الخميس، 09 أكتوبر 2025

07:36 ص

"عمر ياغي" عالم الكيمياء الفلسطيني الأصل نال جائزة إسرائيلية قبل نوبل

عمر ياغي يلقي كلمة عقب فوزه بجائزة مؤسسة "وولف" في إسرائيل عام 2018

عمر ياغي يلقي كلمة عقب فوزه بجائزة مؤسسة "وولف" في إسرائيل عام 2018

حين جرى إعلان اسم العالم عمر ياغي اليوم ضمن الفائزين بجائزة نوبل في مجال الكيمياء لعام 2025، احتفى به العالم بوصفه أحد العقول العربية النادرة التي بلغت قمة المجد العلمي، فالرجل الذي يعتبر واحدًا من أبرز المساهمين في تطوير "الأطر الفلزية العضوية" (MOFs)، وهي مواد أحدثت ثورة في تخزين الغازات والطاقة، أصبح فجأة حديث الصحافة الدولية والعربية على السواء.

ورغم هذا النبوغ والتميز فإن مفارقة لافتة لا يمكن تجاهلها مطلقًا تقف وراء هذا المجد العلمي الذي حققه عمر ياغي، اليوم، وصفق له الجميع.

عمر ياغي الحائز على جائزة نوبل في الكيمياء 2025

المفارقة التي قد لا يصدقها أحد هي أن العالم عمر مؤنس ياغي الذي ينحدر من أصول فلسطينية، ويحمل ثلاث جنسيات هي الأردنية والأمريكية والسعودية (الأخيرة حصل عليها في عام 2021)، كان قد تسلّم في عام 2018 جائزة "وولف" الإسرائيلية في الكيمياء، وهي من أهم الجوائز الأكاديمية في العالم، وتبلغ قيمتها 100 ألف دولار (حوالي 5 ملايين جنيه).

عمر ياغي نال جائزة إسرائيلية بمراسم رسمية في القدس المحتلة

هذه المعلومة التي لم تنتبه لها الصحافة العربية، قادنا إليها بحث معمق في سيرة عمر ياغي، وبعد التفتيش في مواقع أكاديمية أمريكية كانت المفاجأة التي وقفنا أمامها طويلًا وهي أن جائزة "وولف" تُمنح من مؤسسة مقرها تل أبيب وتُعرف باسم Wolf Foundation، وتُمنح سنويًا في مجالات الطب، والكيمياء، والفيزياء، والزراعة، والفنون.

عمر ياغي يلقي كلمة عقب فوزه بجائزة مؤسسة "وولف" في إسرائيل عام 2018

ووفق ما جمعته "تليجراف مصر" من معلومات عن جائزة "وولف" فإنها تُعد من أكثر الجوائز العلمية تأثيرًا على مستوى العالم بعد نوبل، لكن ما لا ينتبه إليه الكثيرون هو أن مراسم منحها تُقام داخل إسرائيل، بحضور رئيس الدولة نفسه في احتفال رسمي في القدس المحتلة!

وبحسب الموقع الرسمي لكلية الكيمياء في جامعة كاليفورنيا بيركلي، حيث يعمل ياغي أستاذًا بها، فقد أُعلن عن فوزه بالجائزة في عام 2018 ضمن حدث رسمي استضافه رئيس دولة إسرائيل.

ووفق مقالة منشورة على الموقع ذاته، فإن عمر ياغي فاز بالجائزة لـ"ريادته في الكيمياء الشبكية عبر الأطر المعدنية العضوية (MOFs) والأطر التساهمية العضوية (COFs) وتشارك معه الجائزة في ذلك العام (2018) البروفيسور ماكوتو فوجيتا من جامعة طوكيو الذي تم الاستشهاد بعمله فيما عُرف بـ"التجميع الموجه بالمعادن للجزيئات الكبيرة".

المقالة المنشورة عام 2018 بالموقع الرسمي لكلية الكيمياء في جامعة كاليفورنيا بيركلي

العالم الفلسطيني عمر ياغي يفتخر بالجائزة الإسرائيلية

المفارقة كانت في التصريح الذي أدلى به البروفيسور ياغي صاحب الأصول الفلسطينية تعليقًا على فوزه بالجائزة الإسرائيلية، حيث قال نصًا: "يشرفني بشدة أن يتم اختياري لهذه الجائزة الدولية المرموقة. وقد جعل إعلامي بها في عيد ميلادي مناسبة مضاعفة الخصوصية".

