بالإضافة إلى تنفيذ برنامج رعاية المتبرعين المتطوعين، الذي يقدم لهم خدمات معنوية وطبية لتحفيزهم كمتبرعين منتظمين، إلى جانب الاستعانة بالمؤثرين وكتاب الرأي والصحفيين والمشاهير، كسفراء لنشر ثقافة التبرع بالدم.

تطبيق "شريان"
ويضيف أن الجمعية أطلقت تطبيق "شريان" عبر الهواتف الذكية، الذي يسهل تسجيل المتبرعين، ويرسل لهم مواعيد التبرع، ويوفر معلومات طبية وصحية قيمة، مشيرا إلى أن الجمعية تتمتع بروتوكولات تعاون مع جهات حكومية ودولية، منها وزارة الصحة، ممثلة في خدمات بنك الدم القومية، ووزارة الشباب، ومنظمة الصحة العالمية، وجامعة عين شمس، ومستشفى 57357.
ومؤخرا، تم توقيع بروتوكول تعاون مع محافظة بني سويف لإطلاق مشروع “شريان مصر” فرع بني سويف، لدعم التبرع المنتظم بالدم، وتعمل الجمعية حصريا مع بنوك الدم التابعة لوزارة الصحة والبنوك الجامعية والأهلية فقط.
اقرأ أيضًا:
قبل إجراء العملية، شرط "إجباري" خفي يسبق مشرط الجراح في مستشفيات حكومية
الأكثر قراءة
-
نهاية مأساوية لـ المأمورية الأخيرة، الصور الأولية لـ 4 قضاة توفوا بحادث المنيا
-
بالصحراوي الشرقي، التحفظ على سائق الشاحنة المتسبب بوفاة 4 قضاة وتفحم سيارتهم بالمنيا
-
شهيدة الشرف.. مقتل فتاة بعد مقاومتها لمحاولة اعتداء في حدائق القبة
-
بدأ باحتكاك، 3 مصابين في معركة دامية بكرداسة (فيديو)
-
بأمر المحامي العام, النيابة تطلب تقريراً فنياً عاجلاً حول حادث القضاة الأربعة بملوي
-
لفتة عفوية، محافظ الأقصر يوقف موكبه لتهنئة عروسين على الكورنيش
-
مشاهدة مباراة فلسطين ضد سوريا في كأس العرب 2025.. تحظى بأعلى معدلات البحث
-
على يد طليقته وزوجها العرفي، من هو الفنان سعيد مختار الذي قُتل غدراً ؟
أخبار ذات صلة
مدرب الجابون: طموحنا كبير في أمم أفريقيا، وهذه نقاط قوتنا وضعفنا| حوار
07 ديسمبر 2025 09:17 م
أزمة الموسم في أوروبا.. تصريحات صلاح تهزّ ليفربول وتفتح باب الرحيل
07 ديسمبر 2025 02:19 م
بعد إقراره، كيف يحمي قانون المسؤولية الطبية حقوق المرضى والأطباء في المنظومة الصحية؟
06 ديسمبر 2025 01:40 م
قمة مصر والإمارات، طموح الفراعنة يصطدم بأغلى منتخب في البطولة العربية
05 ديسمبر 2025 03:12 م
أكثر الكلمات انتشاراً