الأربعاء، 08 أكتوبر 2025

11:04 ص

بعد عامين على حرب غزة.. هل دفع اقتصاد إسرائيل ثمن قرارها؟

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو

تواجه إسرائيل واحدة من أعمق أزماتها الاقتصادية منذ تأسيسها، بعدما تجاوزت الأعباء المالية لحرب غزة بعد مرور عامين عليها؛ مئات المليارات من الشواكل، وأثرت على الموازنة العامة وسوق العمل والعقارات والسياسات النقدية لبنك إسرائيل.

وبحسب تقديرات وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، فقد بلغت تكلفة الحرب نحو 300 مليار شيكل (89.4 مليار دولار)، بينما وصل الإنفاق العسكري في عام 2024 إلى 168 مليار شيكل (51.3 مليار دولار)، أي أكثر من ضعف مستواه في عام 2022، وفقًا لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل". 

الحرب بدورها أثرت على البنية التحتية وتراجع النشاط في قطاعات السياحة والتجارة والصناعة، ما أدى إلى إضعاف الاحتياطات المالية للدولة، وبالتالي خفض بنك إسرائيل توقعاته للنمو إلى 2.5% بدلًا من 3.3%.

وتلقت القطاعات المحورية مثل التكنولوجيا والابتكار ضربة قوية، إذ تراجعت الاستثمارات الأجنبية والتمويل الدولي، وتفاقم نقص الكفاءات بسبب استدعاء الاحتياط، ما أضعف الإنتاجية وعطل مشاريع كبرى، فيما تأثرت صادرات التكنولوجيا باضطراب سلاسل الإمداد، وفقًا لما نقلته شبكة “سكاي نيوز”. 

كما تكبد قطاع الطاقة والغاز الطبيعي خسائر بمليارات الدولارات بعد توقف الإنتاج في بعض الحقول البحرية، فيما ازدادت المخاطر الأمنية حول مشاريع الغاز الإقليمية.

 أما السياحة، فتكبدت خسائر بلغت نحو 12 مليار شيكل (3.4 مليارات دولار)، نتيجة تراجع الزوار وإلغاء الفعاليات، ما انعكس سلبًا على سوق العمل والإيرادات العامة.

وشهدت التجارة والاستثمارات الدولية تراجعًا مع إلغاء مؤتمرات وصفقات بمليارات الدولارات، إلى جانب خسائر في الصناعات العسكرية بعد إلغاء عقود تسليح من دول أوروبية وآسيوية.

صراعات مع دول متعددة

وخلال العامين الماضيين، وجدت إسرائيل نفسها في مواجهة مفتوحة على أكثر من جبهة، إذ دخلت في صراعات متزامنة مع دول وقوى إقليمية متعددة، ما زاد من استنزافها العسكري والاقتصادي، فمنذ اندلاع الحرب، تم إطلاق نحو 37,500 صاروخ باتجاه إسرائيل من عدة جبهات مختلفة، ما زاد من الأعباء الأمنية والعسكرية،.

عدد المسيرات والصواريخ

من جانبه قال الدكتور علي الإدريسي، أستاذ الاقتصاد الدولي وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع، إنه على الرغم من مرور عامين على الحرب في قطاع غزة، وما خلّفته من خسائر مالية ضخمة وتكاليف عسكرية باهظة، فإن الاقتصاد الإسرائيلي لم ينهار، ولكن يعمل بوتيرة أبطأ مما قبل الحرب.

وأوضح الإدريسي لـ"تليجراف مصر"، أن السبب الرئيسي وراء ذلك هو التركيبة المتنوعة للاقتصاد الإسرائيلي، فهو لا يعتمد على قطاع واحد فقط، بل يقوم على قاعدة إنتاجية متنوعة تشمل التكنولوجيا المتقدمة، والصناعات الدفاعية، والقطاع المالي، والزراعة الحديثة، والخدمات الرقمية، هذه القطاعات تتمتع بمرونة عالية، وتمتلك قدرة على استعادة نشاطها بسرعة بعد الأزمات، خصوصًا أن كثيرًا من صادراتها لا تتأثر مباشرة بالحروب داخل المنطقة.