وتابع: “أنا ممتن لأعضاء لجنة اختيار جائزة وولف والمحكمين الدوليين، وكذلك لمن رشحوني ومنحوني ثقتهم، ولزملائي هنا في بيركلي لدعمهم المستمر وروح الزمالة، وزملائي علماء الكيمياء الشبكية حول العالم، وجميع الذين ساعدوني على مر السنين، لا سيما أعضاء مجموعتي البحثية السابقين والحاليين”.

رئيس إسرائيل يسلم عمر ياغي جائزة "وولف"

وتظهر صور أرشيفية متداولة على نطاق ضيق، حصلت عليها "تليجراف مصر" لكواليس حفل توزيع جوائز مؤسسة "وولف" الإسرائيلية عام 2018، مزيدًا من المفاجآت، حيث يظهر فيها عمر ياغي أثناء تسلمه الجائزة من رئيس إسرائيل وقتذاك روؤوبين ريفلين (تولي رئاسة دولة الكيان خلال الفترة من 24 يوليو 2014 حتى 7 يوليو 2021).

رئيس إسرائيل روؤوبين ريفلين (يمين) لحظة تسليم جائزة وولف للعالم عمر ياغي (2018)

وفي ذلك الوقت أعلن عمر ياغي تبرعه بقيمة الجائزة، وأشاد بذلك بعض العلماء ومن بينهم البروفيسور الإسكتلندي الأمريكي فريزر ستودارت (الفائز بجائزة نوبل في الكيمياء عام 2016)، الذي كتب منشورًا على منصة "إكس" قال فيه: "تم مقاطعة عمر ياغي، الفائز بجائزة وولف في الكيمياء لعام 2018، خلال إلقاء خطابه بتصفيق مدوٍّ من الجمهور عندما أعلن أنه يتبرع بالجزء المالي من جائزته لدعم الأطفال المحرومين، أمثاله، ليصبحوا علماء. أحسنت يا عمر"!

والحقيقة أن عمر ياغي لم يحدد على وجه الدقة من هم "الأطفال المحرومين" الذي قرر أن يتبرع لهم بقيمة الجائزة (100 ألف دولار) وما إذا كان يقصد أطفال فلسطين المحرومين بطبيعة الحال من كل شيء.

تدوينة البروفيسور الإسكتلندي الأمريكي فريزر ستودارت

عالم من أصول فلسطينية تسلم جائزة من إسرائيل

العلم لا يعرف الحدود، والمبدعون ينتمون إلى الإنسانية قبل الأوطان، هي عبارات نسمعها دائمًا ولا يختلف عليها اثنان، إلا أن هذه العبارات المثالية تتعثر أمام واقعٍ شديد الحساسية، إذ كيف يمكن لعالم من أصول فلسطينية أن يتسلّم جائزة علمية من دولة لا تزال تحتل الأرض التي وُلد فيها أجداده؟

المؤكد أن مؤسسة وولف الإسرائيلية، وإن كانت في ظاهرها مؤسسة علمية، فإنها تظل جهة إسرائيلية رسمية المنشأ تخضع في نظامها القانوني لإشراف حكومي، وتُسلَّم جوائزها ضمن مراسم رئاسية داخل دولة الكيان نفسها.

في الوقت الذي تُحاصر غزة اليوم تحت وابل من الدمار والدم، منذ انطلاق الحرب في 7 أكتوبر 2023، يتذكّر كثيرون أن هذا العالم الفلسطيني الأصل صعد قبل سنوات إلى منصة في القدس المحتلة ليتسلم جائزة إسرائيلية.

عمر ياغي أثناء حفل توزيع جوائز مؤسسة وولف الإسرائيلية (2018)

عمر ياغي من تل أبيب إلى ستوكهولم

و"تليجراف مصر" إذ تلقي هالة ضوء على هذا الحدث الذي مر عليه 7 سنوات، فإنها تؤكد أن لا أحد يشكك في عبقرية عمر ياغي، ولا تقلل من حجم إنجازة الكبير وإسهامه المتميز في تطوير العلم الحديث، لكن ما بين جائزةٍ من تل أبيب وأخرى من ستوكهولم، يبقى السؤال الإنساني مفتوحًا: هل يستطيع العلم أن ينزع عن الجغرافيا ذاكرتها؟ وهل يمكن أن تُمحى رمزية المكان حين يصعد ابن الأرض المحتلة إلى منصة الجائزة في قلب من يحتلها؟

search