الدعم الخارجي الواسع

وأضاف الإدريسي أن عاملًا آخر مهمًا هو الدعم الخارجي الواسع الذي تتلقاه إسرائيل من حلفائها، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، سواء عبر المساعدات العسكرية أو الدعم المالي والاستثماري أو حتى من خلال حماية مصالحها التجارية في الأسواق العالمية، وهذا الدعم يمنحها غطاءً اقتصاديًا واستراتيجيًا يمنع الانهيار الكامل حتى في أوقات الأزمات الممتدة.

ووفق الإدريسي تتعامل المؤسسات الاقتصادية الإسرائيلية بقدر من الواقعية والانضباط المالي؛ فالبنك المركزي والحكومة يتدخلان سريعًا بسياسات نقدية ومالية لاحتواء آثار الحرب، مثل دعم القطاعات المتضررة، وتحفيز الاستثمار في التكنولوجيا والأمن السيبراني، وضبط معدلات التضخم، هذه الإجراءات تعزز الثقة في الاقتصاد وتمنع حدوث ذعر مالي واسع.

وأوضح الإدريسي أنه إلى جانب ذلك، طبيعة المجتمع الإسرائيلي الاقتصادية القائمة على المبادرة الفردية وريادة الأعمال ساعدت في خلق بيئة إنتاجية مرنة قادرة على التكيّف، فالشركات الناشئة، خاصة في مجالات التكنولوجيا والأمن، استطاعت أن تحافظ على نشاطها وتواصل جذب الاستثمارات حتى في ظل الحرب.

حالة “اقتصاد حرب”

واستكمل: "وبالتالي لا يمكن إغفال أن الاقتصاد الإسرائيلي يعيش في ظل حالة “اقتصاد حرب” منذ تأسيس الدولة، أي أنه معتاد على الأزمات ويملك بنية مؤسسية تسمح له بالعمل رغم استمرار التوترات، فالإنتاج لا يتوقف بالكامل، بل يعاد توجيهه لخدمة أهداف أمنية وعسكرية واقتصادية متشابكة.

ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي مع انخفاض الفائض

ومن جانبه قال الدكتور عز الدين حسنين، الخبير الاقتصادي إن حجم الناتج المحلي الإجمالي في إسرائيل لعام 2023 بلغ تقريبًا 515 مليار دولار، وهو عام الحرب مع حماس، وارتفع في عام 2024 إلى 540 مليار دولار، وهو العام التالي للحرب.

ووفق حسنين، تشير توقعات صندوق النقد الدولي لعام 2025 إلى أنه سيبلغ تقريبًا 585 مليار دولار، ما يعني أنه رغم الحرب ينمو الناتج المحلي الإجمالي الاسمي مدفوعًا بارتفاع الأسعار (التضخم) الذي ارتفع كنتيجة وأثر للحرب مع حماس وارتفاع النفقات العامة على التسليح والذخائر.

وأضاف حسنين لـ"تليجراف مصر"، أن الناتج الإجمالي الحقيقي انخفض مدفوعًا بانخفاض الصادرات، وانخفاض تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ونقص الأيدي العاملة التي تم استدعاؤها للحرب، 

وتابع أن الاقتصاد الإسرائيلي مدعوم بالاقتصاد الأمريكي والأسواق العالمية التي تشتري سندات وأذون الخزانة الإسرائيلية بسهولة لدعم الإنفاق العسكري الإسرائيلي ودعم الاحتياطات الأجنبية لمنع الشيكل من الانهيار، إضافة إلى الدعم العسكري السنوي من الولايات المتحدة الذي يبلغ 3.8 مليار دولار بخلاف المساعدات النقدية.

وأوضح أنه بالإضافة إلى ذلك، يوجد البعد الاجتماعي، وهو تضحية شريحة كبيرة من المواطنين الإسرائيليين برفع الضرائب وانخفاض هامش الرفاهية كضرورة وطنية من أجل الحرب ودعم الجيش، وهو الثمن المطلوب للحفاظ على وجود الدولة.

خسائر بشرية

وإلى جانب الخسائر الاقتصادية، تكبّدت إسرائيل خسائر بشرية كبيرة خلال العامين الماضيين، إذ بلغ إجمالي القتلى في صفوف قواتها الأمنية والعسكرية أكثر من ألف جندي وضابط، وفقًا لتقرير رسمي صادر عن وزارة الدفاع الإسرائيلية.

وتجاوز عدد الجرحى حوالي 29,935، بينهم حوالي 20 ألف من العسكريين المسجلين لدى وزارة الدفاع. 

search